البدل ، المنصوبات
 

الدرس السادس عشر من سلسلة شرح المقدمة الآجرومية للشيخ حسن الحفظي

حمداً لك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على من أرسله الله رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين .
أيها الأخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
نواصل الحديث بإذن الله تعالى في شرح ما يتيسر من الآجرومية، وقد وصلنا إلى باب البدل من أبواب التوابع، قال المصنف رحمه الله تعالى ( بَابُ اَلْبَدَلِ، إِذَا أُبْدِلَ اِسْمٌ مِنْ اِسْمٍ أَوْ فِعْلٌ مِنْ فِعْلٍ تَبِعَهُ فِي جَمِيعِ إِعْرَابِهِ ).
لم يعرّف البدل أيضاً، والبدل يعرّفه بعضهم في قوله : هو التابع المقصود بالحكم بلا واسطة، أما  قوله التابع فيدخل فيه جميع التوابع، وأما قوله المقصود بالحكم فيخرج جميع التوابع ما عدا العطف؛ لأن العطف التابع مقصود بالحكم تقول جاء محمد وعلى يعني أن علياً مقصود بالحكم وهو المجيء .
لكن كيف نخرج العطف؟ نخرجه بقولنا بلا واسطة، لأن العطف إنما يقصد المعطوف بواسطة حرف العطف، يعني قولنا في تعريف العطف هناك قلنا هو التابع الذي يتوسط بينه وبين متبوعه واحدٌ من حروف العطف هنا ما في توسط لا يوجد توسط، هذا تعريف البدل.
قال المصنف ( إِذَا أُبْدِلَ اِسْمٌ مِنْ اِسْمٍ أَوْ فِعْلٌ مِنْ فِعْلٍ تَبِعَهُ فِي جَمِيعِ إِعْرَابِهِ ) أما اسم من اسم فلا إشكال، أما قوله فعل من فعل فهذا فيه إشكال يسير ذلك أنه ليس كل الأفعال يصلح فيها هذا؛ لأن الأفعال قسمان قسم منها معرب وقسم منها مبني، فالذي يصلح معنا طبعاً هنا هو الفعل المضارع، أما فعل الأمر فهو مبني سيبقى على حاله، وأما الفعل الماضي فهو مبني اتفاقاً سيبقى على حاله.
قال المصنف ( وهو ) يعني البدل ( وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ  بَدَلُ اَلشَّيْءِ مِنْ اَلشَّيْءِ, وَبَدَلُ اَلْبَعْضِ مِنْ اَلْكُلِّ, وَبَدَلُ اَلِاشْتِمَالِ, وَبَدَلُ اَلْغَلَطِ, نَحْوَ قَوْلِكَ "قَامَ زَيْدٌ أَخُوكَ, وَأَكَلْتُ اَلرَّغِيفَ ثُلُثَهُ, وَنَفَعَنِي زَيْدٌ عِلْمُهُ, وَرَأَيْتُ زَيْدًا اَلْفَرَسَ", أَرَدْتَ أَنْ تَقُولَ رَأَيْتُ اَلْفَرَسَ فَغَلِطْتَ فَأَبْدَلْتَ زَيْدًا مِنْهٌ ) هذا كله كلام المصنف وقد قسم لنا في هذا الفصل البدل بأنواعه الأربعة .
أما النوع الأول: وهو قوله بدل الشيء من الشيء، فهذا أفضل من تعبير بعضهم بقوله بدل الكل من الكل، ذلك لأنهم يكرهون دخول "أل" على كلمة كل وعلى كلمة بعض، فقوله بدل الشي من الشيء طيب، ولكنه رحمه الله وقع في الأمرين في النوع الثاني فقال : بدل البعض من الكل، بعضهم يهرب من هذا فيقول بدل بعض من كل، هذا يمشى قليلاً ولكنه ليس بذاك أيضاً.
وعلى كل حال لماذا يمنعون دخول “أل” على كل بعض السبب في هذا يا أيها الأحباب أن هذين اللفظين من الألفاظ الملازمة للإضافة فإذا لم تكن مضافة فإنها تكون منونة فيمتنع دخول أو اجتماع “أل” والإضافة، اجتماع “أل” والإضافة، من أجل هذا منعوا دخول ما منعوها يعني استضعفوا دخول “أل” على كل وعلى بعض، أما النوع الثالث وهو بدل الاشتمال، وأما النوع الرابع فهو بدل الغلط.
نبدأ بها واحداً واحداً قال الله عزّ وجلّ ﴿ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴿1﴾ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾[إبراهيم:1-2] إلى صراط العزيز، العزيز مضاف إليه الحميد صفة، الله بدل، ليش ما جعلنا لفظ الجلالة صفة ثانية ؟ قال لأنه لفظ جامد ولا يصح إلا مع تأويله بمشتق فنحن نجعله بدلاً، فإذاً هذا بدل كلٍ من كل ﴿ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴿1﴾ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الْأَرْضِ ﴾ طبعاً في بدل كل من كل لا يلزم وجود ضمير يربط بين البدل والمبدل منه والمبدلِ منه قال الشاعر :
أقسم بالله أبو حفصٍ عمر          ........................
عمر بدل كل من كل من أبي حفص وهذا ليس فيه ضمير وليس فيه رابط لا يوجد بينه رابط وكذلك في الآية التي ذكرناها قبل قليل هذا هو النوع الأول وهو ما يسمى ببدل كلٍ من كل أو بدل الكل من الكل معاً أو كما ذكر المصنف هنا بدل الشيء من الشيء بدل الشيء عامة من الشئ عامة.
النوع الثاني من أنواع البدل: هو بدل بعض من كل، بدل البعض من الكل أو بدل بعض من كل لا يلزم فيه أن يكون البدل أقل من المبدل منه ولا مساوياً له ولا أكثر ما يلزم ما لك أن تقول مثلاً : أكلت الرغيف ثلثه، فيكون أقل أو أكلت الرغيف نصفه أو أكلت الرغيف ثلثيه لا مانع، هذا هو بدل بعض من كل .
يقولون منه قول الله عزّ وجلّ ﴿ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ﴾[المائدة: 71] على الكلام الذي قلناه على اعتبار أن الواو هي الفاعل وأن قوله سبحانه كثيرٌ هذا بدل منه .
اشترطنا أو نشترط في بدل البعض من الكل أو بدل بعض من كل وجود ضمير يربط بين البدل والمبدل منه لابد، قد يكون هذا الضمير ظاهراًَ كما في قول الله عزّ وجلّ الذي ذكرناه قبل قليل ﴿ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ﴾ وقد يكون مقدراً ومنه قول الله عزّ وجلّ ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾[آل عمران: 97] من بدل من الناس، ولا يوجد رابط هنا ولكنه يقدرونه بأن التقدير والله أعلم من استطاع إليه منهم سبيلا يعني من الناس .
النوع الثالث: هو بدل الاشتمال .
أولاً: ما الفرق بين بدل البعض وبدل الاشتمال، بدل البعض هو جزء واضح من المبدل منه أما بدل الاشتمال فليس واضحاً ولكنه مشتملاً عليه أو له علاقة به، يعني إما أن يكون كالبعض منه، وإما أن يكون مشتملاً عليه، تقول مثلاً أعجبني محمد علمه هذا العلم ليس جزءاً من محمد، ولكنك تقول قطعت محمداً يده اليد جزء منه هذا بدل بعض من كل، أعجبني محمد عمله هذا العلم ليس مشتملاً، أعجبني محمد ثوبه، هذا يقولون بدل اشتمال لأنه كالجزء منه ليس جزءاًَ منه أعجبني محمد سيارته، وما شاكل ذلك، إذا كان
كالبعض أو له علاقة به ولكنه ليس بعضاً حقيقياً منه فإن هذا هو المسمى ببدل الاشتمال، هذا هو النوع الثالث وهو ما يسمى ببدل الاشتمال .
أما النوع الرابع: فهو البدل أو ما يسميه بعضهم ببدل الغلط، وقد سماه ابن هشام رحمه الله بالبدل المباين، البدل المباين، وعلل لتسميته هذه بأنه قد يرد في يعني بأن الأصل أن الغلط هذا لا يمكن أن يكون في كلام الفصحاء، والكلام المعتد به؛ فلذلك سماه البدل المباين يعني المخالف لما قلبه، وقال : لا يخلو الكلام؛ لأنه وزعه أيضاً توزيعات أخرى قال : قد يسمى بدل النسيان، وقد يكون بدل الغلط أو نحو ذلك، وانظر إلى كلام ابن هشام رحمه الله قال : أقسمه ثلاثة أقسام لأنه لابد أن يكون مقصوداً بالحكم .
فالأول: إن لم يكن مقصوداً ألبتة ولكن سبق اللسان إليه فهو بدل الغلط، إذا قلت رأيت زيد الفرس، أنت ما تقصد أن تقول زيد ولكن سبق إليه لسانك ثم استدرجت مباشرة فقلت الفرس فهذا غلط أخطأت فذكرت كلمة زيد فاستثنيت مباشرة، النوع الثاني أن يكون الأول مقصوداً ولكن بعدما تكلمت بعدما قلت رأيت زيداً تبين لك أنه ليس مقصوداً فحولت إلى كلمة الفرس هذا يسمى ببدل النسيان، وإن كان كل واحد منهما مقصوداً أنت قصدت أن تقول زيد ثم أعرضت عن كلمة زيد فقلت فلان، مثلاً رأيت زيداً محمداً فأنت قصدت كلمة زيد لكنك أضربت عنها يعني أعرضت عن الكلام بها ولا تريد إثبات رؤيتك له ولا نفيها لكنك قصدت ذكرها فهذا يسمى ببدل الإضراب، والثلاثة كلها يشملها قول المصنف- أعني ابن هشام رحمه الله- بما سماه بالبدل المباين، البدل المباين وعلى كل هذه الثلاثة أمور يصلح التطبيق على المثال القائل رأيت زيداً الفرس، فإن كنت ما تقصد إلا أن تقول الفرس ولكن سبق لسانك إلى كلمة زيد فهذا بدل غلط وإن كنت يعني قلت رأيت وأنت تقصد زيد لكن بعدما ذكرتها تبين لك أنها ليس المقصود بها هذا الحكم وإنما أنت تقصد أنك رأيت الفرس ولم ترَ زيداً فهذا يسمى ببدل النسيان، أما إن كنت قصدت الاثنين معاً فهذا يسمى ببدل الإضراب إن كان قصدهما واضحاً أو متماثلاً.
بالمناسبة يا إخواني البدل والمبدل منه لا يلزم تطابقهما في التعريف ولا في التذكير ولا في التأنيث ولا في شيء إلا في الإعراب، يعني لا يلزم إذا كان الأول معرفة يكون الثاني معرفة أو إذا كان الأول نكرة يكون الثاني نكرة أو إذا كان الأول مذكر يكون الثاني مذكراً لا يلزم، لا يلزم وانظروا إلى قول عزّ وجلّ ﴿ وَإِنَّكَ
لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿52﴾ صِرَاطِ اللَّهِ ﴾[الشورى: 52-53] صراط هذه نكرة الأول والثاني صراط الله معرفة بالإضافة وانظر إلى العكس في قول الله عزّ وجلّ ﴿ كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ﴿15﴾ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴾[العلق:15-16] الناصية الأولى معرفة بـ "أل" والثانية نكرة ولا يلزم كما ذكرت لكم إذا كان الأول مذكراً أن يكون الثاني مذكراً، بل يمكن أن تبدل المؤنث بالمذكر والمذكر بالمؤنث إلى آخره، والمفرد من المثنى والمثنى من المفرد؛ لأن المقصود بالحكم هو البدل، فلا يهمك في المتقدم أياًَ كان نوعه، اللهم إلا أنك تراعي رحمك الله وبارك فيك تراعي حركة الإعراب، فالبدل لابد أن يأخذ حركة إعراب المبدل منه رفعاً ونصباً وجراً وجزماً أيضاً قال الشاعر :
فأصبحت أنى تأتها تستجر بها               تجد حطباً جزلاً وناراً تأججا
فأصبحت أنى تأتها تستجر بها، تستجر هذا بدل من تأتي وكل واحد منهما فعل مضارع مجزوم، كل واحد منهما فعل مضارع مجزوم، وهذا آخر ما نقوله في باب البدل .
ننتقل بعد هذا بعون الله عزّ وجلّ إلى حديث المصنف رحمنا الله وإياه عن المنصوبات، قال المصنف (اَلْمَنْصُوبَاتُ خَمْسَةَ عَشَرَ, وَهِيَ اَلْمَفْعُولُ بِهِ, وَالْمَصْدَرُ, وَظَرْفُ اَلزَّمَانِ وَظَرْفُ اَلْمَكَانِ, وَالْحَالُ, وَالتَّمْيِيزُ, وَالْمُسْتَثْنَى, وَاسْمُ لَا, وَالْمُنَادَى, وَالْمَفْعُولُ مِنْ أَجْلِهِ, وَالْمَفْعُولُ مَعَهُ, وَخَبَرُ كَانَ وَأَخَوَاتِهَا, وَاسْمُ إِنَّ وَأَخَوَاتِهَا، وَالتَّابِعُ لِلْمَنْصُوبِ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءٍ: النَّعْتُ وَالْعَطْفُ وَالتَّوْكِيدُ وَالْبَدَلُ ) .
وعند تعداد هذه الأمور سيظهر لكم خطأً في الإجمال، مجموع المنصوبات التي ذكرها إذا  عددنا التوابع واحداًَ واحداً سينقص العدد إذا عددناها كلها النعت والعطف والتوكيد والبدل جعلنها تابع واحد سينقص العدد سيصير أربعة عشر، مع أنه ذكر خمسة عشر في البداية قال المنصوبات خمسة عشر وإن عددنا كل واحد من التوابع مستقلاً فستزيد على خمسة عشر فما الحل وما المشكلة ؟
الحل والحمد لله موجود في بعض نسخ المقدمة الآجرومية، وأظن أحدكم سألني عن ذلك في إحدى الحلقات الماضية وهو أن في إحدى النسخ موجود وباب ظن وأخواتها، فيصير عد التوابع كلها واحداً هو باب ظن وأخواتها، هو الأخير، لكن النسخة الموجودة بين أيدينا لم يذكر فيها ذلك .
ننتقل إلى حديث المصنف عن المفعول به وهو الباب الأول من الأبواب المنصوبة أو من أبواب المنصوبات .
قال المصنف (  بَابُ اَلْمَفْعُولِ بِهِ وَهُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ, اَلَّذِي يَقَعُ بِهِ اَلْفِعْلُ, نَحْوَ ضَرَبْتُ زَيْدًا, وَرَكِبْتُ اَلْفَرَسَ ) الاسم يخرج الفعل ويخرج الحرف فلا يقع واحداً منهما مفعولاً به، ولا تقول للفعل إنه مفعول به لا فعل ماضي ولا فعل مضارع ولا فعل أمر، ويخرج الحرف أيضاً فلا يقال عن الحرف إنه مفعول به، كنا قد شرعنا في الحديث في باب المفعول به، وقلنا إن قول المصنف الاسم يخرج الفعل ويخرج الحرف فلا يوصف واحداً منهما بأنه مفعول به لكن الاسم هذا أحياناً يكون اسماً صريحاً كقولك أكرمت محمدا،ً وأحيانا يكون اسماً مؤولا، من المؤول نحو قول الله عزّ وجلّ ﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا
تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً ﴾[الأنعام:81] فأنى وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول به لقوله تخافون فلا يضير أن يكون الاسم صريحاً أو أن يكون مؤولاً.
قال المصنف (وهو) يعني المفعول به ( قسمان ظاهر ومضمر فالظاهر ما تقدم ذكره ) يعني في قوله ضربت زيداً وركبت الفرس زيداً مفعولاًَ به والفرس مفعول به، (والمضمر قسمان، متصل ومنفصل) يعني أن الضمائر التي تقع مفعولاً به أو تعرب مفعولاً به نوعان، نوع منها ضمائر متصلة، ونوع منها ضمائر منفصلة، ثم بدأ في ذكر المتصل، فقال ( فَالْمُتَّصِلُ اِثْنَا عَشَرَ, وَهِيَ ضَرَبَنِي ) يعني ياء المتكلم ( وَضَرَبَنَ) يعني نا الدالة على المتكلمين يعني على ما عدا الواحد من المتكلمين ( وَضَرَبَكَ ) وهذه الكاف للمخاطب الواحد ( وَضَرَبَكِ ) وهذه للمخاطبة ( وَضَرَبَكُمَا ) هذه للمثنى بنوعيه(وَضَرَبَكُمْ) وهذه لجماعة الذكور ( وَضَرَبَكُنَّ ) وهذه لجماعة الإناث المخاطب طبعاً في الضمائر الخمسة هذه وَضَرَبَكَ ، وَضَرَبَكِ، وَضَرَبَكُمَا، وَضَرَبَكُمْ، وَضَرَبَكُنَّ كلها للمخاطب.
ثم ينتقل إلى الغائب فيقول (  وَضَرَبَهُ ) وهذا للمفرد الغائب ( وَضَرَبَهَا ) وهذه للغائبة (وَضَرَبَهُمَ) وهذا للغائبين والغائبتين (وَضَرَبَهُمْ) وهذه للغائبين (وَضَرَبَهُنَّ) وهذه للغائبات.
قال الله عزّ وجلّ ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾[إبراهيم:40] فالياء في اجعلني مفعول به وهي للمتكلم وقال الله عزّ وجلّ ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾[البقرة:201] آتنا "نا" مفعول به لأتِ.
وقال الله عزّ وجلّ ﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ﴾[طـه:72] الكاف مفعول به ضمير متصل وقال سبحانه وتعالى ﴿ قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ
أَنْ يَأْتِيَكُمَا ﴾[يوسف:37] في المواضع الثلاثة كما مفعول به وهل هي كلها أو الكاف الصحيح أن الكاف هي المفعول به وأما ما فهي دلالة على أن المقصود المثنى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ) ينهاكم، الكاف هذه دلالة على جماعة المخاطبين، وهي مفعول به الكاف مع الميم طبعاً، وقال سبحانه وتعالى ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيل﴾[الأحزاب:28] كن، وكن في هذين الموضوعين مفعول به للفعل أمتع
وأسرح.
وقال الله سبحانه وتعالى ﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ﴾[الكهف:37] الهاء مفعول به وقال صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله رضي الله عنه حين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه تزوج ثيباً فقال له ( فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك ) تلاعبها هاء مفعول به لتلاعب وتضاحكها هاء مفعول به له أيضاً قال الله عزّ وجلّ ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ
أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ﴾[فصلت:29] نجعلهما هما هذه مفعول به لنجعل، وقال الله سبحانه وتعالى ﴿ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً ﴾[مريم:94]هم في الموضعين مفعول به، هذه الضمائر المتصلة كما ذكرها المصنف وقد استشهدنا لها جميعه
ننتقل الآن إلى الضمائر المنفصلة التي ذكرها المصنف وقال:( إنها تقع في محل نصب
مفعول به) وعلى كل حال أنبه إلى أن الضمائر كلها مبنية وإنما هي في محل نصب، كل الضمائر كما أخبرتكم أكثر من مرة هذه صحيح أنها تكون مفعولاً أو تكون مجرورة أو تكون مرفوعة يعني في محل رفع، لكنها كلها مبنية وإنما يقال إنها في محل كذا محل رفع محل نصب إلى آخره .
قال المصنف ( وَالْمُنْفَصِلُ اِثْنَا عَشَرَ) يعني الضمير المنفصل الذي يقع في محل نصب على أنه مفعول به اثنا عشر لفظا وهو الكلام الذي سبق أن ذكرناه في باب الضمير في كلمة إيا، هل هي إياك مثلا كلها الضمير أو الأول عماد والثاني هو الضمير أو بالعكس الأول هو الضمير والثاني حرف يدل أو واحد منهما مضاف إلى الآخر كلام طويل لا نعيده.
لكن أذكر ما قال المصنف يقول ( وَالْمُنْفَصِلُ اِثْنَا عَشَرَ وَهِيَ إِيَّايَ ) هذه للمتكلم الواحد ( وَإِيَّانَا ) لما عداه من المتكلمِين أو المتكلمَين ( وَإِيَّاكَ ) للمخاطب الواحد ( وَإِيَّاكِ ) للمخاطبة ( وَإِيَّاكُمَ) للمخاطَبين والمخاطبتين ( وَإِيَّاكُمْ ) للمخاطبين ( وَإِيَّاكُنَّ ) للمخاطبات ( وَإِيَّاهُ ) للغائب الواحد (وَإِيَّاهَا ) للغائبة ( وَإِيَّاهُمَا ) للغائبين والغائبتين ( وَإِيَّاهُمْ ) للغائبين ( وَإِيَّاهُنَّ ) للغائبات .
من الشواهد قال الله عزّ وجلّ ﴿ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾[البقرة:40] إياي مفعول به مقدم لقوله ارهبون ، وقال سبحانه وتعالى ﴿
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا
كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ﴾[يونس:28] إيانا تعبدون أصله تعبدوننا لكن لما تقدم الضمير فصله والمقصود به هنا أنه صار مفعولاً به وهو من الضمائر المنفصلة.
وقال سبحانه وتعالى ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾[الفاتحة:5] فوقع الضمير للمفرد المخاطب مفعولاً به وقال سبحانه وتعالى ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾[سـبأ:40].ولم أجد في القرآن الكريم إياكما للمخاطبَين ولا للمخاطبتين على أنها مفعول به، لم أجدها في القرآن الكريم ، الشاهد في قول الله عزّ وجلّ ﴿ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ ﴾ فإياكم هنا مفعول به وهي لجماعة المخاطَبين.
أما قوله سبحانه وتعالى ﴿وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾[البقرة: 172] فهذا الضمير فيه ضمير منفصل للغائب الواحد أما قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾[الأنعام: 151] فهو لجماعة الغائبين، وإياهم نحن نرزقكم وإياهم.
ويمكن أن يمثل لضمير المخاطبة بقولك يا هند إياك أكرمت ويمثل للمخاطبين بقولك أيها الرجلان إياكما أجبت وللمخاطبتين بقولك أيتها الطالبتان إياكما كرمت وأما ضمير المخاطبات فيمكن أن يمثل له بقولك أيتها المعلمات إياكن كرمت ، هذه أمثلة ضمائر النصب المنفصلة إذا وقعت مفعولاً به وقد انتهينا من الحديث في باب المفعول به .
فننتقل بعون الله تعالى إلى باب المصدر، والمقصود به هنا في هذا الباب باب المفعول المطلق كما سيتبين من حديث المصنف رحمنا الله وإياه، قال المصنف (  بَابُ اَلْمَصْدَرِ اَلْمَصْدَرُ هُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ, اَلَّذِي يَجِيءُ ثَالِثًا فِي تَصْرِيفِ اَلْفِعْلِ, ، نحو ضَرَبَ يَضْرِبُ ضَرْبًا ) هذا الكلام فيه نظر نوعاً ما، لأن قوله الذي يجيء تصريفه ثالثاً حينما تصرف الفعل ليس كل المصرفين يقولون ضرب يضرب ضرباً، بل بعضهم يقول ضرب، يضرب، اضرب، فمعني هذا أن اضرب على هذا التعريف ستكون مفعولاً مطلقاً، لكن يشفع له رحمه الله أن أكثر المصرفين يفعلون ذلك، أكثر الذين يصرفون الفعل يجعلون المصدر ثالثاً .
قال المصنف ( وَهُوَ) يعني المفعول المطلق ( وَهُوَ قِسْمَانِ لَفْظِيٌّ وَمَعْنَوِيٌّ, فَإِنْ وَافَقَ لَفْظُهُ لَفْظَ فِعْلِهِ فَهُوَ لَفْظِيٌّ, نَحْوَ قَتَلْتُهُ قَتْلًا ) كما ترون يا أيها الأحباب في التمثيل هنا بقوله قتلته قتلاً فإن المصنف يقصد به باب المفعول المطلق، المفعول المطلق لابد له من عامل العامل هذا قد يكون فعلاً، وقد يكون اسم فاعل، وقد يكون مصدراً مثل، قد يكون فعلاً، وقد يكون اسم فاعل، وقد يكون مصدراً، أما الفعل فنحو قول الله عزّ وجلّ ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً ﴾[النساء:164] تكليماً هذا مفعول مطلق، وأما المصدر فنحو قول الله عزّ وجلّ ﴿ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُوراً ﴾[الإسراء:63] جزاءً هذا مفعول مطلق وجزاء الأولى هي العامل فيها، وأما اسم الفاعل فنحو قول الله عزّ وجلّ ﴿ وَالصَّافَّاتِ صَفّاً ﴾[الصافات:1] صفاً مفعول مطلق والعامل فيه هو الصافات، .
وهذه في المواضع الثلاثة التي ذكرت لكم على تعريف المصنف هنا المصدر فيها لفظي؛ لأن المصدر موافق للفظ العامل، كلم تكليما، جزاؤكم جزاء، والصافات صفا، يعني متفقان وهذا الذي يسمى أو الذي سماه المصنف بأنه لفظي يعني أنه من لفظه.
أما قول المصنف بعد هذا ( وَإِنْ وَافَقَ مَعْنَى فِعْلِهِ دُونَ لَفْظِهِ فَهُوَ مَعْنَوِيٌّ ) أحياناً يكون المفعول المطلق يكون من غير لفظ العامل، وأحياناً يكون بألفاظ أخرى ليست مصدراً أصلاً لكن المصنف هنا مثّل بمثالين مصادر فقال (  نحو جَلَسْتُ قُعُودًا ) وهذا ما يسمى بالمرادف القعود والجلوس (وقمت وُقُوفًا, وما أَشْبَهَ ذَلِكَ ) يعني لك أن تقيس على هذا كل ما أشبه مما جاء مصدراً مخالفاً للعامل، لكن لابد أن يكون بينهما علاقة وإلا فلا يصلح، لابد أن يكون بين العامل والمفعول المطلق علاقة .
طبعاً هو ذكر لنا نوعاً واحداً وهو المرادف فقال قعدت جلوساً، وقمت وقوفاً لكن يذكر النحويون أمثلة أخرى، فيقولون إن منها صفته وإن منها ضميره وإن منها مشاركه في مادته وإن منها مشاركه في عدده .
ومن الأشياء التي تنوب عن المصدر، ضميره، ويستشهدون له بنحو قول الله عزّ وجلّ ﴿قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ﴾[المائدة:115] لا أعذبه الهاء هذه تعود على قوله عذاباً السابق وهو هنا يعرب مفعولاً مطلقاً نائباً عن المصدر المذكور سابقاً، مفعولا مطلق ليس من لفظ الفعل وإنما هو ضميره.
مما ينوب عنه الإشارة إلى المفعول المطلق كقولك مثلاً ضربت ذلك الضرب، فذا اسم إشارة ليست في الأصل مفعولاً مطلقاً ولكنها هنا نابت عن المفعول المطلق.
ومن ذلك أيضاً أن ينوب عنه اسم المصدر يعني لا تذكر المصدر وإنما تذكر اسم المصدر، ففي نحو قول الله عزّ وجلّ ﴿ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً ﴾[نوح:17] الأصل في مصدر أنبت أنه إنباتا لكن هنا وضع اسم المصدر مكان المصدر .
نذكر لكم بقية الأمور الأخرى إن شاء الله تعالى، في حلقة قادمة، لكن نتوجه الآن إليكم إذا كنتم تريدون توجيه بعض الأسئلة المتعلقة بما ذكرناه، تفضل .
سأل أحد الطلبة:
جزاكم الله خيراً فضيلة الشيخ، لو قلنا فهمت غاية الفهم، غاية هاهنا إعرابها نائب مفعول مطلق ؟
أجاب الشيخ :
هذه نائبة عن المصدر فالانتصاب على أنها مفعول به،  نائبة عن المصدر لأنها نابت عن المصدر ولم تنب عن مفعول مطلق؛ لأنها هي مفعول مطلق، فهمت غاية الفهم، غاية الفهم وهذا يقولون مثل كل وبعض التي سنذكرها إن شاء الله في لقاء آخر، لكن لابد أن تكون مضافة أيضاً إلى المصدر وسنذكر بعض الأمثلة المتعلقة بهذا إن شاء الله .
سأل أحد الطلبة:
فضيلة الشيخ جزاكم الله خير، قلت أنه في بعض النسخ ذكر باب ظن وأخواتها، فلماذا ذكرها في المرفوعات وحقها أن تذكر في المنصوبات لأنها تنصب مفعولين؟
أجاب الشيخ :
هو الحق أنه قد يكون له بعض العذر وذلك أنه لما بدأ في النواسخ التي تنسخ حكم المبتدأ والخبر لم يحب أن يعزل ظن وأخواتها فيجعلها مع المنصوبات لأنها نواسخ للمبتدأ والخبر، ذكر كان وأخواتها ثم ذكر إن وأخواتها ثم ذكر ظن وأخواتها؛ لأنها كلها تنسخ حكم المبتدأ والخبر فقد يكون هذا يعني الذي يشفع له في ذكره لها هنا ولم يذكرها في باب المنصوبات وحقها فعلاً أن تكون في باب المنصوبات لأن كل المعمولين منصوبات.
قال الشيخ:
أنا أيضاً أسألكم بعض الأسئلة، من المنصوبات المفعول به، المفعول به قد يكون ظاهراً وقد يكون ضميراً، والضمير قد يكون منفصلاً وقد يكون متصلاً الضمير المنفصل له لفظ واحد يتكرر معه ما يحدد نوعه، فما هذا الضمير الذي يتكرر دائماً في أنواع في اثني عشر موضع ؟ نعم .
أجاب أحد الطلبة :
الضمير هو إيا .
أكمل الشيخ: إياى، ويلحق به ما يدل على أن المقصود المتكلم أو المقصود المخاطب أو المقصود الغائب، بارك الله فيك، صحيح ويلحق به أيضاً أحيانا ما يدل على أن المقصود مفرد أو مثنى أو مجموع مذكر أو مؤنث من أجل هذا يعني أن أيا تتكرر في كل المواضع .
تذكرون لنا شيئاً من الضمائر التي تقع ضمائر متصلة تقع مفعولاً به أو تعرب مفعولاً به، من يذكر لنا شيئاً منه ؟ نحن ذكرنا لكم لما تحدثنا عن الضمير بعض هذه الضمائر لكن ندع هذا حتى أيضاًَ نعفيكم، ونستمع إن تمكنا سألنا عنه في الحلقة القادمة إن شاء الله لانتهاء وقت الحلقة .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد .

الموضوع التالي


اسم المصدر

الموضوع السابق


التوابع : باب النعت