باب حسن العشرة مع الأهل
 

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله : باب حسن العشرة مع الأهل

قال ابن المنير : نضبه بهذه الترجمة على أن ايراد النبي صلى الله عليه و سلم هذه الحكاية ـ يعني حديث أم زرع ـ ليس خليا عن فائدة شرعية ، و هي الإحسان في معاشرة الأهل . قلت : و ليس في ما ساقه البخاري التصريح بأن النبي صلى الله عليه و سلم أورد الحكاية ، و سيأتي بيان الإختلاف في رفعه و وقفه ، و ليست الفائدة من الحديث محصورة فيما ذكر ، بل سيأتي له فوائد أخرى : منها ما ترجم عليه النسائي و الترمذي ، و قد شرح حديث أم زرع اسماعيل بن أويس شيخ البخاري ، روينا ذلك في جزء ابراهيم بن ديزيل الحافظ من روايته عنه ، و أبو عبيد القاسم بن سلام في ـ غريب الحديث ـ و ذكر أنه نقل عن عدة من أهل العلم لا يحفظ عددهم ، و تعقب عليه فيه مواضع أبو سعيد الضرير النيسابوري و أبو محمد بن قتيبة كل منهما في تأليف مفرد ، و الخطابي في شرح صحيح البخاري و ثابت بن قيس ، و شرحه الزبير بن بكار ثم أحمد بن عبيد بن ناصح ثم أبوبكر بن الأنباري ثم اسحاق الكاذي في جزء مفرد و ذكر انه جمعه عن يعقوب بن السكيت و عن أبي عبيدة و عن غيرهما ، ثم أبو القاسم عبد الحكيم بن حبان المصري ثم الزمخشري في ـ الفائق ـ ثم القاض عياض و هو أجمعها و أوسعها ، و أخذ منه غالب الشراح بعده و قد لخصت جميع ما ذكروه .ـ

قوله ـ حدثنا سليمان بن عبد الرحمن ـ في رواية أبي ذر ـ حدثني ـ و هو المعروف بابن بنت شرحبيل الدمشقي و ـ علي بن حجر ـ بضم المهملة و سكون الجيم و عيسى بن يونس أي بن أبي اٍسحاق السبيعي وو قع منسوبا كذلك عن الإسماعيلي .ـ

قوله ـ حدثنا هشام بن عروة عن عبد الله بن عروة ـ في رواية مسلم و أبي يعلى عن أحمد بن جناب بجيم و أ و نون خفية عن عيسى ابن يونس عن هشام : ـ أخبرني أخي عبد الله بن عروة ـ و هذا من نوادر ما و قع لهشام بن عروة في حديثه عن أبيه حيث أدخل بينهما أخا له واسطة ، و مثله ما سيأتي في اللباس من طريق و هيب عن هشام بن عروة عن أخيه عثمان بن عروة ، و مضت له في الهبة رواية بواسطة اثنين بينه و بين أبيه ، و لم يختلف على عيسى بن يونس في اٍسناده و سياقه ، لكن حكى عياض عن أحمد بن داود الحراني أنه رواه عن عيسى فقال في أوله :ـ عن عائشة عن النبي صلى الله عليه و سلم ـ و ساقه بطوله مرفوعا كله ، و كذا حكاه أبو عبيد أنه بلغه عن عيسى بن يونس و تابع عيسى بن يونس على رواية مفصلا فيما حكاه الخطيب سويد بن عبد العزيز و كذا سعيد بن سلمة عن أبي الحسام كلاهما عن هشام ، و ستأتي روايته تعليقا و أذكر من وصلها عند الفراغ من شرح الحديث،و خالفهم الهيثم بن عديفيما أخرجه الدارقطني في الجزء الثاني من ـ الإفراد ـ فرواه عن هشام بن عروة عن أخيه يحيي بن عروة عن أبيه و خطأه الدارقطني في ـ العلل ـ و صوب أنه عبد الله بن عروة ، و قال عقبة بن خالد و عباد بن منصور و روايتهما عند النسائي ،و الدراودري و عبد الله بن مصعب و روايتهما عند الزبير بن بكار ، و أبو أريس فيما أخرجه ابنه عنه ، و عبد الرحمن بن أبي الزناد و روايته عند الطبراني ، و أبو معاوية و روايته عند أبي عوانة في صحيحه كلهم عن هشام بن عروة عن أبيه بغير و اسطة ، و أدخل بينهما و اسطة ، ايضا عقبة بن خالد أيضا فرواه عن هشام بن عروة عن يزيد بن رومان عن عروة لكن اقتصر على المرفوع ، و بين ذلك البزار ، قال الدارقطني و ليس ذلك بمدفوع فقد رواه أبو أريس أيضا و ابراهيم بن أبي يحيى عن يزيد بن رومان ـ اهـ ، و رواه عن عروة أيضا حفيده عمر بن عبد الله بن عروة و أبو الزناد و أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الا أنه كان يقتصر على المرفوع منه و ينكر على هشام بن عروة سياقه بطوله و يقول انما كان عروة يحدثنا بذلك في السفر بقطعة منه ، ذكره أبو عبيد الأجري في أسئلته عن أبي داود . قلت : و لعل هذا هو السبب في ترك أحمد تخريجه في مسنده مع كبر كبره ، و قد حدث به الطبراني عن عبد الله بن أحمد لكن عن غير أبيه ، و قال العقيلي قال أبو الأسود لم يرفعه الا هشام بن عروة .قلت المرفوع منه في الصحيحين :ـ كنت لك كأبي زرع لأم زرع ـ و باقيه من قول عائشة ، و جاء خارج مرفوعا كله من رواية عباد بن منصور عند النسائي و ساقه بسياق لا يقبل التأويل و لفظه :ـ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : كنت لك كأبي زرع لأم زرع .قالت عائشة : بأبي و أمي يا رسول الله و من كان أبو زرع ؟ قال : اجتمع نساء ، فساق الحديث و جاء مرفوعا ايضا من رواية عبد الله بن مصعب و الدراوردي عند الزبير بن بكار، و كذا رواه أبو معشر عن هشام و غيره من أهل المدينة عن عروة ، و هي رواية الهيثم بن عدي أيضا ، و كذا أخرجه النسائي من رواية القاسم بن عبد الواحد عن عمر بن عبد الله بن عروة ، و قد قدمت ذكر رواية أحمد بن داود عن عيسى بن يونس ، كذلك قال عياض ، و كذا ظاهر رواية حنبل بن اسحاق عن موسى بن اسماعيل عن سعيد بن سلة بسنده المتقدم فان أوله عنده ـ قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : كنت لك كأبي زرع لأم زرع ، ثم انشأ يحدث حديث أم زرع ـ قال عياض يحتمل أن يكون فاعل أنشأ هو عروةفلا يكون مرفوعا . و أخذ القرطبي هذا الإحتمال فجزم به و زعم أن ما عداه وهم ، و سبقه الى ذلك بن الجوزي ، لكن يعكر عليه أن في بعض طرقه الصحيحة :ـ ثم أنشأ رسول الله صلى الله عليه و سلم يحدث ـ و ذلك في رواية القاسم بن عبد الواحد التي أشرت اليها و لفظه :ت كنت لك كأبي زرع لأم زرع ، ثم أنشأ رسول الله صلى الله عليه و سلم يحدث ـ فانتفى الإحتمال و يقوي رفع جميعه أن التشبيه المتفق على رفعه يقتضي أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم سمع القصة و عرفها فأقرها فيكون كله مرفوعا من هذه الحيثية ، و يكون المراد بقول الدارقطني و الخطيب و غيرهما من النقاد أن المرفوع ما ثبت في الصحيحين و الباقي موقوف من قول عائشة هو أن الذي تلفظ به النبي صلى الله عليه و سلم لما سمع القصة من عائشة هو التشبيه فقط و لم يريدوا أنه ليس بمرفوع حكما ، و يكون من عكس ذلك فنسب قص القصة من ابتدائها الى انتهائها الى النبي صلى الله عليه و سلم واهما كما سيأتي بيانه

كتاب : فتح الباري

بشرح صحيح الإمام عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري

للإمام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني يرحمهم الله تعالى