وَقَالَ كُرَيْبٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ شَغَلَنِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ" (2/63)
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ قَالَتْ وَالَّذِي ذَهَبَ بِهِ مَا تَرَكَهُمَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ وَمَا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى ثَقُلَ عَنْ الصَّلاَةِ وَكَانَ يُصَلِّي كَثِيرًا مِنْ صَلاَتِهِ قَاعِدًا تَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا وَلاَ يُصَلِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ مَخَافَةَ أَنْ يُثَقِّلَ عَلَى أُمَّتِهِ وَكَانَ يُحِبُّ مَا يُخَفِّفُ عَنْهُمْ" [الحديث 590 – أطرافه في : 1631,593,592,591] حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَتْ عَائِشَةُ "ابْنَ أُخْتِي مَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَطُّ" حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ رَكْعَتَانِ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُهُمَا سِرًّا وَلاَ عَلاَنِيَةً رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ" حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ رَأَيْتُ الأَسْوَدَ وَمَسْرُوقًا شَهِدَا عَلَى عَائِشَةَ قَالَتْ: "مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي فِي يَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلاَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ"
 
قوله :"باب ما يصلي بعد العصر من الفوائت ونحوها" قال الزين بن المنير: ظاهر الترجمة إخراج النافلة المحضة التي لا سبب لها. وقال أيضا: إن السر في قوله: "ونحوها " ليدخل فيه رواتب النوافل وغيرها. قوله: "وقال كريب" يعني مولى ابن عباس "عن أم سلمة الخ" وهو طرف من حديث أورده المؤلف مطولا في " باب إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده " قبيل كتاب الجنائز وقال في آخره: "أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان" . قوله في حديث عائشة "والذي ذهب به ما تركهما حتى لقي الله" وقولها في الرواية الأخرى: "ما ترك السجدتين بعد العصر عندي قط" وفي الرواية الأخرى "لم يكن يدعهما سرا ولا علانية" وفي الرواية الأخيرة "ما كان يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين" تمسك بهذه الروايات من أجاز التنفل بعد العصر مطلقا ما لم يقصد الصلاة عند غروب الشمس، وقد تقدم نقل المذاهب في ذلك، وأجاب عنه من أطلق الكراهة بأن فعله هذا يدل على جواز استدراك ما فات من الرواتب من غير كراهة، وأما مواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك فهو من خصائصه، والدليل عليه رواية ذكوان مولى عائشة أنها حدثته أنه صلى الله عليه وسلم: "كان يصلي بعد العصر وينهي عنها، ويواصل وينهي عن الوصال " رواه أبو داود، ورواية أبي سلمة عن عائشة في نحو هذه القصة وفي آخره: "وكان إذا صلى صلاة أثبتها " رواه مسلم، قال البيهقي: الذي اختص به صلى الله عليه وسلم المداومة على ذلك لا أصل القضاء، وأما ما روى عن ذكوان عن أم سلمة في هذه القصة أنها قالت: "فقلت يا رسول الله أنقضيهما إذا فاتتا؟ فقال لا". فهي
(2/64)


رواية ضعيفة لا تقوم بها حجة صلى الله عليه وسلم. قلت: أخرجها الطحاوي واحتج بها على أن ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم وفيه ما فيه. "فائدة": روى الترمذي من طريق جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "إنما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر لأنه أتاه مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر، فصلاهما بعد العصر، ثم لم يعد " قال الترمذي حديث حسن.
قلت: وهو من رواية جرير عن عطاء، وقد سمع منه بعد اختلاطه، وإن صح فهو شاهد لحديث أم سلمة، لكن ظاهر قوله: "ثم لم يعد " معارض لحديث عائشة المذكور في هذا الباب، فيحمل النفي على علم الراوي فإنه لم يطلع على ذلك، والمثبت مقدم على النافي.
وكذا ما رواه النسائي من طريق أبي سلمة عن أم سلمة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيتها بعد العصر ركعتين مرة واحدة " الحديث.
وفي رواية له عنها " لم أره يصليهما قبل ولا بعد " فيجمع بين الحديثين بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصليهما إلا في بيته، فلذلك لم يره ابن عباس ولا أم سلمة، ويشير إلى ذلك قول عائشة في رواية الأولى " وكان لا يصليهما في المسجد مخافة أن يثقل على أمته". قوله: "أنه سمع عائشة قالت: والذي ذهب به" في رواية البيهقي من طريق إسحاق بن الحسن، والإسماعيلي من طريق أبي زرعة كلاهما عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه أنه دخل عليها فسألها عن ركعتين بعد العصر فقالت: "والذي ذهب بنفسه " تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزاد فيه أيضا: "فقال لها أيمن: إن عمر كان ينهي عنهما ويضرب عليهما " فقالت: "صدقت، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما " فذكره.
والخبر بذلك عن عمر أيضا ثابت في رواية كريب عن أم سلمة التي ذكرناها في " باب إذا كلم وهو يصلي ففي أول الخبر عن كريب أن ابن عباس والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر أرسلوه إلى عائشة فقالوا: اقرأ عليها السلام منا جميعا وسلها عن الركعتين بعد صلاة العصر وقل لها إنا أخبرنا أنك تصلينهما، وقد بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنهما.
وقال ابن عباس: وقد كنت أضرب الناس مع عمر عليهما، الحديث.
"تنبيه" روى عبد الرزاق من حديث زيد بن خالد سبب ضرب عمر الناس على ذلك فقال عن زيد ابن خالد: إن عمر رآه وهو خليفة ركع بعد العصر فضربه، فذكر الحديث وفيه: "فقال عمر: يا زيد لولا أني أخشى أن يتخذهما الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما " فلعل عمر كان يرى أن النهي عن الصلاة بعد العصر إنما هو خشية إيقاع الصلاة عند غروب الشمس، وهذا يوافق قول ابن عمر الماضي وما نقلناه عن ابن المنذر وغيره، وقد روى يحيى بن بكير عن الليث عن أبي الأسود عن عروة عن تميم الداري نحو رواية زيد بن خالد وجواب عمر له وفيه: "ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى المغرب حتى يمروا بالساعة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي فيها " وهذا أيضا يدل لما قلناه. والله أعلم. وله: "ما خفف عنهم" في رواية المستملي: "ما يخفف عنهم " وسيأتي الكلام على ذلك في أعلام النبوة إن شاء الله تعالى. قوله: "هشام" هو ابن عروة. قوله: "ابن أختي" بالنصب على النداء وحرف النداء محذوف وأثبته الإسماعيلي في روايته. قوله: "عبد الواحد" هو ابن زياد، والشيباني هو أبو إسحاق، وأبو إسحاق المذكور في الإسناد الذي بعده هو السبيعي. قوله: "يدعهما" زاد النسائي: "في بيتي". "فائدة" فهمت عائشة رضي الله عنها من مواظبته صلى الله عليه وسلم على الركعتين بعد العصر أن نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس مختص بمن قصد الصلاة عن غروب الشمس لا إطلاقه، فلهذا قالت
(2/65)


ما تقدم نقله عنها، وكانت تتنفل بعد العصر. وقد أخرجه المصنف في الحج من طريق عبد العزيز بن رفيع قال: رأيت ابن الزبير يصلي ركعتين بعد العصر ويخبر أن عائشة حدثته أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بيها إلا صلاهما. وكأن ابن الزبير فهم من ذلك ما فهمته خالته عائشة. والله أعلم. وقد روى النسائي أن معاوية سأل ابن الزبير عن ذلك فرد الحديث إلى أم سلمة، فذكرت أم سلمة قصة الركعتين حيث شغل عنهما فرجع الأمر إلى ما تقدم.
"تنبيه" قول عائشة " ما تركهما حتى لقي الله عز وجل " وقولها " لم يكن يدعهما " وقولها " ما كان يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين " مرادها من الوقت الذي شغل عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر، ولم ترد أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين من أول ما فرضت الصلوات مثلا إلى آخر عمره، بل في حديث أم سلمة ما يدل على أنه لم يكن يفعلهما قبل الوقت الذي ذكرت أنه قضاهما فيه.
(2/66)