التوابع : باب النعت
 

الدرس الخامس عشر من سلسلة شرح المقدمة الآجرومية للشيخ حسن الحفظي

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
أيها الأخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أذكر أنك سألتني في حلقة ماضية عن إعراب قول الله عزّ وجلّ ﴿ هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ ﴾ فنبدأ بالحديث عنها ثم نعود إلى محاضرتنا إن شاء الله تعالى، أما هاء فهي حرف للتنبيه لا محل له من الإعراب، و أَنْتُمْ مبتدأ وهو ضمير مبني في محل رفع، أُولاءِ هذا اسم إشارة وهو بدل من أنتم ويمكن أن خبراً لها أَنْتُمْ أُولاءِ أما تحبونهم فهي جملة، وهي في الأصل فعل مضارع من الأفعال الخمسة مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون والواو فاعل، الجملة هذه إن جعلت أولاء بدلاً من أنتم فتحبونهم خبرٌ لأنتم وإن جعلت أولاء خبرٌ لأنتم فتحبونهم خبر ثان، هذا الذي نريد أن نقوله.
ثم نعود بعون الله تعالى إلى حديث المصنف عن النكرة قال المصنف ( والنكرة كل اسم شائع في جنسه لايختص به واحد دون آخر وتقريبه كل ما صلح دخول الألف واللام عليه نحو الرجل والفرس ) بعض النحويين يعرف النكرة: بأنها كل اسم شاع في جنس موجود أو مقدر، شاع بمعنى انتشر، في جنس يعني له أفراد، موجود قد يكون هذا الجنس موجوداً وقد يكون مقدراً، أما الجنس الموجود فكلمة رجل فإنه يطلق على كل إنسان ذكر بالغ فإذا قلت رجل فهذا واحد من هذا الجنس، وأما الجنس المقدر يعني ليس له أفراد فنحو كلمة شمس فإنها نكرة ولا يوجد منها إلا فرد واحد ومع ذلك عدوها نكرة، قال لماذا ؟ قال لأن الأصل أن كل كوكب يظهر نهاراً ويزيل ضوءه ظلام الليل يطلق عليه شمس لكن ما عندنا إلا واحد من هذا النوع ومثله كلمة قمر، المهم أن هذا يا أيها الأحباب النكرة قد تكون في جنس الموجود الذي له أفراد، وقد تكون في جنس لا يوجد منه إلا فرد واحد قال الله عزّ وجلّ ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ﴾[غافر:28] رجل هنا نكرة ورجلاً أيضاً الثانية نكرة، وهي عبارة عن فرد من أفراد جنس موجودين، وقد قربها المصنف لنا بقوله ( يمكن تقريبها بأن النكرة كل كلمة كل اسم يصلح دخول "أل" عليه ) وقوله كل اسم هنا حتى إنه لم يقل كل اسم، لكننا قلنا كل اسم لأن تعريف الكلمة بأنها نكرة أو بأنها معرفة هذا خاص بالأسماء ولا يقال للفعل إنه نكرة ولا يقال إنه معرفة ولا يقال للحرف إنه نكرة ولا يقال عنه إنه معرفة .
هذا كل ما يقال في النكرة والمعرفة سبق أن أنهينا الحديث عنها، وقد ذكرت لكم في أول ما بدأنا في المعارف أن المصنف إنما ذكر هذه الأنواع في باب النعت ذكر أنواع المعارف في باب النعت؛ ليبين لكم أن المنعوت إذا كان نكرة فلابد في النعت أن يكون نكرة، وإذا كان المنعوت معرفة فلابد أن يكون النعت معرفة؛ فاضطر إلى بيان أنواع المعارف فقال لكم المعارف هي كذا وكذا وقد أطلنا في الحديث في باب المعارف وننتقل إلى الباب الثاني من أبواب التوابع التي ذكرها المصنف وهو باب العطف.
قال المصنف: ( وَحُرُوفُ اَلْعَطْفِ عَشَرَةٌ وَهِيَ: اَلْوَاوُ, وَالْفَاءُ, وَثُمَّ, وَأَوْ, وَأَمْ, وَإِمَّا, وَبَلْ, وَلَا, وَلَكِنْ, وَحَتَّى فِي بَعْضِ اَلْمَوَاضِعِ ) أما باب العطف فهو التابع المتوسط بينه وبين متبوعه واحد من حروف العطف، مرة ثانية العطف هو التابع أو المعطوف المتوسط بينه وبين متبوعه واحد من حروف العطف فأقول جاء محمد وعبد الله، عبد الله هذا معطوف وهو تابع لمحمد لأنه توسط بينهما حرف من حروف العطف وهو الواو حرف من حروف العطف وهو الواو قال الله عزّ وجلّ ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾[الحديد:26] انتبه بارك الله فيك أشير إلى أمر مهم وهو أن الواو في الصحيح لمطلق الجمع ولا تقتضي الترتيب لا تقتضي الترتيب وقد يعطف بها متقدم وقد يعطف بها مساوٍ وقد يعطف بها متأخر .
انظر إلى قول الله عزّ وجلّ ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ ﴾ عطف إبراهيم على نوح وإبراهيم متأخر عن نوح، الثاني قد يرد العكس قال الله عزّ وجلّ ﴿ كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ ﴾[الشورى:3] انتبه بارك الله فيك يُوحِي إِلَيْكَ الكاف هنا المقصود به محمد صلى الله عليه وسلم وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ عطف بالواو المتقدم على المتأخر، وقد يعطف المصاحب ومنه قول الله عزّ وجلّ ﴿ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ﴾[العنكبوت:15] وهم نجو مع بعض هذا كل ما يقال عن الواو.
ننتقل إلى الفاء، أما الفاء يا أيها الأحباب فهي تقتضي الترتيب والتعقيب لابد من دلالة الترتيب فيها، والترتيب هذا يعني مباشرة يجيء بعده ليس بينهما وقت طويل، والتعقيب كل شيء بحسبه أحياناً تقول جاء محمد فخالد وليس بينهما إلا وقت يسير جداً ولكنه يجوز لك أن تقول تزوج فلان فولد له، فالتعقيب هذا على كل شيء بحسبه في المدة التي يصلح أن يكون ما بين الزواج والولادة له ممكن أن تعطف بالفاء لأن كل تعقيب بحسبه.
أحياناً وهو الغالب في الفاء أن تدل على السببية أن تكون مقتضية السببية ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ ﴾[القصص: 15] القضاء عليه بسبب هذه الوكزة، أما الترتيب فقد اعترض عليه بعضهم يعني نحن ألزمنا أنه لابد من الترتيب اعترض عليه بنحو قول الله عزّ وجلّ ﴿ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ﴾[الأعراف:4] وجه الاعتراض أن الإهلاك بعد مجيء البأس، في حين أن مجيء البأس مذكور هنا بعد الإهلاك وقد أجيب عنه بأن المراد بقوله أهلكنا أردنا إهلاكها.
الحرف الثالث هو حرف ثم، لكن نحن ما ذكرنا لكم الأحرف التي ذكرها المصنف لا بأس أن نقرأها ثم نعود إلى تفصيل الحديث عنها يقول المصنف، قال المصنف رحمه الله ( حروف العطف عشرة هي الواو والفاء وثم وأو وأم وإما وبل ولا ولكن وحتى في بعض المواضع ) وحتى في بعض المواضع وهو يريد بهذا أن يبين أنه ليست في كل الأوقات حتى تكون عاطفة؛ لأنها كما ذكرت لكم أكثر من مرة أن لها أنواعاً متعددة وأن الفراء رحمه الله قال: "أموت وفى نفسي شيء من حتى".
ننتقل إلى الحديث عن ثم، أما ثم فهي في اقتضاء الترتيب مثل الفاء ولكنها بين المعطوف والمعطوف عليه مدة أطول من الفاء فيسمونه الترتيب والتراخي، من شواهدها قول الله عزّ وجلّ ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً﴾[الزمر:21] انتبهوا رحمكم الله عطف بثم في هذه المواضع وهي بين كل فترة والثانية مدة قد تكون طويلة .
ذكر بعض النحويين أن الفاء وثم يحل أحدهما محل الآخر، واستشهدوا بذلك بنحو قول الله عزّ وجلّ ﴿ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى ﴿4﴾ فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ﴾[الأعلى:4-5] لأن جعل المرعى غثاء أحوى يحتاج إلى ثم، لكن يحل يعني تتناوب ثم والفاء ولكن هذا ليس الغالب، الغالب أن الفاء للترتيب والتعقيب يعني مباشرة وأن ثم للترتيب والتراخي يعني بينهما مدة طويلة .
ننتقل إلى الحرف الرابع وهو أو، ولا يخلو الكلام الذي ترد فيه أو عاطفة من أن يكون خبراً أو إنشاءً فإذا كان الكلام خبراً، فأحياناً يكون معناها الشك كقول الله عزّ وجلّ قالوا ﴿قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾[الكهف: 19] وقد يراد بها الإبهام يعني تبهم على السامع وأن تعرف لكنك تبهم ومنه قول الله عزّ وجلّ ﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾[سـبأ: 24] أما إن كان الكلام إنشاءً فإن "أو" قد تدل على التخيير وقد تدل على الإباحة، ما الفرق بينهما، الإباحة تجيز لك الجمع بين الاثنين والتخيير تجعلك ملزماً بواحد منهما، فأما الإباحة فنحو قولك جالس عبد الله أو محمد يمكن أن تجالس الاثنين ويمكن أن تختص بواحد منهما، وأما التخيير فنحو قولك تزوج هنداً أو أختها ليس لك أن تجمع بينهما فأنت تخيره في واحد منها، مما وردت فيها أو دالة على الإباحة نحو قول الله عزّ وجلّ ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾[النساء:86] لك أن تردها هي بنفسها أو تزيد عليها هذا هو الحرف الخامس وقد انتهينا منه .
وأما الحرف السادس فقد ذكره المصنف فهو "إما"، وكثير من النحويين ما يذكرون "إما" في حروف العطف، لماذا؟ قال لأنهم إذا قلت جاء إما زيد وإما عمرو فإن قلت إن إما الأولى عاطفة وقلت إنها عاطفة فأين المعطوف عليه وقلت إن إما الثانية هي العاطفة فماذا تفعل بالواو فالصواب أنها ليست داخلة معنا، ولكن لأن المصنف ذكرها هنا فنحن نذكرها أو نتحدث عنها قد تدل على الشك كقولك قابلت اليوم إما صالحاً وإما سعيداً وأنت شاك في ذلك، وقد تدل على الإبهام أيضاً فقولك أنت إما على حق وإما على باطل
وأنت تعرف أنه على حق أو على باطل لكنك تريد أن تبهم عليه، وقد تكون للتقسيم وذلك قولهم مثلاً الكلمة إما اسم وإما فعل وإما حرف .
هذا حديث المصنف عن إما، هو ذكر إما وحدها ولكننا ذكرنا لكم بعض التفصيلات عنها أم، "أم" فهي الحرف السادس من الحروف التي ذكرها المصنف وهي سواء وهي من أمثلتها قول الله عزّ وجلّ ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ﴾[البقرة:6] ومن ذلك قول الشاعر :
ولست أبالي بعد فقدي مالكاً           أموتي ناء أم هو الآن واقع
"أم" في هذين الموضوعين هي أم المتصلة، لأنهم يقسمون أم قسمين أم متصلة وأم منقطعة، أما أم المتصلة فهي التي تأتي بين متساويين، وأما أم المنقطعة فهي التي تكون بمعني الإضراب في الغالب، فالمتصلة هي التي مثلتها لكم قبل قليل، وأما المنقطعة فهي التي تأتي بمعني بل، وقد تكون المتصلة مسبوقة باستفهام، وقد لا تكون مسبوقة بالاستفهام ففي قول الله عزّ وجلّ ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ﴾ هذه سبقت باستفهام وكذلك في قول الشاعر :
ولست أبالي بعد فقدي مالكاً           أموتي ناء أم هو الآن واقع
كذلك وقعت بعد استفهام ونحو قول الله عزّ وجلّ ﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَ﴾[النازعـات:27] كذلك وقعت بعد الاستفهام وهكذا، وقد تقع بين جملتين اسميتين كقول الشاعر :
لعمرك ما أدري وإن كنت دارياً              شعيث بن سهم أم شعيث بن منكر
هنا لم يذكر قبلها الاستفهام، وقد وقعت بين جملتين اسميتين ننتقل إلى أم المنقطعة وهي الخالية من همزة التسوية لا تسبقها همزة التسوية ولا همزة الاستفهام وهي دائماً تدل على الإضراب، وبعضهم يجعلها بمنزلة بل والهمزة، يعني بمنزلة حرفين، ويستشهدون له بنحو قول الله عزّ وجلّ ﴿ أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ﴾[الطور:39] يقولون التقدير فيها بل أله البنات، وأحياناً لا تدل على الاستفهام، ومنه قول الله عزّ وجلّ ﴿ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ ﴾ [الرعد: 16] هنا أم لاتدل على الاستفهام أما في الأول في قول الله عزّ وجلّ ﴿ أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ ﴾ فقد دلت على الاستفهام .
أما الأداة السابعة التي ذكرها المصنف فهي بل، وبل حرف عطف لكن يشترط لها للدلالة على العطف أمران: الأمر الأول: أن تكون مسبوقة إما بإيجاب أو بأمر أو بنهي أو بنفي يعني لابد أن تكون مسبوقة بواحد من هذه الأمور إما أن تكون مسبوقة بكلام موجب أو بأمر أو بنهي أو بنفي، الثاني: أن يكون المعطوف بها مفرداً يعني فلا تعطف الجمل، ما تعطف الجمل، الأمثلة :
قولك قام محمد بل علي هذه بعد كلام موجب، ليقم محمد بل علي هذه بعد أمر، لا يقم محمد بل علي هذه بعد نهي، ما قام محمد بل علي هذه بعد نفي، هذه بل العاطفة وكما رأيتم في الأمثلة التي ذكرناها المعطوف بها مفرد، وبعضهم يمنع دخولها بعد النفي ولكن الصحيح أنها يجوز أن تكون إما بعد إيجاب يعني كلام موجب وإما بعد أمر وإما بعد نهي وإما بعد نفي، وهذا النفي هو قد عارض فيه المبرد رحمه الله فقال: "لا يجوز أن تأتي بل بعد النفي" فلا يجوز عنده أن تقول ما قام محمد بل علي، لا يجوز عنده أن تكون بل هذه؛ لما تتضمنه من معنى الإضراب .
العاطف الثامن الذي ذكره المصنف هو لا، كلمة لا تعد حرف عطف أحياناً ويشترط النحويون شروطاً لجعلها عاطفة بعض هذه الشروط متفق عليه وبعضها مختلف فيه، نكتفي بذكر المتفق عليه، اتفقوا على اشتراط كونها مسبوقة بإيجاب أو أمر، وعلى كون معطوفها لابد أن يكون مفرداً فلا يكون جملة، من ذلك قولك هذا زيد لا عمرو، هذا كلام موجب والمسبوقة بالأمر كقولك اضرب زيداً لا عمرًا، وهذا المعطوف في الجملتين مفرد وهو كلمة عمرو ومسبوقة في الكلام الأول بكلام موجب وهو قوله هذا زيد ومسبوقة في الثاني بأمر وهو قوله اضرب زيداً.
أما العاطف التاسع الذي ذكره المصنف فهو لكن كلمة لكن واشترطوا أيضاً لكونها عاطفة شروطاً :
1- أن يكون المعطوف بها مفرداً .
2- أن تسبق بنفي أو بنهي .
3- ألا تقترن بالواو، فإن اقترنت بالواو كان العطف للواو، وكانت هي حرفاً دالاً على الإضراب فقط ولابد أن تكون إما مسبوقة بنفي أو بنهي، ولابد أن يكون المعطوف بها مفرداً لابد أن يكون المعطوف بها مفرداً من أمثلتها قولك ما مررت برجل لكن امرأة وقولك من أمثلتها أيضاً لا يقوم عمرو لكن بكر.
في نحو قول الله عزّ وجلّ ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾[الأحزاب:40] لكن هنا ليست حرف عطف وإنما العطف هو للواو لأن الواو أقوى منها في العطف ما دامت اقترنت بالواو فإنها لا تعتبر عاطفة.
أما الحرف الأخير الذي ذكره المصنف من حروف العطف فهو حتى والعطف بها قليل، لأن الغالب والكثير فيها أن تكون حرف جر ومن ذلك قول الله عزّ وجلّ ﴿ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾[القدر:5] فهي هنا حرف جر ولذلك اشترطوا لها أن يكون المعطوف بها اسماً ظاهراً فلا يصح أن يكون ضميراً الثاني: أن يكون المعطوف بها بعضاً من المعطوف عليه.
الثالث: أن يكون غاية في زيادة أو في نقصان، المثال قولك مات الناس حتى الأنبياء الآن توافرت الشروط كلها .
واحد أن المعطوف بها اسم ظاهر وهم الأنبياء .
اثنين أنه بعض من المعطوف عليه لأن الأنبياء بعض الناس .
الثالث أنه غاية إما في زيادة وإما في نقصان وهو غاية في الزيادة هنا، وأما الغاية في النقصان فقولك مثلاً غلبك الناس حتى الصبيان، فالصبيان هنا غاية ولكنه غاية في النقص، وقد ذكرنا شروط حتى وما يتعلق بها.
ننظر إلى قول المصنف، رحمه الله بعد أن ذكر هذه الأدوات وبينا ما فيها وكيف تكون عاطفة، ننتقل إلى شرح قول المصنف ( فإن عطفت على مرفوع رفعت أو على منصوب نصبت أو على مخفوض خفضت أو على مجزوم جزمت ) هذا هو حق المعطوف أن تتبعه أو أن تعطيه حركة المعطوف عليه رفعاً أو نصباً أو خفضاً أو حتى جزماً، قال ( تقول قام زيد وعمرو ) هذا عطفت مرفوعاً على مرفوع ( ورأيت زيداً وعمراً ) هذا عطفت فيه منصوباً على منصوب ( ومررت بزيد وعمرو ) هذا عطفت فيه مجروراً على مجرور أو مخفوضاً على مخفوض .
أما قوله ( وزيد لم يقم ولم يقعد ) ففي نفسي منها شيء لأنه كرر لم فلعل جزم الفعل الثاني بلم وليس جزماً بسبب العطف، والمثال الصحيح في رأيي أن يقال لم يقم زيد ويقعد، لم يقم ويقعد حينئذ يكون العمل للعاطف، أما إذا كررت لم فإنه سيكون العمل لها وهذا آخر ما يقال في باب العطف .
ننتقل بعده إلى باب التوكيد وهو باب من أبواب التوابع.
التوكيد قال المصنف عنه ( التوكيد تابع للمؤكد في رفعه ونصبه وخفضه وتعريفه ) المصنف هنا لم يعرف لنا التوكيد وإنما ذكر لنا حكم التوحيد، والتوكيد يا أيها الأحباب قسمان: قسم منه يسمى بالتوكيد اللفظي ولم يذكره المصنف، والقسم الثاني وسيذكره المصنف هو التوكيد المعنوي.
أما التوكيد اللفظي يا أيها الأحباب فهو أن تكرر اللفظ الأول بعينه سواء أكان اللفظ الأول اسما أو فعلا أو حرفا أو جملة هذا كله يسمى بالتوكيد اللفظي كله يسمى بالتوكيد اللفظي، والتوكيد اللفظي جائز وسائغ وموجود، إذا قلت جاء محمد محمد فقد أكدت الفاعل هنا وأتبعت هنا وإذا قلت جاء جاء محمد فقد أكدت المجيء، وإذا قلت إن محمداً إن محمداً مجتهد فقد أكدت التوكيد إن محمداً إن محمداً مجتهد، ألا يجوز أن تقول إن إن محمد مجتهد الصحيح أنه لا يجوز في الحروف توكيدها توكيداً لفظياً إلا أن تلحق معها ما اتصل بها إلا إذا كان الحرف هذا حرف جواب كأن يقول مثلاً نعم أولا أو أجل أو ما شاكل ذلك، ومن ذلك مما ورد فيه توكيد الحرف الذي هو حرف جوابي قول الشاعر :
لا لا أبوح بحب بثنة                إنها أخذت علي مواثقاً وعهود
باح ولا ما باح يا أخوان ؟ باح هو يقول لا لا أبوح، وأنت بحت يقول لأنها أخذت علي مواثقاً وعهودا أنا لا أبوح، ومع ذلك باح رحمنا الله وإياهم، المهم أن قوله لا لا فيها توكيد لفظي والتوكيد هنا لحرف جوابي لا مانع لكن لو كان الحرف ليس جوابياً كأن كان من حروف الجر أو إن وأخواتها أو نحو ذلك فلابد أن تعيد معه ما اتصل به تقول مثلاً في توكيد حرف الجر مررت بك بك ولا تقول مررت ببك، لا، لابد أن تقول مررت بك بك فتعيد معه ما اتصل به وكذلك لعل محمداً لعل محمداً مجتهد تكرر معه ما اتصل به هذا إذا كان حرفاً.
ما توكيد الجملة ؟ مثاله، مثال توكيد الجملة أو شاهده قول الله عزّ وجلّ ﴿ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴿34﴾ ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴾[القيامة:34-35] هذه فيها توكيد لفظي للجملة، وهذا آخر ما يقال عن التوكيد اللفظي.
ننتقل بعد هذا إلى حديث المصنف عن التوكيد المعنوي لكن قبله أشير إلى أن مراد المؤلف في قوله في بداية باب التوكيد ( التوكيد تابع للمؤكد في رفعه ونصبه وخفضه وتعريفه ) هذا بارك الله فيكم خاص قوله وتعريفه خاص بالتوكيد المعنوي، أما بقية الأشياء وهي الرفع والنصب والخفض فإنها تنفعنا في باب التوكيد اللفظي والتوكيد اللفظي لا يشترط فيه أن يكون المؤَكَّد معرفة أو أن يكون المؤَكِّد معرفة، لا، بل التوكيد المعنوي هو الذي يشترط فيه ذلك فننتقل إلى كلام المصنف هنا وهو قوله ( ويكون بألفاظ معلومة وهي النفس والعين وكل وأجمع وتوابع أجمع، وهي أكتع وأبتع وأبصع ) كل هذه الثلاثة كلمات أكتع وأبتع وأبصع تعني ما تعني كلمة أجمع قال ( تقول قام زيد نفسه، ورأيت القوم كلهم ومررت بالقوم أجمعين ) وكلام المصنف كله عن التوكيد المعنوي، والتوكيد المعنوي يا أيها الأحباب إنما هو بألفاظ محدودة، أما التوكيد اللفظي فكما ذكرت لكم ليس له ألفاظ محدودة بل كل لفظ سواء كان اسماً أم فعلاً أم حرفاً أم جملة يجوز لك أن تؤكده توكيداً لفظياً، أما التوكيد المعنوي فهو خاص ببعض الألفاظ وهي التي ذكرها المصنف في قوله ( النفس والعين وكل وأجمع وتوابع أجمع وهي أكتع وأبتع وأبصع ) ويقال أيضاً جمعاء وكتعاء وبتعاء وبصعاء مع هذه، يعني مؤنثات هذه الألفاظ هي داخلة وجميع أيضاً من ألفاظ التوكيد وعامة أيضاً من ألفاظ التوكيد، هنا مسائل :
المسألة الأولي: حكم التوكيد المعنوي من ناحية الإعراب هذا بينه المصنف من أن التوكيد المعنوي يتبع المؤكد رفعاً ونصباً وخفضاً، تقول جاء محمد نفسه ورأيت محمدًا نفسه ومررت بمحمد نفسه فتبعه في حركاته كلها .
المسألة الثاني: قول المصنف تعريفه، المؤكد هنا في الأمثلة المذكورة كلها معرفة فهل يجوز في التوكيد المعنوي مجيء المؤَكَّد، المؤكَّد ما هو المؤكِّد ؟ المؤكَّد مجيئه نكرة هذا قد ورد ولكنه قليل، ويشترطون للتوكيد المعنوي إذا كان المؤكد نكرة أن يكون محدوداً محصوراً كأن يكون سنة مثلاً حول(سنة) ساعة، يوم، أسبوع ما شاكل ذلك، ويستشهدون له بقول الشاعر :
لكنه شاقه أن قيل ذا رجب           يا ليت عدة حول كله رجب
فكل هنا توكيد معنوي وقد جاء المؤكد هنا كلمة حول وهي نكرة وهذا قليل .
المسألة الثالثة: التوكيد بلفظي النفس والعين، كيف نؤكد بهما ؟
يؤكد بهذين اللفظيين الواحد، تقول جاء محمد نفسه، ويؤَكَّد بهما أيضاً الجماعة، تقول جاء الرجال أنفسهم، ولا يؤَكَّد بها المثنى، لأن المثنى له لفظ خاص به، وهو لفظ كلا وكلتا يؤكد المثني المذكر بكلا ويؤكد المثنى المذكر بكلتا، فلذلك ما يؤكد بالنفس والعين إلا هذان الأمران وهما المفرد تقول جاء محمد نفسه والجماعة فتقول جاء الرجال أنفسهم وتقول في جماعة الإناث جاءت الهندات أنفسهن .
المسألة الرابعة: أنه يجوز إدخال الباء على لفظي النفس والعين، فتقول جاء محمد بنفسه وجاء محمد بعينه، وجاء القوم بأنفسهم وجاء النساء بأنفسهن، ولابد من وجود ضمير يبين المؤكد أو له علاقة بالمؤكد إما مفرد أو مثني أو مجموع جمع مذكر أو جمع مؤنث، قف المثنى لا، المثنى سيأتي بيانه إن شاء الله .
المسألة الخامسة: التوكيد بلفظ كل الغرض منه إفادة العموم، وكل هذه لا يؤكد بها المثنى أيضاً وإنمايؤكد بها المفرد الذي له أجزاء تصلح للانفصال بعضها عن بعض وإلا فلا، يعني ما يجوز أن تقول جاء زيد كله لكنك تقول اشتريت الأرض كلها، الأرض واحدة وزيد واحد لكن زيد ما يتجزأ في المجيء، زيد لا يتجزأ في المجيء لكنك تقول أيضاً يجوز لك أن تقول بعت زيداً كله، هذا إذا كان زيد مملوك لك، لأنه يمكن أن تبيع بعضه فأنت تنظر إلى الجملة كلها فإن كان تصلح للتجزئة فلا مانع أن تذكر فيها لفظ يعني التوكيد بلفظ كل وإلا فلا، هذا بالنسبة لتوكيد المفرد أما بالنسبة لتوكيد الجماعة فإنه جائز أن تقول جاء القوم كلهم، وجاء النساء كلهن، وهكذا هذا ما دام يدل على الجماعة .
المسألة السادسة: التي تذكر في لفظ أو في باب التوكيد هو شيء تركه المصنف وهو التوكيد بلفظ كلا وكلتا وهذان اللفظان خاصان بالمثنى يعني يؤكد بكلا المثنى المذكر ويؤكد بكلتا المثنى المؤنث، لكن انتبه لابد أن يكونا مقترنين بالضمير أما إذا كان مضافين إلى غير الضمير فليس توكيداً تقول جاء كلا المحمدين هذه ليس فيها توكيد لكن تقول جاء المحمدان كلاهما، وجاءت الهندان كلتاهما فحينئذ أكدت بلفظ كلا وكلتا مضفين إلى الضمير فإن كانا مضافين إلى اسم ظاهر فإنه لا يكون توكيد بهما .
المسألة الثامنة: الألفاظ التي ذكرها المصنف وهي أجمع وأكتع وأبتع وأبصع وما شاكلها هذه ألفاظ قد تأتي للتوكيد بها وحدها فتقول جاء القوم أجمعون، ويمكن أيضاً أن تأتي بها بعد لفظ كل فتقول جاء القوم كلهم أجمعون، وانظروا إلى قول الله عزّ وجلّ ﴿ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴾[الحجر:30] فقد أكد بهذين اللفظين المتتاليين، أما توابع أجمع فهي يطلق عليها الحكم نفسه الذي ذكرناه مع أجمع، وهي أكتع وأبتع وأبصع وهل تأتي وحدها أو لابد أن تكون مع أجمع يجوز لك أن تأتي بها وحدها ولكن الأولى أن تكون مسبقة بكلمة أجمع والوجهان جائزان لكن هذا أفضل وأرجح .
ونقف عند هذا الحد وهو نهاية باب التوكيد لنستمع إلى أسئلتكم إذا أردتم، تفضل .
سأل أحد الطلبة:
جزاكم الله خير، لقد قسم بعضهم العطف إلى عطف بيان وعطف نسق فما تعريف كليهما مع التمثيل .
أجاب الشيخ:
أولاً بارك الله فيك هذا سؤال جيد، وهذا الحديث أو الكلام في هذا الموضع أهمله المصنف فلم يتحدث عن عطف البيان، وهو واحد من التوابع وإهماله هو محق فيه، لأن البدل هو عطف البيان، عطف البيان والبدل بينهما تشابه كبير ولكنهم اشترطوا في البدل أن يصح حلوله محل المتبوع، محل المبدل منه ولذلك يجعلون العطف عطف البيان هذا في المواضع التي يمتنع فيها البدل، ولكن المصنف أهمله وبعض النحويين أهمله والصواب أن كل ما يصلح أن يعرب بدلاً يصح إعرابه عطف بيان، عطف البيان لا يشترط فيه حرف العطف وهذا الفرق بينها وبين عطف النسق الذي تحدثنا عنه فإن عطف النسق لابد أن يتوسط بين التابع والمتبوع واحد من الحروف العشرة التي ذكرنها وهي : الواو أو الفاء أو ثم أو إلى آخر الحروف التي ذكرنها وهذا سؤال جيد وأحسنت بذكره، وقد أعطينا لمحة موجزة عن عطف البيان، فلا نحتاج إلى إعادته، نعم، تفضل .
سأل أحد الطلبة:
فضيلة الشيخ أثابكم الله، بعض النحاة يكتبون "أل" وبعضهم الألف واللام فما سبب الخلاف ؟
أجاب الشيخ:
هذا سهل في الحقيقة بعضهم يعتمد على لفظ الحرف نفسه، ولا يفصله تفصيلاً فيقول هذا باب "أل" التعريف وبعضهم يقول هذا باب الألف واللام المعرفة والمسألة في هذا سهلة ولا مشاحة في الاصطلاح، يعني هذا اصطلاح من بعض النحويين، بعضهم يكتفي بوجود كلمة "أل" وبعضهم يرى يقول الألف واللام، وهي واحدة ما في فرق بينهما .
سأل أحد الطلبة:
فضيلة الشيخ جزاكم الله خير قلت: إنه لابد أن يأتي بعد بل مفرد فإذا جاءت بعدها جملة فما يكون إعرابها ؟
أجاب الشيخ:
هذه تكون استئنافية ولا تكون عاطفة، نعم تكون استئنافية ولا تكون عاطفة وإنما يتبين العطف والإتباع في وجود المفرد بعدها .
نكتفي بهذا القدر اليوم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .

الموضوع التالي


البدل ، المنصوبات

الموضوع السابق


الحديث عن المذكر