الفصل الثاني الجراح
 

والقصاص في الجراح أيضا ثابت بالكتاب والسنة والإجماع شرط المساواة ، فإذا قطع يده اليمنى من مفصل ، فله أن يقطع يده كذلك ، وإذا قلع سنه ، فله أن يقلع سنه ، وإذا شجه في رأسه أو وجهه ، فأوضح العظم ، فله أن يشجه كذلك وإذا لم تمكن المساواة : مثل أن يكسر له عظما باطنا ، أو يشجه دون الموضحة ، فلا يشرع القصاص ، بل تجب الدية المحدودة أو الأرش .
وأما القصاص في الضرب بيده أو بعصاه أو سوطه ، مثل أن يلطمه أو يلكمه ، أو يضربه بعصا ونحو ذلك ، فقد قالت طائفة من العلماء : إنه لا قصاص فيه ، بل فيه تعزير ، لأنه لا تمكن المساواة فيه .
والمأثور عن الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة والتابعين : أن القصاص مشروع في ذلك ، وهو نص أحمد وغيره من الفقهاء ، وبذلك جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصواب .
وقال أبو فراس خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر حديثا قال فيه : " ألا إني والله ما أرسل عمالي إليكم ليضربوا أبشاركم ولا ليأخذوا أموالكم ، ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسننكم فمن فعل به سوى ذلك فليرفعه إلي [ ص: 204 ] فوالذي نفسي بيده إذا لأقصنه منه ، فوثب عمرو بن العاص ، فقال يا أمير المؤمنين " إن كان رجل من المسلمين على رعية فأدب رعيته ، أإنك لتقصه منه ؟ قال : إني والذي نفس محمد بيده إذا لأقصنه منه ، أنى لا أقصه ، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه ؟ ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم " رواه الإمام أحمد وغيره .
ومعنى هذا ، إذا ضرب الوالي رعيته ضربا غير جائز .
فأما الضرب المشروع ، فلا قصاص فيه بالإجماع ، إذ هو واجب ، أو مستحب ، أو جائز .

الموضوع التالي


الفصل الثالث الأعراض

الموضوع السابق


الفصل الأول النفوس