الفصل الثاني اختيار الأمثل فالأمثل |
إذا عرف هذا ، فليس أن يستعمل إلا أصلح الموجود ، وقد لا يكون في موجوده ، من هو صالح لتلك الولاية ، فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب يحسبه ، وإذا فعل ذلك بعد الاجتهاد التام ، وأخذه للولاية بحقها ، فقد أدى الأمانة ، وقام بالواجب في هذا ، وصار في هذا الموضع من أئمة العدل والمقسطين عند الله ، وإن اختل بعض الأمور بسبب من غيره ، إذا لم يمكن إلا ذلك ، فإن الله يقول : { فاتقوا الله ما استطعتم } ويقول : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } . وقال في الجهاد : { فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين } .
وقال : { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } فمن أدى الواجب المقدور عليه فقد اهتدى : وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } [ ص: 24 ] أخرجاه في الصحيحين ، لكن إذا كان منه عجز ولا حاجة إليه ، أو خيانة عوقب على ذلك
والقوة في كل ولاية بحسبها ، فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلى شجاعة القلب ، وإلى الخبرة بالحروب ، والمخادعة فيها ، فإن الحرب خدعة ، وإلى القدرة على أنواع القتال : من رمي وطعن وضرب ، وركوب وكر وفر ، ونحو ذلك ، كما قال تعالى : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل } وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { ارموا واركبوا ، وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا ، ومن تعلم الرمي ثم نسيه فليس منا }
والأمانة ترجع إلى خشية الله ، وألا يشتري بآياته ثمنا قليلا ، وترك خشية الناس ، وهذه الخصال الثلاث التي اتخذها الله على كل حكم على الناس ، في قوله تعالى : { فلا تخشوهم واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا } ، { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } |