نصيحة هامة في التحذير من المعاملات الربوية ـ فتوى سماحة المفتي عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى
 

بسم الله الرحمن الرحيم

التحذير من المساهمة في البنوك الربوية

و الإيداع فيها بفائدة و الإقتراض منها

من عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ اٍلى من يراه من اٍخواننا المسلمين ، وفقني الله و اٍياهم لسلوك صراطه المستقيم ، و جنبنا جميعا طريق المغضوب عليهم و الضالين .ـ

سلام عليكم و رحمة الله و بركاته

أما بعد:ـ

فقد كثرت الدعايات للمساهمة في البنوك الربوية في الصحف المحلية و الأجنبية ، و اٍغراء الناس باٍيداع أموالهم فيها مقابل فوائد ربوية صريحة معلنة ، كما تقوم بعض الصحف بنشر فتاوى لبعض الناس تجيز التعامل مع البنوك الربوية بفوائد محددة و هذا أمر خطير ، لأن فيه معصية لله و لرسوله صلى الله عليه و مخالفة لأمره ، و الله سبحانه و تعالى يقول :ـ

فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم

سورة النور الأية 63

و من المعلوم من الدين بالأدلة الشرعية من الكتاب و السنة ان الفوائد المعينة التي ياخذها أرباب الأموال مقابل مساهمتهم ، أو اٍيداعهم في البنوك الربوية حرام سحت ، و هي من الربا الذي حرمه الله و رسوله ، و من كبائر الذنوب ، و مما يمحق البركة و يغضب الرب عز و جل ، و يسبب عدم قبول العمل ، و قد صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال :ـ

اٍن الله طيب لا يقبل اٍلا طيبا ، و اٍنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال تعالى:ـ

يا أيها الرسل كلوا من الطيبات و اعملوا صالحا اٍني بما تعملون عليم

سورة المؤمنون الأية 51

و قال تعالى:ـ

ياأيها الذين أمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم

و اشكروا لله اٍن كنتم اٍياه تعبدون

سورة البقرة الأية 172

ثم ذكر : ـ

الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه الى السماء يا رب يا رب ، و مطعمه حرام و مشربه حرام و ملبسه حرام و غذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك

رواه مسلم

و ليعلم كل مسلم أنه مسئول أمام ر به عن ماله من أين اكتسبه و فيما أنفقه ، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :ـ

لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع :ـ

  • شبابه فيم أبلاه
  • و عن عمره فيما أفناه
  • و عن ماله من أين جمعه و فيما أنفقه
  • و عن علمه ماذا عمل فيه

و اعلم يا عبد الله ـ وفقنا الله و ٍاياك لما فيه رضاه ـ أن الربا كبيرة من كبائر الذنوب التي جاء تحريمها مغلظا في كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم بجميع أشكاله و أنواعه و مسمياته ، قال تعالى :ـ

يا أيها الذين أمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة و اتقوا الله لعلكم تفلحون 130 و اتقوا النار التي اعدت للكافرين 131 و أطيعوا الله و الرسول لعلكم تفلحون

سورة ال عمران

و قال تعالى :ـ

و ما أتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله

سورة الروم 39

و قال تعالى :ـ

الذين يأكلون الربا لا يقومون اٍلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا اٍنما البيع مثل الربا و أحل الله البيع و حرم الربا فمن جاءه من ربه فانتهى فله ما سلف و أمره اٍلى الله و من عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 275 يمحق الله الربا و يربي الصدقات و الله لا يحب كل كفار أثيم

و قال تعالى :ـ

يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله و ذروا ما بقي من الربا اٍن كنتم مؤمنين 278 فاٍن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله و رسوله و اٍن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون و لا تظلمون

سورة البقرة

فما أعظم جريمة من حارب الله و رسوله ، نسأل الله العافية من ذلك ، و قال النبي صلى الله عليه و سلم :ـ

اجتنبوا السبع الموبقات

قالوا و ما هن يا رسول الله قال:ـ

الشرك بالله ، و السحر ، و قتل النفس التي حرم الله اٍلا بالحق، ، و أكل الربا ،و أكل مال اليتيم ، و التولي يوم الزحف ، و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات

متفق على صحته ، و في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال :ـ

لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم اكل الربا و موكله و كاتبه و شاهديه و قال : هم سواء

فهذه بعض الأدلة من كتاب الله و سنة رسوله محمد صلى الله عليه و سلم التي تبين تحريم الربا و خطره على الفرد و الأمة ، و أن من تعامل به و تعاطاه فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب و قد أصبح محاربا لله و لرسوله ، فنصيحتي لكل مسلم يريد الله و الدار الأخرة :ـ

أن يتقي الله سبحانه و تعالى في نفسه و ماله ، و أن يكتفي بما أباحه الله و رسوله ، و أن يكف عما حرمه الله و رسوله ، ففيما أباح الله و رسوله كفاية و غنى عما حرم الله ، و على المسلم الناصح لنفسه الذي يريد لها الخير و النجاة من عذاب الله و الفوز برضاه و رحمته أن يبتعد عن الإشتراك في البنوك الربوية ، أو الإيداع فيها بفوائد و الإقتراض منها بفوائد كل ذلك من المعاملات الربوية ، و من التعاون على الإثم و العدوان الذي نهى الله عنه بقوله سبحانه :ـ

و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان و اتقوا الله اٍن الله شديد العقاب

سورة المائدة الأية 2

فاتق الله يا عبد الله ، و انج بنفسك ، و لا تغتر بكثرة البنوك الربوية ، و لا بكثرة انتشار معاملاتها في كل مكان ، و لا بكثرة المتعاملين معها فاٍن ذلك ليس دليلا على اٍباحتها ، و اٍنما هو دليل على كثرة الأعراض عن أمر الله و مخالفة شرعه ، و الله سبحانه و تعالى يقول:ـ

و اٍن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله

و مع الأسف الشديد أن كثيرا من الناس لما أنعم الله عليهم و وسع عليهم من فضله و اغناهم بكثرة المال أصبحوا لا يهتمون بالعمل بأحكام افسلام و الإستغناء بما أباح الله لهم عما حرم عليهم ، واٍنما يهتمون بما يدر عليهم المال من أي طريق كان ، حلالا كان أم حراما ، و ما ذلك اٍلا لضعف اٍيمانهم و قلة خوفهم من ربهم عز وجل و غلبة حب الدنيا على قلوبهم ، نسأل الله لنا و لهم السلامة و العافية من كل ما يخالف شرعه المطهر .ـ

و هذا الواقع المؤلم لحال كثير من المسلمين مؤذن بحلول غضب الله و نقمته ، وقد قال سبحاته محذرا و منذرا من شؤم المعاصي و الذنوب :ـ

و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة و اعلموا أن الله شديد العقاب

و اٍني أوجه نصيحتي اٍلى المسئولين في الصحف المحلية خاصة ، و في صحف البلاد الإسلامية عامة أن يطهروا صحافتهم من نشر كل ما يخالف شرع الله المطهر في أي مجال من مجالات الحياة ، كما أوصي الجهات المسئولة بالتأكيد على رؤساء الصحف بأن لا ينشروا شيئا فيه مخالفة لدين الله و شرعه ، و لا شك أن هذا أمر واجب عليهم و سيسألون عنه أمام الله اذا قصروا فيه ، كما أوصي اٍخواني المسلمين عامة أن يتقوا الله تبارك و تعالى ، و يتمسكوا بكتاب ربهم و سنة نبيهم محمد صلى الله عليه و سلم ، و أن يكتفوا بما أحله الله ، و يحذروا ما حرمه الله ، و لا يغتروا بما يكتب أو ينشر من فتاوي و مقالات تجيز المساهمة في البنوك الربوية أو الإيداع فيها بفوائد أو تقلل من سوء عاقبة ذلك ، لأن هذه الفتاوي و المقالات لم تبن على أدلة شرعية لا من كتاب الله تعالى و لا من سنة رسوله صلى الله عليه و سلم ، و اٍنما هي اراء الرجال و تأولاتهم ، نسأل الله لنا و لهم الهداية و العافية من مضلات الفتن .ـ

و الله المسؤول أن يوفق المسلمين عامة و ولاة أمورهم خاصة للعمل بكتاب ربهم و سنة نبيهم محمد صلى الله عليه و سلم ، و تحكيم شرع الله في جميع شئونهم الخاصة و العامة ، و أن يأخذ بنواصيهم اٍلى ما فيه صلاح دينهم و دنياهم ، و أن يجنب الجميع طريق المغضوب عليهم و الضالين ، اٍنه و لي ذلك و القادر عليه ، و صلى الله و سلم على خير خلقه نبينا محمد و على اله و صحبه أجمعين . و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

 

فتوى الشيخ عبد العزيزبن عبد الله بن باز

رحمه الله تعالى رحمة واسعة

رقم الإيداع : 16/378

الطبعة الأولى لـكتاب :ـ

نصيحة هامة في التحذير من المعاملات الربوية