حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ فَقَالَ "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاَتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَلاَ يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ" ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ "أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا"
 

(1/507)


قوله :"باب حك البزاق باليد من المسجد" أي سواء كان بآلة أم لا. ونازع الإسماعيلي في ذلك فقال: قوله: "فحكه بيده " أي تولى ذلك بنفسه لا أنه باشر بيده النخامة، ويؤيد ذلك الحديث الآخر أنه " حكها بعرجون " ا هـ. والمصنف مشى على ما يحتمله اللفظ، مع أنه لا مانع في القصة من التعدد، وحديث العرجون رواه أبو داود من حديث جابر. قوله: "عن حميد عن أنس" كذا في جميع ما وقفت عليه من الطرق بالعنعنة، ولكن أخرجه عبد الرزاق فصرح بسماع حميد من أنس فأمن تدليسه. قوله: "نخامة" قيل هي ما يخرج من الصدر، وقيل النخاعة بالعين من الصدر، وبالميم من الرأس. قوله: "في القبلة" أي الحائط الذي من جهة القبلة. قوله: "حتى رؤي" أي شوهد في وجهه أثر المشقة، وللنسائي: "فغضب حتى أحمر وجهه " وللمصنف في الأدب من حديث ابن عمر " فتغيظ على أهل المسجد". قوله: "إذا قام في صلاته" أي بعد شروعه فيها. قوله: "أو أن ربه" كذا للأكثر بالشك كما سيأتي في الرواية الأخرى بعد خمسة أبواب. وللمستملي والحموي " وأن ربه " بواو العطف، والمراد بالمناجاة من قبل العبد حقيقة النجوى ومن قبل الرب لازم ذلك فيكون مجازا، والمعنى إقباله عليه بالرحمة والرضوان، وأما قوله: "أو إن ربه بينه وبين القبلة" وكذا في الحديث الذي بعده " فإن الله قبل وجهه " فقال الخطابي: معناه أن توجهه إلى القبلة مفض بالقصد منه إلى ربه فصار في التقدير: فإن مقصوده بينه وبين قبلته. وقيل هو على حذف مضاف أي عظمة الله أو ثواب الله. وقال ابن عبد البر: هو كلام خرج على التعظيم لشأن القبلة. وقد نزع به بعض المعتزلة القائلين بأن الله في كل مكان، وهو جهل واضح، لأن في الحديث أنه يبزق تحت قدمه، وفيه نقض ما أصلوه، وفيه الرد على من زعم أنه على العرش بذاته(1) ومهما تؤول به هذا جاز أن يتأول به ذاك والله أعلم. وهذا التعليل يدل على أن البزاق في القبلة حرام سواء كان في المسجد أم لا ولا سيما من المصلى فلا يجري فيه الخلاف في أن كراهية البزاق في المسجد هل هي للتنزيه أو للتحريم. وفي صحيحي ابن خزيمة وابن حبان من حديث حذيفة مرفوعا: "من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفله بين عينيه " وفي رواية لابن خزيمة من حديث ابن عمر مرفوعا: "يبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه " ولأبي داود وابن حبان من حديث السائب بن خلاد " أن رجلا أم قوما فبصق في القبلة، فلما فرغ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يصلي لكم " الحديث، وفيه أنه قال له " إنك آذيت الله ورسوله". قوله: "قبل قبلته" بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة قبلته. قوله: "أو تحت قدمه" أي اليسرى كما
ـــــــ
(1) ليس في الحديث المذكور رد على من أثبت استواء الرب سبحانه على العرش بذاته,لأن النصوص من الآيات والأحاديث في إثبات استواء الرب سبحانه على العرش بذاته محكمة قطعية واضحة لاتحتمل أدنى تأويل. وقد أجمع أهل السنة على الأخذ بها والإيمان بما دلت عليه على الوجه الذى يليق بالله سبحانه من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته.وأما قوله في هذا الحديث"فإن الله قبل وجهه إذا صلى" وفي لفظ"فإن ربه بينه وبين القبلة " فهذالفظ محتمل يجب أن يفسر بما يوافق النصوص المحكمة كما قد أشار الإمام ابن عبد البر إلى ذلك ,ولايجوز حمل هذا اللفظ وأشباهه على مايناقض نصوص الاستواء الذي أثبتته النصوص القطعية المحكمة الصريحة. والله أعلم
(1/508)


في حديث أبي هريرة في الباب الذي بعده، وزاد أيضا من طريق همام عن أبي هريرة " فيدفنها " كما سيأتي ذلك بعد أربعة أبواب. قوله: "ثم أخذ طرف ردائه الخ" فيه البيان بالفعل ليكون أوقع في نفس السامع، وظاهر قوله: "أو يفعل هكذا" نه مخير بين ما ذكر، لكن سيأتي بعد أربعة أبواب أن المصنف حمل هذا الأخير على ما إذا بدره البزاق، فأو - على هذا - في الحديث للتنويع. والله أعلم.