حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارٍ وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ
 

قوله: "باب القراءة في المغرب" المراد تقديرها لا إثباتها لكونها جهرية، بخلاف ما تقدم في " باب القراءة في الظهر " من أن المراد إثباتها. قوله: "أن أم الفضل" هي والدة ابن عباس الراوي عنها، وبذلك صرح الترمذي في روايته فقال: "عن أمه أم الفضل " وقد تقدم في المقدمة أن اسمها لبابة بنت الحارث الهلالية، ويقال إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة، والصحيح أخت عمر زوج سعيد بن زيد لما سيأتي في المناقب من حديثه " لقد رأيتني وعمر موثقي وأخته على الإسلام " واسمها فاطمة. قوله: "سمعته" أي سمعت ابن عباس، وفيه التفات لأن السياق يقتضي أن يقول سمعتني. قوله: "لقد ذكرتني" أي شيئا نسيته، وصرح عقيل في روايته عن ابن شهاب أنها آخر صلوات النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه: "ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله " أورده المصنف في " باب الوفاة " وقد تقدم في " باب إنما جعل الإمام ليؤتم به " من حديث عائشة أن الصلاة التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه في مرض موته كانت الظهر، وأشرنا إلى الجمع بينه وبين حديث أم الفضل هذا بأن الصلاة التي حكتها عائشة كانت في المسجد، والتي حكتها أم الفضل كانت في بيته كما رواه النسائي، لكن يعكر عليه رواية ابن إسحاق عن ابن شهاب في هذا الحديث بلفظ: "خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب رأسه في مرضه فصلى المغرب " الحديث أخرجه الترمذي، ويمكن حمل قولها " خرج إلينا " أي من مكانه الذي كان راقدا فيه إلى من في البيت فصلى بهم، فتلتئم الروايات. قوله: "يقرأ بها" هو في موضع الحال أي سمعته في حال قراءته. قوله: "عن ابن أبي مليكة" في رواية عبد الرزاق عن ابن جريج " حدثني ابن أبي مليكة " ومن طريقة أخرجه أبو داود وغيره. قوله: "عن عروة" في رواية الإسماعيلي من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج " سمعت ابن أبي مليكة أخبرني عروة أن مروان أخبره". قوله: "قال لي زيد بن ثابت مالك تقرأ" كان مروان حينئذ أميرا على المدينة من قبل معاوية. قوله: "بقصار" كذا للأكثر بالتنوين وهو عوض عن
(2/246)


المضاف إليه. وفي رواية الكشميهني: "بقصار المفصل " وكذا للطبراني عن أبي مسلم الكجي، وللبيهقي من طريق الصغاني كلاهما عن أبي عاصم شيخ البخاري فيه، وكذا في جميع الروايات عند أبي داود والنسائي وغيرهما، لكن في رواية النسائي: "بقصار السور " وعند النسائي من رواية أبي الأسود عن عروة عن زيد بن ثابت أنه قال لمروان " أبا عبد الملك، أتقرأ في المغرب بقل هو الله أحد وإنا أعطيناك الكوثر"، وصرح الطحاوي من هذا الوجه بالإخبار بين عروة وزيد، فكأن عروة سمعه من مروان عن زيد ثم لقي زيدا فأخبره. قوله: "وقد سمعت" استدل به ابن المنير على أن ذلك وقع منه صلى الله عليه وسلم نادرا، قال: لأنه لو لم يكن كذلك لقال كان يفعل يشعر بأن عادته كانت كذلك. انتهى. وغفل عما في رواية البيهقي من طريق أبي عاصم شيخ البخاري فيه بلفظ: "لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ" ، ومثله في رواية حجاج عن ابن جريج عند الإسماعيلي. قوله: "بطولي الطوليين" أي بأطول السورتين الطويلتين وطولي تأنيث أطول، والطوليين بتحتانيتين تثنية طولى، وهذه رواية الأكثر. ووقع في رواية كريمة: "بطول " بضم الطاء وسكون الواو، ووجهه الكرماني بأنه أطلق المصدر وأراد الوصف أي كان يقرأ بمقدار طول الطوليين وفيه نظر لأنه يلزم منه أن يكون قرأ بقدر السورتين، وليس هو المراد كما سنوضحه. وحكى الخطابي أنه ضبطه عن بعضهم بكسر الطاء وفتح الواو. قال: وليس بشيء، لأن الطول الحبل ولا معنى له هنا. انتهى. ووقع في رواية الإسماعيلي: "بأطول الطوليين " بالتذكير، ولم يقع تفسيرهما في رواية البخاري. ووقع في رواية أبي الأسود المذكورة " بأطول الطوليين المص " وفي رواية أبي داود " قال قلت وما طولي الطوليين؟ قال: الأعراف " وبين النسائي في رواية له أن التفسير من قول عروة ولفظه: "قال قلت يا أبا عبد الله " وهي كنية عروة. وفي رواية البيهقي " قال فقلت لعروة". وفي رواية الإسماعيلي: "قال ابن أبي مليكة وما طولي الطوليين " زاد أبو داود " قال - يعني ابن جريج - وسألت أنا ابن أبي مليكة فقال لي من قبل نفسه المائدة والأعراف " كذا رواه عن الحسن بن علي عن عبد الرزاق. وللجوزقي من طريق عبد الرحمن بن بشر عن عبد الرزاق مثله لكن قال: "الأنعام " بدل المائدة وكذا في رواية حجاج بن محمد والصغاني المذكورتين، وعند أبي مسلم الكجي عن أبي عاصم بدل الأنعام يونس أخرجه الطبراني وأبو نعيم في المستخرج، فحصل الاتفاق على تفسير الطولي بالأعراف، وفي تفسير الأخرى ثلاثة أقوال المحفوظ منها الأنعام، قال ابن بطال: البقرة أطول السبع الطوال فلو أرادها لقال طولى الطوال، فلما لم يردها دل على أنه أراد الأعراف لأنها أطول السور بعد البقرة. وتعقب بأن النساء أطول من الأعراف، وليس هذا التعقيب بمرضي لأنه اعتبر عدد الآيات وعدد آيات الأعراف أكثر من عدد آيات النساء وغيرها من السبع بعد البقرة والمتعقب اعتبر عدد الكلمات لأن كلمات النساء تزيد على كلمات الأعراف بمائتي كلمة. وقال ابن المنير: تسمية الأعراف والأنعام بالطوليين إنما هو لعرف فيهما لا أنهما أطول من غيرهما والله أعلم. واستدل بهذين الحديثين على امتداد وقت المغرب، وعلى استحباب القراءة فيها بغير قصار المفصل، وسيأتي البحث في ذلك في الباب الذي بعده.
(2/247)


بابا الجهر في المغرب
...

الموضوع السابق


حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أُمَّ الْفَضْلِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفًا فَقَالَتْ يَا بُنَيَّ وَاللَّهِ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ إِنَّهَا لاَخِرُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ "