الفصل الرابع أصناف الأموال السلطانية الفيء |
[ ص: 60 ] الفيء ) فذكر سبحانه وتعالى المهاجرين والأنصار ، والذين جاءوا من بعدهم على ما وصف ، فدخل في الصنف الثالث كل من جاء على هذا الوجه إلى يوم القيامة ، كما دخلوا في قوله تعالى : { والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم } . وفي قوله : { والذين اتبعوهم بإحسان } وفي قوله : { وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم } ومعنى قوله : { فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } أي ما حركتم ولا سقتم خيلا ولا إبلا . ولهذا قال الفقهاء : إن الفيء هو ما أخذ من الكفار بغير قتال ; لأن إيجاف الخيل والركاب هو معنى القتال ، وسمي فيئا ; لأن الله أفاءه على المسلمين ، أي رده عليهم من الكفار ، فإن الأصل أن الله تعالى ، إنما خلق الأموال إعانة على عبادته ; لأنه إنما خلق الخلق لعبادته ، فالكافرون به أباح أنفسهم التي لم يعبدوه بها ، وأموالهم التي لم يستعينوا بها على عبادته ، لعباده المؤمنين الذين يعبدونه ، وأفاء [ ص: 62 ] إليهم ما يستحقونه ، كما يعاد على الرجل ما غصب من ميراثه ، وإن لم يكن قبضه قبل ذلك ، وهذا مثل الجزية التي على اليهود والنصارى والمال الذي يصالح عليه العدو ، أو يهدونه إلى سلطان المسلمين كالحمل الذي يحمل من بلاد النصارى ونحوهم ، وما يؤخذ من تجار أهل الحرب ، وهو العشر ، ومن تجار أهل الذمة إذا اتجروا من غير بلادهم ، وهو نصف العشر . هكذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأخذ ، وما يؤخذ من أموال من ينقض العهد منهم ، والخراج الذي كان مضروبا في الأصل عليهم ، وإن كان قد صار بعضه على بعض المسلمين . ثم إنه يجتمع من الفيء جميع الأموال السلطانية التي لبيت مال المسلمين كالأموال التي ليس لها مالك معين ، مثل من مات من المسلمين وليس له وارث معين ، وكالغصوب ، والعواري ، والودائع التي عذر معرفة أصحابها ، وغير ذلك من أموال المسلمين ، العقار والمنقول فهذا ونحوه مال المسلمين .
وإنما ذكر الله تعالى في القرآن الفيء فقط ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يموت على عهده ميت ، إلا وله وارث معين لظهور الأنساب في أصحابه ، وقد مات مرة رجل من قبيلة فدفع ميراثه إلى أكبر تلك القبيلة ، أي أقربهم نسبا إلى جدهم ، وقد قال بذلك طائفة من العلماء ، كأحمد في قول منصوص وغيره ، ومات رجل لم يخلف إلا عتيقا له ، فدفع ميراثه إلى عتيقه ، وقال بذلك طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم ، ودفع ميراث رجل إلى رجل من أهل قريته ولم يكن للأموال المقبوضة والمقسومة ، ديوان جامع ، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه ، بل كان يقسم المال شيئا فشيئا ، فلما كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كثر المال واتسعت البلاد ، وكثر الناس فجعل ديوان العطاء للمقاتلة وغيرهم ، وديوان الجيش - في هذا الزمان - مشتمل على أكثره ، وذلك الديوان هو أهم دواوين المسلمين . وكان للأمصار دواوين الخراج والفيء وما يقبض من الأموال ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه يحاسبون العمال على الصدقات والفيء وغير ذلك ، فصارت الأموال في هذا الزمان وما قبله ثلاثة أنواع : نوع يستحق الإمام قبضه بالكتاب والسنة والإجماع ، كما ذكرناه ، ونوع يحرم أخذه بالإجماع ، كالجنايات التي تؤخذ من أهل القرية لبيت المال ; لأجل قتيل قتل بينهم ، وإن كان له وارث ، أو على حد ارتكب - وتسقط عنه العقوبة بذلك ، وكالمكوس التي لا يسوغ وضعها اتفاقا ، ونوع فيه اجتهاد وتنازع كمال من له ذو رحم - وليس بذي فرض ولا عصبة ، ونحو ذلك . |