بدء الشرح من علامات الفعل
 

الدرس الرابع من سلسلة شرح المقدمة الآجرومية للشيخ حسن الحفظي

الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نواصل الحديث في شرح ما يتيسر من الآجرومية.
قال المصنف رحمه الله ( والفعل يُعرف ب "قد" والسين وسوف وتاء التأنيث الساكنة )، هذه علامات الأفعال، إذا وجدت الكلمة مبدوءةً بـ "قد" فاعلم أنها فعلٌ، فعل ماضي أم فعل مضارع؟ الوجهان، يمكن أن تدخل على الفعل الماضي، وهذا يدل على التحقيق، ويمكن أن تدخل على الفعل المضارع، وهذا يدل على التقليل غالبًا وعلى التحقيق أحيانًا. "قد يعلم الله الذين يخالفونك"، هذه للتحقيق، لكن "قد يجيء محمدٌ" هذه للتقليل، "قد أمر فلانٌ بكذا وكذا" للتحقيق، ولا يوجد وجه آخر.
إذًا قد لا تدخل على الأسماء، وطبعًا من باب أولى أن لا تدخل على الحروف، وإنما تدخل على الأفعال، هل تدخل على فعل الأمر؟ الجواب لا، هل تدخل على الفعل الماضي؟ الجواب نعم، هل تدخل على الفعل المضارع؟ الجواب نعم، ما دلالتها إذا دخلت على الفعل الماضي؟ التحقيق قولا واحدًا، ما دلالتها إذا دخلت على الفعل المضارع؟ التقليل غالبًا، والتحقيق أحيانًا، ﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا ﴾ [النور: 63]، وهو يعلم سبحانه بدون شكٍ في ذلك.
( والفعل يُعرف بـ"قد" والسين وسوف )،ماذا يُسمّى هذان الحرفان؟ يُسميان حروف التنفيس، وأحيانًا يُسميان حروف التسويف، السين وسوف، السين يقولون إنها أقرب من سوف، "سوف" أبعد، "سوف أسافر" يعني بعد مدة، "سيجيء محمدٌ" يعني بعد قليلٌ، فالبعض يرى أنهما حرفان للتنفيس، والبعض يرى أنهما حرفان للتسويف، أما السين فأقرب من سوف مدةً، هذا كما يقول أهل اللغة. والسين و"سوف" لا يدخلان إلا على الفعل المضارع، لا تدخلان على الفعل الماضي، ولا تدخلان على الفعل الأمر، فهما خاصان بالفعل المضارع.
وأما تاء التأنيث الساكنة، فاعلم بارك الله فيك أن تاء التأنيث أنواع، أحيانًا تكون اسمًا، وأحيانًا تكون حرفًا، فأما إن كانت اسمًا فهي الضمير إذا كانت للمخاطبة، مثل "أقبلتِ يا فاطمة" و"ذهبتِ يا هند"، فإن التاء الموجودة هذه هي تاء التأنيث، ولكنها كما ترون متحركة هنا، أما تاء التأنيث الساكنة فهي التي يقصدها المصنف هنا وهي حرفٌ، تدخل على الأفعال الماضية فقط، ولا تدخل على غيرها، وتدخل في آخر الفعل الماضي، "قامت هندٌ" و"حضرت دعدٌ" و"سافرت فاطمةُ". يعني إذا قلت "قد قامت الصلاة"،
التاء هنا ساكنة أم متحركة؟ هي ساكنة في الأصل ولكنها لالتقاء الساكنة حُركت، فسواءٌ كانت بقيت على سكونها أم حُركت لالتقاء الساكنين.
فإذًا عندنا التاء بأنواعها، متى ما وجدت التاء موجودةً في آخر الكلمة فاعلم أن هذه الكلمة فعل ماضي. هل هناك تاءاتٌ أخرى؟ نعم، عندنا تاء الفاعل، وهي ثلاثة أنواع، تاء المتكلم، وتاء المخاطب، وتاء المخاطبة، هذه التاء يسمونها تاء الفاعل، ولا تلحق إلا بالفعل الماضي، وكذلك تاء التأنيث الساكنة لا تلحق إلا آخر الفعل الماضي. يوجد عندنا تاء حرف ومتحرك وعلامة للفعل أيضًا، وهي التاء التي تلحق أول الفعل المضارع إذا كان المقصود به المخاطبة، "أنتِ تقومين يا هند"، فالعلامة هذه قد تكون في أول
الفعل المضارع، وقد تكون في آخر الفعل الماضي، أعني التاء "أنتِ تقومين يا هند"، ولابد أن يكون المقصود بها المخاطبة بالنسبة للفعل المضارع، لأن عندنا تاء أحيانًا تكون دالةً على الغائب مثل "هندٌ تقوم"، أو "أنت تقوم"، فلابد أن يكون المقصود بها المخاطبة، فهي تلحق الفعل المضارع، وهي دالة على أن الكلمة فعل.
المهم أن تاء التأنيث الساكنة، والتاء إذا كانت اسمًا بأنواعها لا تلحق إلا الأفعال، قال ابن مالك:
بتا فعلت وأتت ويا افعلي    ونون أقبلنّ فعل ينجلي
يعني ينجلي الفعل بواحدةٍ من هذه العلامات الأربع، أعيدها مرةً ثانية، "بتا فعلت" يعني تاء المخاطبة مثلا أو تاء الفاعل عمومًا، "وأتت" يعني تاء التأنيث الساكنة، "ويا افعلي" هذه ياء المخاطبة، ولا تلحق إلا الأفعال أبدًا "ونون أقبلنّ" هذه نون التوكيد ولا تلحق إلا الأفعال كما ذكرنا لكم في اللقاء الماضي.
الآن عندنا ثلاثة أنواع من الأفعال، فما علامة الفعل الماضي؟ وما علامة الفعل
المضارع؟ وما علامة فعل الأمر؟ كيف يتبين لنا أن هذه الكلمة فعلٌ ماضي؟ أما الفعل الماضي فعلامته قبول التاء، سواءٌ أكانت تاء الفاعل أم كانت تاء التأنيث الساكنة، ولا تقع إلا في آخره، تقول "ضربتَ" و"ضربتُ" و"ضربتِ" و"ضربتْ"، هذه التاء دليلٌ على أن الكلمة التي لحقتها فعلٌ ماضٍ، فالفعل الماضي علامته قبول التاء، قال ابن مالك " وماضي الأفعال بالتا مز" أي ميز الفعل الماضي بقبوله التاء في آخره، سواءٌ كانت للفاعل أو كانت للتأنيث.
أما علامة الفعل المضارع فهي قبوله لـ "لم"، وقبول السين، وقبول سوف، إذا قبلت الكلمة دخول واحدة من هذه العلامات فهي فعلٌ مضارع، ولا تقع هذه الأدوات إلا قبل الفعل المضارع، ولا يصح أن تدخل لا على الماضي ولا فعل الأمر ولا الأسماء طبعًا من باب أولى، ولذلك قال ابن مالك أيضًا " فعل مضارع يلي لم كيشم".
في بعض الأحيان تدل الكلمة على معنى المضارع، ولكنها لا تقبل دخول "لم"، وفي بعض الأحيان تدل الكلمة على معنى الفعل الماضي ولكن لا يقبل التاء، وما ذكرنا فعل الأمر، ولكن سنذكره ثم بعد هذا نعود إلى هذه الأمور الثلاثة المُستثناة، في بعض الأحيان تدل الكلمة على معنى الأمر ومع ذلك لا يقبل علامة الأمر التي سأذكرها بعد قليل، فماذا نفعل في هذا الأمر؟ ننظر بعد قليل بعد أن نذكر لكم علامة فعل الأمر.
علامة فعل الأمر مكونة من أمرين، الدلالة على الطلب وقبول نون التوكيد، لابد من
الأمرين مجتمعين:
1 ـ  الدلالة على الأمر.
2 ـ  وقبول نون التوكيد.
قولك مثلا "اضربنّ"، هذه قبلت النون ودلت على الأمر، وإذا قبلت النون ولم تدل على الأمر فهي فعل مضارع كما ذكرنا قبل قليل، وإذا لم تقبل النون ودلت على الأمر فهي اسم فعل أمر مثل "صه" بمعنى اسكت ومثل "دراكي" ومثل "جَلاسي" ومثل "مه" بمعنى كفَّ وما شاكل ذلك.
إذا دلت الكلمة إلى معنى الفعل المضارع ولم تقبل نون التوكيد أو لم تقبل دخول "لم" عليها فإنها حين إذٍ اسم فعل مضارع، مثاله "وي" بمعنى أتعجب، "أُوَّهْ" بمعنى أتوجع، "أُفٍّ" بمعنى أتضجر، هذه كلها تدل على الفعل المضارع، ولكنها لا تقبل دخول "لم" عليها، فهي اسم فعل مضارع.
الفعل الماضي أو ما يدل على الزمن الماضي، هل يوجد منه ما يدل على الزمن الماضي ولا يقبل علامة الفعل الماضي؟ نعم، يوجد مثلا "هيهات" بمعنى بَعُدَ، و"شَتَّان" بمعنى افترق، هذه كلها تدل على الزمن الماضي ولكن لا تقبل تاء التأنيث ولا تاء الفاعل.
فهذه علامات الأفعال جمعها المصنف هنا في بعض العلامات فقال ( الفعل يُعرف بقد والسين وسوف وتاء التأنيث الساكنة )، ومع الأسف لم يأت بعلامةٍ لفعل الأمر، ولكن فعل الأمر كما أخبرتكم لابد من اجتماع علامتين فيه حتى يدل على الأمر.
هذه علامات الأفعال.
ننتقل بعد هذا إلى قول المصنف ( والحروف ما لا يصلح معه دليل الاسم ولا دليل الحرف )، كيف تعرف أن الكلمة حرف؟ تعرف يا أخي بارك الله فيك بطريقة وهي أن تجرب علامات الأسماء، فإذا قبلت الكلمة علامةً من هذه العلامات فهي اسم، وإذا لم تقبل لم تقبل فانتقل إلى علامات الأفعال وجرب عليها، فإذا لم تقبل علامةً من هذه العلامات فهي حرفٌ.
وهناك طريقة ثانية وهي أن تنظر إلى المعنى، فإن كان للكلمة معنًى في نفسها غير مقترن بزمن فهي اسم، إن كان للكلمة معنًى في نفسها مقترنًا بزمن فهي فعل، إن كانت الكلمة ليس لها معنًى في نفسها وإنما معناها فيما تدخل عليه فهي حرفٌ، والله أعلم بالصواب. ولذلك قال المصنف هنا ( والحروف ما لا يصلح معه دليل الاسم ولا دليل الحرف )، فما كان كذلك فهو حرفٌ، والله أعلم بالصواب.
والحروف يا إخواني أنواع، الحروف منها ما يختص بالدخول على الأسماء، وهي حروف الجر وإن وأخواتها، وحروف تختص بالدخول على الأفعال، وهي الجوازم ونواصب الأفعال، وحروف مشتركة تدخل على الأسماء وعلى الأفعال، والحروف المشتركة هذه مثل همزة الاستفهام و"هل" في الاستفهام فإنها يمكن أن تدخل على الأسماء ويمكن أن تدخل على الأفعال، والأولى طبعًا دخولها على الأفعال، ولكنها قد تدخل على الأسماء وقد تدخل على الأفعال، والله أعلم بالصواب.
ننتقل الآن إلى قضية جديدة، بعد أن انتهى المصنف رحمه الله من الحديث عن علامات الأسماء وعلامات الأفعال وعلامات الحرف، وعلامة الحرف علامة عديمة، وهي أن تجرب عليها علامات الأسماء فإذا قبلت خرجت، أو تجرب عليها علامات الأفعال فإذا قبلت خرجت، وإذا لم تقبل علامةً من علامات الأسماء ولا من علامات الأفعال فهي حرفٌ بدون شكٍ.
ننتقل بعد هذا إلى حديث المصنف عن الإعراب، والآن دخل بنا في باب الجمل، لأن الإعراب والبناء خاصّان بالجمل، ولا تعرف أن هذه الكلمة مبنية ولا مُعربة ولا أنها فاعل ولا أنها مفعولٌ به ولا أنها مُبتدأ ولا أنها خبر إلا إذا كانت في جملة، وهذا قول المصنف هنا ( الإعراب هو تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليه لفظًا أو تقديرًا )، بعضهم يُعرف الإعراب وبعضهم يُعرف المُعرب، والمسألة في هذا سهلةٌ، إما أن تعرف بشيءٍ معنويٍّ وإما أن تعرف بشيءٍ محسوسٍ، الذين يعرفون بشيءٍ محسوسٍ هم الذين يعرفون المعرب، والذين يعرفون بشيءٍ معنويٍّ هم الذين يعرفون الإعراب، فالمصنف هنا اعتمد على الناحية المعنوية، فقال الإعراب هو تغيير أواخر الكلم، الكلم جمع كلمة أو اسم جنس جمعي للكلمة، واسم الجنس الجمعي هو الذي يُفرق بينه وبين واحده بالتاء في المفرد، مثل كلم وكلمة، وشجر وشجرة، وتمر وتمرة، إلى آخره.
فإذا وجدت أن الكلمة بسبب ما يدخل عليها من العوامل مرة تكون مرفوعة ومرة تكون منصوبة ومرة تكون مجرورة ومجرة تكون مجزومة فاعلم أن هذه الكلمة مُعربة، وإذا رأيتها ثابتةً في كل أحوالها مهما تغيّرت العوامل عليها فاعلم أن الكلمة مبينة، فأنت تستطيع أن تقول هذا الجدار مبنيٌّ لأنه لا يتحرك، أما المعرب فإنه يتحرك آخره، يعني تتغير حركته، تقول "جاء رجلٌ" و"رأيتُ رجلا" و"مررتُ برجلٍ"، "رجل" لما صارت فاعلا صارت مرفوعة ولما صارت مفعولا به صارت منصوبة ولما دخل عليها حرف الجر صارت
مجرورة دليلٌ على أنَّ كلمة "رجل" معربة وليست مبنية لتغيرها بسبب تغير العوامل.
يقولون إن كلمة "حيث" مبنية، ويجيزون فيها أن تقول "جلستُ حيثُ زيدٌ جالسٌ" و"جلستُ حيثَ زيدٌ جالسٌ" وتقول "جلستُ حيثِ زيدٌ جالسٌ"، ومع ذلك يعدونها مبنية مع أنها تغيرت حركتها، فهل عندنا من مخرجٍ من هذه المشكلة؟ الجواب نعم، لأننا حددنا لك هنا أن يكون سبب التغيير هو بتغير دخول العوامل، العامل هنا في حيث لم يتغير لأنك تقول "جلستُ حيثُ" و"جلستُ حيثَ" و"جلستُ حيثِ" فما الذي تغيّر؟ التغير في لغات العرب فقط، لأن بعض العرب وهو الغالب الكثير يبنيها على الضم، ومنه قول الله عزّ وجلّ ﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ [البقرة: 149]، فلم يقل "وَمِنْ حَيْثِ"، ولكن بعض لغات العرب  ـ وهي أقل منها درجةً ـ  يجعلها مبنيةً على الفتح فيقول "من حيثَ"، وبعضهم يرى أنها مبنية على الكسر، وهذا قليل.
إذًا الإعراب المُعتد به أو التغير المعتد به هو ما كان بسبب دخول العوامل، أما ما لم يكن بسبب دخول العوامل وإنما هو بسبب اختلاف لغات العرب فلا نعده من المعرب، وإنما نعده مبنيًّا، هذا قول المصنف ( الإعراب هو تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليه لفظًا أو تقديرًا )، الذين عرّفوا المعرب قالوا المعرب: هو الذي يتغير آخره بسبب ما يدخل عليه من عوامل، والمسألة في هذا سهلةٌ والحمد لله رب العالمين.
قوله ( الإعراب هو تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليه لفظًا أو
تقديرًا ) ( لفظًا ) انتهينا منه،
الآن ننتقل إلى الإعراب التقديري، أحيانًا تكون الكلمة لا تظهر عليها علامة الإعراب مطلقًا لأنها مكسورة مثلا، أو لأنها متصلة بياء المتكلم، مثلا تقول "جاء موسى" و"رأيت موسى" و"مررتُ بموسى"، "موسى" هنا مُعرب، لكنه مرفوعٌ بضمة مقدرة، "رأيت موسى" منصوب بفتحة مقدرة، "مررتُ بموسى" مجرور بكسرة مقدرة، إذًا لماذا لا تقول إنه مبنيٌّ طالما لم يتغير حاله؟ أقول لك لأن هذه الكلمة اسمٌ والأسماء الأصل فيها الإعراب، ولا تُبنى إلا إذا شابهت الحروف، وهذا ليس بينه وبين الحروف أي شبه –أي كلمة "موسى" ـ ، فنقول صحيحٌ أنه مُعرب، لكن علامات تقديرية. هذا نوعٌ مما تُقدر عليه جميع علامات الإعراب.
النوع الثاني: مما تُقدر عليه جميع علامات الإعراب هو المُضاف إلى ياء المُتكلم مثل "هذا كتابي" و"ورأيتُ كتابي" و"قرأتُ في كتابي"، "هذا" مُبتدأ، "كتاب" خبرٌ مرفوعٌ وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الباء، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة للياء، لماذا؟ لأن الياء هذه –أي ياء المتكلم ـ  لا يقع ما قبلها إلا مكسورًا، ولذلك إذا دخل عليها فعلٌ يجيئون بنون الوقاية حتى تقي الفعل من الكسر، لأن الفعل لا يُكسر.
إذًا هذه تُقدر عليها جميع علامات الإعراب، بعضهم هنا قال إن المضاف إلى ياء المتكلم اكتسب البناء من إضافته إلى الياء لأن الياء مبنية فهو مبنيٌّ، لكن الصواب أنه مُعربُ، وأنه معربٌ بحركاتٍ مقدرة، ومنع من ظهروها اشتغال المحل بحركة المناسبة. هذا بالنسبة للمضاف إلى ياء المتكلم، بعضهم يرى أنه في منزلةٍ بين المنزلتين، لا هو معربٌ ولا هو مبنيٌّ بل قسمٌ مُستقلٌ بنفسه، الذي هو المُضاف إلى ياء المتكلم، لكن نعود مرةً أخرى ونقول لا، بل هو معرب، ومعربٌ بعلاماتٍ مقدرة.
أحيانًا يكون الإعراب التقديري في بعض الأحيان، فمثلا الاسم المنقوص مثل "القاضي" و"الساعي" و"الداعي" و"المرتدي" وإلى آخره، هذه مختومة بياء، وما قبل الياء مكسور، هذه تُسمى أسماء منقوصة أو ناقصة، هذه تظهر عليها العلامة الإعرابية في حالة النصب، أما في حالة الجر وفي حالة الرفع فلا تظهر عليها العلامة الإعرابية، أقول "جاء القاضي" و"ورأيتُ القاضيَ" و"مررت بالقاضي"، في حالة الرفع وفي حالة الجر ساكنة ولكن الحركات مقدرة عليها، ويقولون إن هذا التقدير للثقل وليس للتعذر، فالتقدير في الأسماء المنقوصة للثقل.
الفعل المضارع المختوم بالواو أو الياء تُقدر عليه العلامة الإعرابية في حالة الرفع فقط، تقول "محمدٌ يدعو ربه" و"محمدٌ يرمي عدوه" في حالة الرفع، فأما إذا جئت بالنصب فإن الفتحة تظهر فتقول "محمد لن يدعوَ الشيطان" أو "لن يدعوَ عدوه" وتقول "لن يرميَ أحبابه"، ظهرت عليها الفتحة، أما في حالة الجزم نحذف حرف العلة، تقول "لم يدعُ" و"لم يرمِ" و"لم يسعَ"، "واحذف جازما ثلاثهن تقض حكما لازما"، هذا في الفعل المضارع المعتل الآخر، وسيأتينا بيانه إن شاء الله.
إذًا قد تكون العلامة مقدرةٌ مطلقًا، يعني في كل الأوقات رفعًا ونصبًا وغيرها، وقد تكون في بعض الحالات كما رأيتم وكما مثلنا في حالة الاسم المنقوص وفي حالة الاسم المقصور والفعل المضارع المعتل الآخر والكلمة المضافة إلى ياء المتكلم، ونكون بهذا أنهينا الحديث عن الإعراب الظاهر والإعراب المقدر.
البناء:
المبني هو الذي لا يتغير آخره بسبب ما يدخل عليه من العوامل، ولم يذكر هذا الكلام ابن آجروم رحمه الله، لم يذكر المبني اكتفاءً بالمعرب، قال الإعراب هو تغيير أواخر الكلم، ومعناه عكسه هو المبني، البناء هو عدم تغيير أواخر الكلم بسبب ما يدخل عليه من العوامل، تقول "جاء من أحبه" و"رأيتُ من أحبه" و"مررتُ بمن أحبه"، "من" هذه اسم موصول، وقد جاءت ساكنة في الأحوال الثلاثة، في الرفع والنصب والخفض، معنى هذا أنها كلمة مبنية، ولا تتأثر بما يدخل عليها من العوامل، و"من" اسمٌ موصولٌ مبني لا يتأثر بما يدخل عليه من العوامل، فهذا هو المبني.
ولا بأس أن نعد لكم المبنيات، المبنيات هي:
1 ـ الحروف كلها مبنية بدون استثناء، لا يوجد حرف إلا وهو مبنيٌّ.
2 ـ الضمائر كلها مبنية، لا يوجد ضميرٌ إلا وهو مبنيٌّ.
3 ـ أسماء الإشارة، وسأعود لأسماء الإشارة بعد قليل.
4 ـ الأسماء الموصولة.
5 ـ أسماء الشرط.
6 ـ أسماء الاستفهام.
7 ـ أسماء الأفعال.
8 ـ أسماء الأصوات، وهذه قليلة الاستعمال.
نعود إلى بعض الأسماء التي ذكرتها لكم وقُلتُ إنها مبنية، عندنا في أسماء الإشارة لفظان وهما "هذان" و"هاتان"، تكون في حالة الرفع بالألف وفي حالة النصب والجر بالياء، فهل هي معربة بهاتين الصورتين أو مبنية؟ في هذا خلاف، لكن الصحيح أنها معربة، إذًا "هذان" و"هاتان" تُرفعان بالألف وتُنصبان وتجران بالياء، والبقية كل أسماء الإشارة مبنية.
الأسماء الموصولة يوجد فيها ثلاثة ألفاظ "اللذان" و"اللتان" و"أي"، أما "أي" فقولا واحدًا معربة إذا كانت موصولة أو إذا كانت استفهامية أو إذا كانت شرطية إلا في حالة واحدة وهي إذا كانت اسمًا موصولا وقد أُضيفت وحُذف صدر صلتها كقول الله عزّ وجلّ﴿ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ﴾ [مريم: 69]،اعلم بارك الله فيك أن كلمة "أَيُّ"هنا في محل نصب مفعول به،ولم يقل "أَيَّهُمْ"،لماذا؟ قال لأنها اسمُ موصولٌ مُضافٌ وقد حُذف صدر صلتها، لأن التقدير والله أعلم "أَيُّهُمْ هُوَ أَشَدُّ"، وقد أُضيفت إلى كلمة "هُمْ" فهي هنا مبنية، فيما عدا ذلك كلما رأيت "أي" فأعربها، قال الله عزّ وجلّ ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ
أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ﴾[الأنعام: 81]،هنا استفهامية،قال الله عزّوجلّ﴿ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الإسراء: 110]، وكقولك مثلا "أيَّ رجلٍ قابلتَه؟" و"بأيِّ رجلٍ مررت"، فهذه "أي" معربة.
"اللذان" و"اللتان" رفعًا بالألف، ونصبًا وجرًا بالياء، أهما مُعربان أم مبنيان؟ فيه خلاف، والصحيح أنهما مُعربان، يعني إعراب المثنى، بقية الأسماء من الثمانية أمور التي ذكرتها لكم كلها مبنية، والله أعلم بالصواب.
انتهينا من باب المُعرب والمبني أو مما يتحدث فيه المصنف في باب المُعرب والمبني.
قال المصنف ( وأقسامه أربعة )، أقسام ماذا؟ الضمير عائد إلى ماذا؟ إلى الإعراب، لأنه لم يتحدث عن المبني، فقال ( أقسامه أربعة: رفعٌ ونصبٌ وخفضٌ وجزمٌ، فللأسماء من ذلك الرفع والنصب والخفض، ولا جزم فيها، وللأفعال من ذلك الرفع والنصب والجزم، ولا خفض فيها )، لأن الخفض خاصٌّ بالأسماء، والجزم خاصٌّ بالأفعال، ولا يوجد عندنا اسم مجزوم، ما تقولون في "من" وفي "مهما"؟ أليست ساكنة الآخر؟ تقول "جاء من نحبه" مثلا، أو "سافر من أوده"، و"رأيت من أوده"، ألا ترى أنها ساكنة الآخر ونحن نقول إن الجزم خاصٌّ بالأفعال، ومن هذه اسم موصول، الجواب عن هذا أنها هنا مبنية وليست مجزومة، هناك فرقٌ بين الجزم والبناء، فالجزم علامة إعراب، والسكون علامة بناء، فالجزم المقصود به هنا علامة من علامات الإعراب، ولا تقع في الأسماء.
( رفعٌ ونصبٌ وخفضٌ وجزمٌ، فللأسماء من ذلك الرفع والنصب والخفض ) تقول "هذا زيدٌ"، و"رأيتُ زيدًا" و"نظرت إلى زيدٍ"، فهذه أخذت العلامات الإعرابية الثلاثة وهي الرفع والنصب والجر أو الخفض كما عبّر صاحبنا هنا.
( وللأفعال من ذلك الرفع والنصب والجزم، ولا خفض فيها ) تقول "محمدٌ يقوم"، و"محمدٌ لن يقوم"، و"محمد لم يقم"، فـ "يقوم" فعلٌ معرب وقد تحرك بالحركات الثلاث وهي الرفع في قولك "يقومُ" لأنه لم يتقدم عليه ناصب ولا جازم، والنصب في قولك "لن يقومَ"  لأنه تقدمت عليه "لن"، والجزم في قولك "لم يقم"، لأنه تقدمت عليه "لم" الجازمة، ولا يوجد في الأفعال خفض. أحيانًا في آخر البيت من القصيدة تُحركه بالكسر لكنه ليس من أجل أن الفعل يجوز أن تكسره، مثلا في قول زُهير:
أمن أُمِّ أوفى دمنةٌ لم تكلمِ        بحومانة الدراج فالمتثلم
"لم تكلم"، "تكلم" هنا فعل مضارع، وأصله "لم تتكلم"، دخلت عليها "لم"، ومع ذلك رأينا أن الفعل هنا عليه الكسرة كما ترون،ولكننا لا نقول إنه مكسور ولكن نقول من أجل الإشباع، لأنه لو قال "لم تكلمْ" لا يكن عنده فرصة للإشباع، فحول السكون إلى كسرة.
ونكتفي بهذا القدر اليوم، ونتوجه إليكم بالأسئلة أو تتوجهون أنتم بالأسئلة التي لديكم متعلقة بما في هذا الباب.
سأل أحد الطلبة:
جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ، قلنا أن التقدير لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظًا أو تقديرًا، هل يجوز أن يُحمل التقدير هاهنا على العوامل؟
أجاب الشيخ:
لا، وحفظك الله، العوامل هي التي تؤثر بسبب دخولها، أما التقدير فلا أظن أن له وجه نحمله على أن يكون العامل مقدرًا، يكون العامل مقدرًا في حروف الجر أحيانًا، يُحذف حرف الجر ويُقدر، مثلا يقولون في واو "رُبَّ" إن الكلمة التي تأتي مجرورة بعد واو "رُبَّ" تكون مجرورة بحرفٍ مقدر، لكن الصواب في أن المصنف هنا أراد بأن التقدير في علامة الإعراب نفسها، إما أن تكون ظاهرة أو أن تكون مقدرة، هذا الظاهر لي، والله أعلم.
سأل أحد الطلبة:
جزاكم الله خيرًا يا شيخ، ذكرتم أن حروف الخفض لا تدخل إلا على الأسماء، فكيف يُوجَّهُ قول القائل "سقطتُ من على شجرة"؟
أجاب الشيخ:
هذا أحيانًا ربما تحدثنا فيه أو لم نتحدث، لا أدري ربما توسعنا في هذا، يقولون بعض حروف الجر تُستعمل أحيانًا حروفًا وأحيانًا أسماءً، كالكاف مثلا، الكاف يقولون تأتي بمعنى "مثل" و"على" وتأتي بمعنى "فوق"، فحينئذٍ يجوز دخول حرف الجر عليها لأنك ضمنت الحرف الذي هو في الأصل حرف معنى اسمٍ آخر فجاز دخول حرف الجر عليه، ومنه قول الشاعر "غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها"، وهي حروف مجموعة وأظنها خمسة حروف تأتي أحيانًا أسماءً فتدخل عليها حروف الجر لأنها تحولت دلالتها من الحروف إلى الأسماء.
سأل أحد الطلبة:
جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ، قلنا في مثال الكلمات المعربة ولكن تقديرًا منع من ظهور العلامة عليها الاستثقال أنها تكون معربة، فهل في كلمة "قاضي" مثلا أو كلمة "ليالي" إن حذفنا الياء فنقول مثلا "مررتُ بقاضٍ من القضاة" فهل هنا تكون معربة تقديرًا؟
أجاب الشيخ:
بارك الله فيك، سؤال جميل جزاك الله خيرًا عليه، إذا قلت "مررتُ بقاضٍ" فكيف تُعربها؟ تقول "مَرَّ": فعلٌّ ماضٍ، والتاء: فاعل، والباء: حرف جر، و"قاضٍ": اسم مجرور بحركة مقدرة على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين، الساكنان هما الياء هذه التي استثقلت عليها الحركة فسكنت، والساكن الثاني هو التنوين، فلما اجتمع التنوين والياء –والياء حرف علة متطرفة ـ  حذفوا الياء، فالحركة مقدرة على الياء المحذوفة.
سأل الشيخ:
توجد بعض الكلمات مبنية، ومع ذلك تتغير حركة آخرها، فما توجيه ذلك؟ وما هذه الكلمات؟
أجاب أحد الطلبة:
الكلمة هي "حيث"، وتوجيهها حسب لسان العرب.
سأل الشيخ الطالب:
تحكم عليها بأنها مبنية أم معربة؟
أجاب الطالب:
هي مبنية، لكن يُوجه رفعها أو خفضها أو نصبها حسب لغات العرب، وليس هذا لأن الكلمة نفسها معربة.
أكمل الشيخ كلامه:
هذا كلام حق، بارك الله فيك.
ونكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ.