الفصل الثاني أصناف الأموال السلطانية الغنيمة
 

[ ص: 51 ] الغنيمة ) الأموال السلطانية التي أصلها في الكتاب والسنة ، ثلاثة أصناف : الغنيمة ، والصدقة ، والفيء .


فأما الغنيمة : فهي المال المأخوذ من الكفار بالقتال ، ذكرها الله في سورة الأنفال ، التي أنزلها في غزوة بدر ، وسماها أنفالا ، أنها زيادة في أموال المسلمين ، فقال : { يسألونك عن الأنفال ، قل الأنفال لله والرسول } إلى قوله : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } الآية ، وقال : { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا ، واتقوا الله إن الله غفور رحيم }
وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس [ ص: 52 ] عامة } .


وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { بعثت بالسيف بين يدي الساعة ، حتى يعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم } رواه أحمد في المسند عن ابن عمر ، واستشهد به البخاري .


فالواجب في المغنم تخميسه ، وصرف الخمس إلى من ذكره الله تعالى ، وقسمة الباقي بين الغانمين ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الغنيمة لمن شهد الوقعة وهم الذين شهدوا القتال ، قاتلوا أو لم يقاتلوا ، ويجب قسمها بينهم بالعدل ، فلا يحابي أحدا ، لا لرياسته ولا لنسبه ولا لفضله ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم ، وخلفاؤه ، يقسمونها .


وفي صحيح البخاري : { أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، رأى له فضلا على من [ ص: 53 ] دونه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم ؟ } وفي مسند أحمد عن سعد بن أبي وقاص ، قال : { قلت : يا رسول الله : الرجل يكون حامية القوم ، يكون سهمه وسهم غيره سواء ؟ قال : ثكلتك أمك ابن أم سعد ، وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم } ؟ .


وما زالت الغنائم بين الغانمين ، في دولة بني أمية وبني العباس ، لما كان المسلمون يغزون الروم والترك والبربر ، لكن يجوز للإمام أن ينفل من ظهر منه زيادة نكاية كسرية تسرت من الجيش ، أو رجل صعد حصنا عاليا ففتحه ، أو حمل على مقدم العدو فقتله ، فهزم العدو ونحو ذلك ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه كانوا ينفلون لذلك . [ ص: 54 ]
وكان ينفل السرية في البداية الربع بعد الخمس ، وفي الرجعة الثلث بعد الخمس ، وقال بعضهم : إنه يكون من خمس الخمس ، لئلا يفضل بعض الفاتحين على بعض ، والصحيح أنه يجوز من أربعة الأخماس ، وإن كان فيه تفضيل بعضهم على بعض لمصلحة دينية ، لا لهوى نفس ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ، وهذا قول فقهاء الشام وأبي حنيفة ، وأحمد ، وغيرهم ، وعلى هذا فقد قيل : إنه ينفل الربع والثلث بشرط وغير شرط ، وينفل الزيادة على ذلك الشرط ، مثل أن يقول : من دلني على قلعة فله كذا ، ومن جاء برأس فله كذا ، ونحو ذلك ، وقيل : لا ينفل زيادة على الثلث ، ولا ينفله إلا بالشرط ، وهذان قولان أحمد وغيره ، وكذلك - على القول الصحيح للإمام أن يقول : من أخذ شيئا فهو له ، كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد قال ذلك في غزوة بدر إذا رأى ذلك مصلحة راجحة على المفسدة .


وإذا كان الإمام يجمع الغنائم ويقسمها ، لم يجز لأحد أن يغل منها شيئا
{ ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة } فإن الغلول خيانة ولا [ ص: 55 ] تجوز النهبة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها ، فإذا ترك الإمام الجمع والقسمة ، وأذن في الأخذ إذنا جائزا ، فمن أخذ شيئا بلا عدوان ، حل له بعد تخميسه ، وكل ما دل على الإذن فهو إذن
وأما إذا لم يأذن ، أو أذن إذنا غير جائز ، جاز للإنسان أن يأخذ مقدار ما يصيبه بالقسمة ، متحريا للعدل في ذلك .


ومن حرم على المسلمين جمع المغانم ، والحال هذه ، وأباح الإمام أن يفعل فيها ما يشاء ، فقد تقابل القولان تقابل الطرفين ، ودين الله وسط .


والعدل في القسمة : أن يقسم للراجل سهم ، وللفارس ذي الفرس العربي ثلاثة أسهم له ، وسهمان لفرسه ، هكذا قسم النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر .


ومن الفقهاء من يقول : للفارس سهمان ، والأول الذي [ ص: 56 ] دلت عليه السنة الصحيحة ; ولأن الفرس يحتاج إلى مئونة نفسه وسائسه - ومنفعة الفارس به أكثر من منفعة راجلين - ومنهم من يقول : يسوي بين الفرس العربي والهجين في هذا ، ومنهم من يقول : بل الهجين يسهم له سهم واحد ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، والفرس [ ص: 57 ] الهجين ، الذي تكون أمه نبطية ويسمى البرذون - وبعضهم يسميه التتري ، سواء كان حصانا أو حصانا خصيا ، ويسمى الإكديش أو رمكة ، وهي ; الحجر ، كان السلف يعدون للقتال الحسان ، لقوته وحدته ، وللإغارة والبيات الحجر ; لأنه ليس لها صهيل ، ينذر العدو فيحترزون وللسير الخصي ; لأنه أصبر على السير .


وإذا كان المغنوم مالا - قد كان للمسلمين قبل ذلك ، من عقار أو منقول ، وعرف صاحبه قبل القسمة فإنه يرد إليه بإجماع المسلمين وتفاريع المغانم وأحكامها ، فيها آثار وأقوال ، اتفق المسلمون على بعضها ، وتنازعوا في بعض ذلك ، ليس هذا موضعها ، وإنما الغرض ذكر الجمل الجامعة .