الحال - التمييز
 

الدرس الثامن عشر من سلسلة شرح المقدمة الآجرومية للشيخ حسن الحفظي

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين .
أيها الأخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
نواصل الحديث في باب الحال ونحن قد وصلنا إلى خواتيمه لأننا كنا قد بدأنا في الحلقة الماضية في الحديث عن بعض أوصاف الحال وذكرنا أن من أوصافها الغالبة أنها منتقلة يعني ليست لازمة، ولا ثابتة وأنها قد ترد لازمة لكنهم قليل، وذكرنا أيضاً أن من أوصافها أنها مشتقة، ولا تكون جامدة إلا في مواضع قليلة جداً وهذا هو الأصل .
وذكرنا أيضاً أن من أوصافها أنها نكرة ولا تقع معرفة إلا قليلاً وذكرنا أن من أوصافها أن صاحبها لابد أن يكون معرفة ويقع نكرة بمسوغ ولم نذكر أنه ربما وقع نكرة بدون مسوغ ولكن هذا قليل ونادر جداً ولذلك يقولون من أمثالهم أو من كلامهم من كلام العرب المعتد به عليه مائةٌ بيضاً مائة هذه نكرة، وبيضاًَ هذه حال، وصاحب الحال هنا لم يأتي له مسوغ ولكن هذا نادر وقليل إذاً لابد من مسوغ من المسوغات، التي سبق أن ذكرناها بقي أن من أوصاف الحال أن الغالب فيها أن تكون اسماً مفرداً ، مما ورد فيه اسم مفرداً قول الله عزّ وجلّ ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾[القصص:21] فقوله عزّ وجلّ خائفاً هذه حال، وهي اسم مفرد وتصلح هذه الآية شاهداً لشيء مما هو خلاف الأصل في الحال وهو وقع يترقب هنا وهي جملة وقعت حالاً فعندنا هنا حالان وصحاب الحال هو الفاعل وهو موسى عليه السلام ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِف﴾ خائفاً هذه هي الحال الأولى والحال الثانية جملة يترقب، ولكن الأصل كما ذكرنا في الحال أن تكون مفرداً أما وقوعها جملة فقد ورد، وتقع أيضاً شبه جملة، يعني تقع ظرفاً، وتقع جاراً ومجروراً، ولكن بالنسبة لوقوعها كجملة اشترطوا لها بعض الشروط:-
الشرط الأول: قالوا لابد أن تكون خبرية وليست إنشائية .
والثاني: قالوا ألا تكون يعني الجملة التي وقعت حالاً مصدرة بما يدل على الاستقبال كالسين، أو سوف أو ما شاكل ذلك لابد أن تكون خالية من أي دلالة على الاستقبال لأنها كما تعرفون حال والحال خلاف المستقبل، فإذا تصدرت بما يدل على المستقبل فمعنى هذا أنها ليست حالاً، فاشترطوا هذا الشرط وهذا أيضاً لا يجوز أيضاً أن تكون مصدرة بكلمة لن لابد أن تكون الجملة حالية خالية من كل حالة .
الثالث مما اشترطوه: أن تكون مرتبطة يعني الجملة الواقعة حالاً أن تكون مرتبطة بصاحب الحال برابط، والرابط هذا نوعان :
الواو أو الضمير وقد يكون يجمع بينهما قال الله عزّ وجلّ ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ ﴾[البقرة:243] فقوله سبحانه وتعالى ﴿ وَهُمْ أُلُوفٌ ﴾ هذه الجملة حالية وقد ارتبطت بالجملة السابقة أولاً هذه جملة حالية وخبرية ليست بإنشائية ليست لا أمر ولا نهي ولا دعاء ولا غير ذلك.
الثاني أنها لم تتصدر بما يدل على الاستقبال فليست مسبوقة لا بالسين ولا بسوف ولا نحو ذلك ولا لن أيضاًَ، لأن لن تخلص الفعل بعد هذا الاستقبال، وأيضاً ارتبطت بصحاب الحال، برابطين الرابط الأول هو الواو، هذه الواو عند إعراب الجملة تقول حالية، أو دليل على أن الجملة التي تأتي بعدها هي حال أما الرابط الثاني فهو الضمير في قوله ﴿هُمْ﴾ ﴿ وَهُمْ أُلُوفٌ ﴾ فقد ارتبطت بهذين الرابطين، وبهذا تعد هذه الجملة مستوفية الشروط مستوفية لشروط وقوع الحال جملة .
بقي الإشارة إلى أن الحال قد يكون ظرفاً وقد يكون جاراً ومجروراً، أما وقوع الحال ظرفاً فلم أجده في القرآن الكريم، ولكني وجدت وقوع الحال جاراً ومجروراً في قول الله عزّ وجلّ ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾[القصص:79] ففي زينته جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من فاعل في خرج، أما وقوعها ظرفاً فيمكن التمثيل له بقولك رأيت الهلال بين السحاب، على أن رأى بصرية، لأنه كما تعلمون أن رأى إذا كانت بصرية فإنه تنصب مفعولاً به واحداً ويكون قوله بين السحاب هذا متعلق محذوف حال من الهلال هذا حال من الهلال .
أما تقديم الحال على صاحبها وعلى عاملها فالأصل أن تكون الحال متأخرة، ولذلك قال المصنف هنا ولا تجيء إلا بعد تمام الكلام يعني الحال، لا تجيء إلا بعد تمام الكلام هو يقصد بعد أن تستوفي الجملة مستلزماتها لكن قد تتقدم على الحال، قد تتقدم على العامل أعني الحال، وقد تتأخر وجوباً، وقد تتأخر جوازاً، أما تأخرها جوازاً فقولك مثلاً رأيت محمداً راكباً راكباً هذا جاء في موضعه، ولا إشكال فيه ويجوز تقديم راكباً هذه فتقول راكباً رأيت محمداً، لا إشكال لكن في بعض الأحيان يجب تأخير الحال، يجب أن تبقى في الأخير وذلك إذا كانت محصورة، يقولون ومنه قول الله عزّ وجلّ وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمبشرين هنا حال وقد جاءت في الأخير ولا يصح تقديمها لكونها محصورة هذا هو ما نقوله عن الحال.
العامل في الحال الغالب فيها أن يكون فعلاً متصرف، ولكن لا يمنع أيضاً أن يكون فعلاً جامداً كما وقع فعل التعجب عاملاً في الحال في نحو قولهم : ما أحسن محمداً خطيباً، فخطيباً هنا حال والعامل فيه قوله ما أحسن وهي هنا فعل للتعجب وهو فعل جامد لأنه لا يجيء منه أي تصرف آخر وهذا آخر ما نقوله في باب الحال، وننتقل إلى باب شبيه بالحال، وهو باب التمييز .
قال المصنف (  اَلتَّمْيِيزُ هُوَ اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلْمُفَسِّرُ لِمَا اِنْبَهَمَ مِنْ اَلذَّوَاتِ، نَحْوَ قَوْلِكَ "تَصَبَّبَ زَيْدٌ عَرَقًا"، وَ"تَفَقَّأَ بَكْرٌ شَحْمًا" وَ"طَابَ مُحَمَّدٌ نَفْسًا" وَ"اِشْتَرَيْتُ عِشْرِينَ غُلَامًا" وَ"مَلَكْتُ تِسْعِينَ نَعْجَةً" وَ"زَيْدٌ أَكْرَمُ مِنْكَ أَبًا" وَ"أَجْمَلُ مِنْكَ وَجْهًا" )
أول ما نقول في هذا الباب النظر إلى تعريفه فقد قال : تعريفه هو ( اَلِاسْمُ اَلْمَنْصُوبُ، اَلْمُفَسِّرُ لِمَا اِنْبَهَمَ مِنْ اَلذَّوَاتِ ) لولا أن هذه الكلمة كلمة المنصوب موجودة في التعريف لما أخذنا عليه شيئاً ولكننا نأخذ عليه كلمة المنصوب كما أخذناها في باب الحال، لأن النصب حكم، والمفروض أن يتأخر الحكم حتى يتبين المحكوم عليه، لأنهم كما يقولون كما ذكرت سابقاً، الحكم على الشيء فرع عن تصوره، أما قوله الاسم فهذا لا يقع التمييز إلا اسماً، وهذا من فوارق بينه وبين الحال، الحال تقع جملة وتقع شبه جملة، التمييز لا يقع إلا اسماً ما يقع غير هذا.
الفارق الثاني بين الحال والتمييز أن الأصل في الحال أنها مشتقة والأصل في التمييز أنه جامد، الأصل في الحال أنها مشتقة والأصل في التمييز أنه مشتق .
الفارق الثالث في التعريف موجود، أن الحال لبيان الهيئة وأن التمييز لبيان الذات، الغموض في الذات وليس الغموض في الشكل، هذا في باب التمييز أما هناك فإن الغموض في الهيئة فهو يبين الهيئة في الحال، أما هنا فهو يبين الذات لأنها هي التي غامضة، قال الله عزّ وجلّ ﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً ﴾[يوسف:4] التمييز هنا هو كلمة كوكب، والتمييز هنا جامد، ليس مشتقاً ليس أي نوع من أنواع المشتقات الغامض هنا ليس هيئة الأحد عشر وإنما هو ذات الأحد عشر لأننا ما ندري ما الذي رأى يوسف عليه السلام فلما قال كوكباً، تبين هذا الغموض الموجود في العدد، فالعدد هذا، هو الغامض ذاته وليست هيئة العدد هي الغامضة .
التمييز نوعان:
نوع منه يسمى بالتمييز عن مفرد وليس المقصود بالمفرد هنا خلاف المثنى والمجموع لا بل هو خلاف الجملة، والنوع الثاني من التمييز هو التمييز عن نسبة وبعضهم يقول هو التمييز عن جملة يعني أن التمييز عن المفرد يكون الغموض في هذا المفرد الذي توضحه أما التمييز عن جملة فتكون أركان الجملة لا غموض فيها ما فيها غموض لكن في إسناد بعضها إلى بعض يأتي الغموض، فيجيء التمييز ليفسر هذا الغموض.
من الفوارق بين التمييز والحال أن التمييز لا يتعدد بالعطف، التمييز ما يعتبر يعطف عليه، في حين أن الحال يمكن قال الله عزّ وجلّ ﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ ﴾[القصص:21] ولو قلت غير القرآن الكريم ويترقب ما في مانع، يعني وتقول أيضاً لقيت فلاناً كذا وكذا، تذكر له وصفين أو ثلاثة أوصاف، وكلها تعطفها بالواو ما في مانع هذا في الحال أما هنا فإنه لا يتعدد التمييز بواسطة العطف.
مما يذكر أيضاً من الفوارق بين التمييز والحال أن الحال يجوز تقديمها على صاحبها وعلى عاملها أما التمييز فإنه لا يجوز تقديمه على صاحبه ولا على عامله، إلا إذا كان العامل متصرفاً، إذا كان العامل فعلاً متصرفاً جاز تقديم التمييز عليه وهذا قليل، أيضاً لأن الأصل أيضاً أن يكون متأخراً ومما تقدم فيه التمييز على عامله قول الشاعر:
أنفساً تطيب بليل المنى              وداعي المنون ينادي جهار
فقوله نفساً هذا تمييز، وقد تقدم على عامله وهو قوله تطيب، أنفساً تطيب، قلنا في بداية الأمر إنهم قسموا التمييز قسمين القسم الأول تمييز عن مفرد والقسم الثاني تمييز عن نسبة ومن أمثلة التمييز عن المفرد ما يجيء مع العدد إذا كان الغموض في العدد هذا تمييز عن مفرد كقول الله عزّ وجلّ كما ذكرنا قبل قليل ﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً ﴾ هذه يسمونها تمييز عن مفرد صحيح أن أحد عشر ليست مفردة لكنهم ما يقصدون المفرد لخلاف المثنى والمجموع وإنما يقصدون المفرد الذي هو خلاف الجملة، أما التمييز عن النسبة، فإن أجزاء الجملة، لا غموض فيها، لكن الغموض في إسناد بعضها إلى بعض وانظر إلى قول الله عزّ وجلّ ﴿ وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً ﴾[مريم:4] الاشتعال معروف، والرأس معروف ولا إشكال فيها ليست غامضة لكن في إسناد الاشتعال إلى الرأس جاء الغموض ، اشتعل ماذا ؟ اشتعل نارا؟ اشتعل ماذا ؟ فجاءت كلمة شيباً، لتميز، وتوضح وهذا معنى التمييز أصلاً التمييز هو التفسير أو التوضيح أو التبيين هذا معناه اللغوي، وانظر أيضاً إلى قول الله عزّ وجلّ ﴿ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً ﴾[القمر:12] فجرنا واضحة والأرض واضحة ما فيها غموض، لكن في إسناد التفجير إلى الأرض جاء الغموض فوضِحت بقول الله سبحانه وتعالى ﴿ عُيُوناً ﴾ ويجعلون منه قوله زيد أكرم من عمر أباً زيد أكرم من عمر أباً قد يكون أكرم منه من ناحية الأخلاق، قد يكون أكرم منه في أي شيء آخر لكن لما قال أكرم من زيد أباًُ تبين أن المقصود يعني الغموض في النسبة هنا لكن ليست في زيد ولا في عمر ولا في أكثر وإنما هي في نسبة بعضها إلى بعض فجاء التمييز ليوضح الغرض .
من الأمثلة التي ذكرها المؤلف ( "تَفَقَّأَ زَيْدٌ شَحْمًا" ) وهو مثل قوله أيضاً ( "تَصَبَّبَ زَيْدٌ عَرَقًا") وهذه كلها من التمييز عن الجملة، أو كما ذكرت لكم قبل قليل التمييز عن النسبة يعني نسبة بعض الكلام لبعض أما في التصبب لا خلاف فيه لا غموض، وفي زيد لا غموض لكن في إسناد التصبب إلى زيد جاء الغموض أما يعني التمييز عن مفرد فمن أمثلته قول المصنف ( اِشْتَرَيْتُ عِشْرِينَ غُلَامًا ) العشرون هذه هي التي فيها الغموض وهذا يسمونه تمييز عن مفرد، وغلاماً ليوضح هذا الغموض الموجود في العشرين لأنه يمكن أنه اشترى عشرين سيارة اشترى عشرين كذا اشترى عشرين ... حتى قال غلاماً فتبين نوع المشترى، يحسن التنبيه أيضاً إلى أن النحويين يجعلون تمييز الاسم المفرد أربعة أنواع، تمييز الاسم المفرد أربعة أنواع :
النوع الأول: العدد، يعني إذا كان الغموض في العدد فهذا يعدونه من تمييز المفرد، ومنه قول الله عزّ وجلّ ﴿ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً ﴾[الأعراف:155] سبعين هذا هو الغامض فجاءت كلمة رجلاً لتوضحه، أيضاً مما يعدونه من تمييز المفرد، إذا كان الاسم المبهم يدل على المقدار، والمقدار إما مساحة وإما كيل وإما وزن، فالمساحة كقولك مثلاً اشتريت ذراعين قماشاً، وأما الكيل فنحو قولك بعت صاعاً براً، وأما الوزن فنحو قولك اشتريت رطلين عسلاً هذا كله من التمييز ويسمونه تمييز عن مفرد .
أيضاً النوع الثالث منه: ما يشبه المقدار، ويجعلون منه نحو قول الله عزّ وجلّ ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ﴾[الزلزلة:7] خيراً هنا تمييز ومثقال ذرة لا هو ميزان ولا هو مكيل ولكنه يشبه المقدار، يشبه المقدار.
أما النوع الرابع فهو يقولون ما كان فرعاً عن التمييز يقولون منه قولهم اشتريت خاتماً فضة، فالخاتم هنا فرع من الفضة، فرع منها فيقولون هذا نوع من التمييز مما ذكره المصنف قوله وهو يمثل للتمييز زيد أكرم منك أباً وأجمل منك وجهاً، وهذا ليس من تمييز المفرد، قد انتهينا من التمثيل للتمييز المفرد، هذا من النوع الثاني وهو التمييز عن النسبة، لأن الغموض كما ذكرت لكم ليس هو في زيد ولا في أكرم ولكنه في إسناد قوله أكرم إلى كلمة زيد وفى إسناد قوله أجمل إلى كلمة زيد، فهذا يسمونه تمييزاً عن النسبة، وقوله أباً هو التمييز، وقوله وجهاً هو التمييز، ثم قال المصنف رحمنا الله وإياه، ولا يكون إلا نكرة، وهذا حق ولكنه الغالب، الغالب في التمييز ألا يكون إلا نكرة، ولكن هناك بعض الأمثلة يحتمل إعرابها تمييزاً وليست نكرة، يستشهدون لمثل ذلك بنحو الله عزّ وجلّ ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾[البقرة:130] يقولون نفسه هنا يمكن أن تعرب تمييزاً وهي كما ترون نفس مضافة إلى الضمير والضمير معرفة، معناها أنها اكتسبت التعريف، ويقولون أيضاً
رأيتك لما أن عرفت وجوهنا         صددت وطبت النفس يا قيس عن عمر
قالوا تقديره طبت نفساً، والنفس هنا دخلت عليها الـ فأما في الشعر في إشكال لأنه يمكن أن إنه للضرورة، ويمكن أن نقول إن الـ فيه زائدة، لأن التعريف هنا جاء بكلمة الـ أما في قول الله عزّ وجلّ ﴿ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾ فيمكن أن يجاب عنه بأن يقال الغالب أن يأتي التمييز نكرة وهذا قليل وقد جاء هذا من القليل، ولا يمتنع أن يرد الاستعمال القليل في القرآن الكريم لكنه ليس ممنوعاً بل هو صحيح فصيح، ويمكن كما ذكر بعض المفسرين والمعربين للقرآن الكريم أن تضمن معنى سفه معنى فعل آخر متعدد حتى تكون كلمة نفسه منصوبة بها وبعضهم يقول إن سفه بمعنى سفهه فتكون أيضاً نفسه هذه تكون مفعولاً لهذا الفعل الذي تضمناه معنى سفه والله أعلم بالصواب .
قال المصنف ( وَلَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ اَلْكَلَامِ ) هذه الجملة يا أيها الأحباب وردت في باب الحال ووردت هنا مرة ثانية، وأما التمييز فالغالب فيه أن يكون متأخراً عن المميز، ومتأخراً عن العامل هذا هو الأصل فيه، وتأخره هنا أكثر بكثير من باب الحال ولا نحفظ له شواهد، تقدم فيها إلا شواهد نادرة وقليلة، وذلك يشترطون فيه أن يكون العامل فعلاً متصرفاًَ ويستشهدون له بنحو قول الشاعر :
أنفساً تطيب بنيل المنى              وداعي المنون ينادي جهار
فنفساً هنا هي التمييز وقد تقدمت على العامل وهو قوله تطيب، لكن العامل هنا فعل ومتصرف، فلا إشكال فيه، ويستشهدون له أيضاً بقول الشاعر :
أتهجر ليلى بالفراق حبيبها           وما كان نفساً بالفراق تطيب
فنفساً هنا أيضاً تمييز وقد تقدم على العامل وهو قوله تطيب، وهذا آخر ما يقال في باب الاستثناء لا إشكال فيه والحمد لله رب العالمين .
ننتقل الآن إلى باب كبير أرجو ألا يكون صعباً وهو باب الاستثناء، والاستثناء فيه مشكلات كثيرة لأنك تجد ما بعد إلا أحياناً يكون منصوباً وأحياناً يكون مرفوعاً، وأحياناً يكون جاراً ومجروراً ولا تدري إذا لم تكن ضابطاً لقواعده الرئيسة فإنك لا تستطيع معرفة ما السبب في هذا الاختلاف، مرة يصير كذا ومرة يصير كذا ومرة يصير كذا وقبل الشروع في هذا الباب نعرف لكم أولاً الاستثناء ثم أذكر لكم بعض التعريفات الضرورية، التي سترافقنا خلال مسيرتنا في هذا الباب وهي لابد أن تكون معلومة عندكم حتى ما نحتاج في كل مرة نكرر ونقول معنى كذا معنى كذا، فنبدأ أولاً بالاستثناء، الاستثناء تعريفه هو الإخراج، من مذكور أو مقدر بإلا أو إحدى أخواتها انظر رحمك الله، قام القوم إلا محمداً، أخرجت محمداً من القوم، بأي شيء ؟ بإلا، لها أخوات؟ نعم، لها أخوات سنذكرها إن شاء الله فيما بعد، هذا تعريف الاستثناء مرة ثانية، الإخراج من مذكور وهو قوله القوم، أخرجنا منهم محمداً أو مقدر وذلك نحو قولك ما قام إلا عبد الله، فعبد الله مفرد ولكن لم نخرجه من شيء مذكور ولكنه من مقدر كأنك قلت ما قام أحد إلا عبد الله، من مذكور أو مقدر بإلا والمذكور معناه هنا إلا أو إحدى أخواتها ستأتي أو سيأتي ذكر أخواتها إن شاء الله حتى المصنف سيذكرها إن شاء الله، أما الأمور التي أقول لابد من ذكرها ومعرفتها أولاً فهي :
تعريفات لبعض الأمور المتعلقة بباب الاستثناء، أولاً الاستثناء يوصف بأنه تام ويوصف بأنه مفرق أحياناً، وأحياناً يوصف بأنه موجب وأحياناً يوصف بأنه غير موجب، وأحياناً يوصف بأنه متصل وأحياناً يوصف بأنه منقطع وهذه كلها لابد أن تعرفوا ما المراد بها، فأما الاستثناء التام فهو الذي ذكر فيه المستثنى منه، وأما الاستثناء المفرغ فهو عكسه، يعني الذي لم يذكر فيه المستثنى منه، وأما الاستثناء الموجب فهو الذي لم يسبق بنفي ولا بشبه نفي، وأما الاستثناء غير الموجب فهو المسبوق، بنفي أو بنهي أو باستفهام وأما الاستثناء المتصل فهو ما كان المستثنى فيه من جنس المستثنى منه وأما الاستثناء المنقطع فهو عكسه، ما كان المستثنى من غير جنس المستثنى منه، أذكر لكم أمثلتها كلها إن شاء الله .
أما الاستثناء التام، فقولك قام القوم إلا علياً، على مستثنى من القوم والمستثنى منه مذكور في الكلام مذكور، أما الاستثناء المفرغ فنحو قولك ما قام إلا علي، لا يوجد مستثنى منه في اللفظ، أما الاستثناء غير الموجب، فنحو قولك ما حضر الرجال إلا عبد الله هذا مسبوق بنفي، وهذا يسمى غير موجب، أما الاستثناء الموجب، فهو كالمثال الأول، أول مثال ذكرته لكم، وهو قام القوم إلا عبد الله، وأما الاستثناء المتصل، فهو كما ذكرت لكم لابد أن يكون من جنس المستثنى منه وذلك كقولك مثلاً قام الرجال إلا محمداً، الاستثناء المنقطع، تقول قام الطلاب إلا فاطمة، ومنه قول الله عزّ وجلّ ﴿ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ﴾[النساء: 157] لأن اتباع الظن ليس من العلم، فهذا مما يعد من الاستثناء المنقطع وهذه أمور كما ذكرت لكم، لابد من بيانها أولاً .
قال المصنف ( وَحُرُوفُ اَلِاسْتِثْنَاءِ ثَمَانِيَةٌ وَهِيَ إِلَّ، وَغَيْرُ، وَسِوَى، وَسُوَى، وَسَوَاءٌ، وَخَلَ، وَعَدَ، وَحَاشَا ) وفى كلامه هذا نظر أولاً: قال لنا حروف الاستثناء، وليست كل هذه الكلمات حروفاً، فإن كلمة غير اسم وكلمة سوى اسم هذا الأول الثاني: عد لنا سِوَى، وَسُوَى، وَسَوَاءٌ على أنها ثلاث كلمات، وهي في حقيقتها كلمة واحدة وإنما فيها لغات، فيها لغات مختلفة، عن العرب بعضهم يقول سِوَى، وبعضهم يقول سُوَى وبعضهم يقول سَوَاءٌ .
أما الأمر الثالث والأخير: فهو أنه ترك كلمتين يستثنى بهما لكنهما طبعاً قليلتا الاستعمال، وهما ليس ولا يكون من أدوات الاستثناء لكن استعمالها على كل حال قليل، نعود مرة ثانية فأقول لكم أدوات الاستثناء إذا أردنا الحق هي فعلاً ثمان منها حرفان، ومنها اسمان ومنها فعلان ومنها مترددان بين الفعلية والحرفية، فأما الحرفان فإلا حرف باتفاق وحاشا عند غير سيبويه، هذان الحرفان، أما الاسمان فهما غير وسوى،
وأما الفعلان فهما كما ذكرت لكم قبل قليل ولم يذكرهما المصنف ليس ولا يكون، وأما المترددان فإلى الحرفية والفعلية يعني أحياناً يكونان حرفاً وأحياناً يكونان فعلاً، فهما خلا وعدا، لكن كيف تفرق؟ كيف تعرف أن خلا هذه المرة فعل أو حرف ؟ قال إذا جاء ما بعدها مجروراً فهي حرف جر وإذا جاء ما بعدها منصوباً فهي فعل للاستثناء، وكلها تدل على الاستثناء، الأحكام التي ذكرتها لكم قبل قليل، أو التعريفات التي ذكرتها
قبل قليل سترافقنا الآن لمعرفة متى يكون المستثنى مرفوعاً، أو منصوباً أو مجروراً، أو تابعاً أو غير تابع .
فنبدأ أولاً فنقول: إذا كان الاستثناء، خلاص أنتم الآن عرفتم التعريفات إذا كان الاستثناء تاماً موجباً وجب نصب المستثنى .
المثال: حضر الرجال إلا محمداً ، المستثنى تام لأن الرجال مستثنى منه مذكورة والاستثناء موجب هنا لأنه لم يسبق بنفي ولا بنهي ولا باستفهام .
إذا كان الاستثناء تاماً غير موجب، يعني مسبوق بنفي أو شبهه وكان متصلاً فإنه يجوز لك فيه أمران أن تتبع ما بعد إلا على ما قبلها يعني تعطيه نفس الحكم، أو تجعله منصوباً لكن الكثير أن تتبعه على ما قبله.
مثاله: ما حضر الرجال إلا محمداً، أو إلا محمدٌ يجوز لك الأولى أن تقول إلا محمدٌ لأن الاستثناء غير موجب، وتام ومتصل، ويجوز لك أن تقول إلا محمداً ومنه قول الله عزّ وجلّ ﴿مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾[النساء: 66] القراءة المتواترة إلا قليلٌ ولو قرأت إلا قليلاً وقد قرأت فهو جائز، يعني يجوز النصب والاستثناء هنا تام، غير موجب متصل أما إن كان الاستثناء تاماً غير موجبٍ منقطعاً يعني ليس من جنس المستثنى منه فالأولى وبعضهم يوجبه أن تنصب ما بعد إلا ويستشهدون له بنحو قول الله عزّ وجلّ ﴿ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ﴾[النساء: 157] فاتباع هنا منصوبة، لأن الاستثناء هنا تام غير موجب لكنه منقطع، منقطع لأن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه، ليس من جنس المستثنى منه، فإن كان الاستثناء مفرغاً فنرجئ الحديث عنه إن شاء الله إلى حلقة قادمة، والآن نترك لكم المجال لتوجيه الأسئلة إذا أردتم، تفضل .
سأل أحد الطلبة:
جزاكم الله خيراً فضيلة الشيخ، ذكرنا في شروط الحال قال المؤلف ولا يكون إلا نكرة ولا يكون إلا بعد تمام الكلام، ولا يكون صاحبها إلا معرفة وفى باب التمييز قال ولا يكون إلا نكرة ولا يكون إلا بعد تمام الكلام، فشرط لا يكون صاحبها إلا معرفة هذا الشرط غير موجود في التمييز ؟
أجاب الشيخ:
لا ليس موجوداً في التمييز لأنه قد يكون نكرة قد يكون الغامض نكرة لا يمنع، قال الله عزّ وجلّ ﴿ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً ﴾ [يوسف: من الآية4] وأحد عشر هذه نكرة فلا يلزم وهذا من الفوارق بين الحال والتمييز، نعم بارك الله فيك سؤال جيد .
أكمل الشيخ:
نعم تفضل .
سأل أحد الطلبة:
بارك الله فيكم أي أنواع التمييزتضمنته الآية الكريمة في قول الله عزّ وجلّ ﴿ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً﴾[القمر:12]؟
أجاب الشيخ:
هذا من النوع الثاني وهو ما يسمى بتمييز النسبة يعني ما يكون الغموض فيه ليس في مفرد أو في الكلمة نفسها لأن الكلمة فجرنا واضحة والأرض واضحة، وإنما في إسناد فجرنا إلى الأرض  جاء الغموض فجاء قوله سبحانه وتعالى عيوناً مميزاً .
سأل أحد الطلبة:
فضيلة الشيخ جزاكم الله خير، ذكرتم الفضلة وبعضهم يذكر العمدة فهل هناك ضابط للتوفيق بينهما ؟
أجاب الشيخ:
هذا على حسب استعمال العرب بعض الكلام يعدونه عمدة يعني لا يصح حذفه يذكرون منه الفاعل، والنائب على الفاعل لأنه يحل محل الفاعل ويذكرون أيضاً المبتدأ والخبر وما أصله المبتدأ والخبر يقولون هذه عمد لا يجوز حذفها وفي بعض الأحيان يجوز حذفها إذا دل عليها دليل، مثلاً الفاعل، يحذف ويحل محله نائب الفاعل، مثلا المبتدأ يحذف أحيانا لدلالة شيء من الكلام عليه، وكذلك الخبر يحذف أحياناً لدلالة شيء من الخبر أو من الجملة عليه لكن الأصل أنها عمد لا يجوز حذفها أما الفضلات فهي التي يمكن الاستغناء عنها فمثلاً إذا قلت أكرم محمدٌ علياً فإنه يمكن أن تكتفي بقولك أكرم محمد فعندنا فعل وفاعل وعلياً هذا فضلة هنا في هذا الموضوع يمكن حذفه ويمكن ذكره عند الحاجة .
نعم فيه أي سؤال آخر؟
بقي أن أسألكم أنا عن بعض الأمور التي ذكرنها في الحلقة ومنها أنني ذكرت لكم أن المصنف ذكر أداتين من أدوات الاستثناء فما هما ؟
لم يتركها، لم يتركها، لم يذكرها، وإنما تركها، تفضل يا أخي .
أجاب أحد الطلبة:
ليس ولا يكون .
بارك الله فيك ونكتفي بهذا القدر اليوم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين .