حدثنا مالك بن إسماعيل قال حدثنا زهير قال حدثنا حميد عن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة فحكها بيده ورؤي منه كراهية أو رؤي كراهيته لذلك وشدته عليه وقال "إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنما يناجي ربه أو ربه بينه وبين قبلته فلا يبزقن في قبلته ولكن عن يساره أو تحت قدمه" ثم أخذ طرف ردائه فبزق فيه ورد بعضه على بعض قال "أو يفعل هكذا"
 
قوله :"باب إذا بدره البزاق" أنكر السروجي قوله: "بدره " وقال: المعروف في اللغة بدرت إليه وبادرته، وأجيب بأنه يستعمل في المغالبة فيقال: بادرت كذا فبدرني أي سبقني، واستشكل آخرون التقييد في الترجمة بالمبادرة، مع أنه لا ذكر لها في الحديث الذي ساقه، وكأنه أشار إلى ما في بعض طرق الحديث المذكور وهو ما رواه مسلم من حديث جابر بلفظ: "وليبصق عن يساره وتحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادرة فليقل بثوبه هكذا ثم طوى بعضه على بعض " ولابن أبي شيبة وأبي داود من حديث أبي سعيد نحوه وفسره في رواية أبي داود " بأن يتفل في ثوبه ثم يرد بعضه على بعض " والحديثان صحيحان لكنهما ليسا على شرط البخاري، فأشار إليهما بأن حمل الأحاديث التي لا تفصيل فيها على ما فصل فيهما. والله أعلم. وقد تقدم الكلام على حديث أنس قبل خمسة أبواب،
(1/513)


وقوله هنا " ورؤي منه " بضم الراء بعدها واو مهموزة، أي من النبي صلى الله عليه وسلم و " كراهيته " بالرفع أي ذلك الفعل، وقوله: "أو رؤي " شك من الراوي وقوله: "وشدته " بالرفع عطفا على كراهيته ويجوز الجر عطفا على قوله: "لذلك". وفي الأحاديث المذكورة من الفوائد - غير ما تقدم - الندب إلى إزالة ما يستقذر أو يتنزه عنه من المسجد، وتفقد الإمام أحوال المساجد وتعظيمها وصيانتها، وأن للمصلي أن يبصق وهو في الصلاة ولا تفسد صلاته، وأن النفخ والتنحنح في الصلاة جائزان لأن النخامة لا بد أن يقع معها شيء من نفخ أو تنحنح، ومحله ما إذا لم يفحش ولم يقصد صاحبه العبث ولم يبن منه مسمى كلام وأقله حرفان أو حرف ممدود، واستدل به المصنف على جواز النفخ في الصلاة كما سيأتي في أواخر كتاب الصلاة، والجمهور على ذلك، لكن بالشرط المذكور قبل. وقال أبو حنيفة: إن كان النفخ يسمع فهو بمنزلة الكلام يقطع الصلاة، واستدلوا له بحديث عن أم سلمة عند النسائي وبأثر عن ابن عباس عند ابن أبي شيبة. وفيها أن البصاق طاهر، وكذا النخامة والمخاط خلافا لمن يقول: كل ما تستقذره النفس حرام، ويستفاد منه أن التحسين والتقبيح إنما هو بالشرع، فإن جهة اليمين مفضلة على اليسار، وأن اليد مفضلة على القدم. وفيها الحث على الاستكثار من الحسنات وإن كان صاحبها مليا لكونه صلى الله عليه وسلم باشر الحك بنفسه، وهو دال على عظم تواضعه، زاده الله تشريفا وتعظيما صلى الله عليه وسلم.
(1/514)