النوع الثامن معرفة آخر ما نزل
 
فيه اختلاف فروى الشيخان عن البراء بن عازب قال‏:‏ آخر آية نزلت ‏{‏يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة‏}‏ وآخر سورة نزلت براءة‏.‏
وأخرج البخاري عن ابن عباس قال‏:‏ آخر آية نزلت آية الربا‏.‏
وروى البيهقي عن عمر مثله والمراد بها قوله تعالى ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا‏}‏ وعند أحمد وابن ماجة عن عمر‏:‏ من آخر ما نزل آية الربا‏.‏
وعند ابن مردويه عن ابن سعيد الخدري قال‏:‏ خطبنا عمر فقال‏:‏ إن من آخر القرآن نزولاً آية الربا‏.‏
وأخرج النسائي من طريق عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ آخر شيء نزل من القرآن ‏{‏واتقوا يوماً ترجعون فيه‏}‏ الآية‏.‏
وأخرج ابن مردويه نحوه من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس بلفظ‏:‏ آخر آية نزلت‏.‏
وأخرجه ابن جرير من طريق العوفي والضحاك عن ابن عباس‏.‏
وقال‏:‏ الفرياني في تفسيره‏:‏ حدثنا سفيان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال‏:‏ آخر آية نزلت ‏{‏واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله‏}‏ الآية وكان بين نزولها وبين موت النبي صلى الله عليه وسلم أحد وثمانون يوماً‏.‏
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال‏:‏ آخر ما نزل من القرآن كله ‏{‏واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله‏}‏ الآية وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية تسع ليالي ثم مات ليلة الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول‏.‏
وأخرج ابن جرير مثله عن ابن جريج‏.‏
وأخرج من طريق عطية عن أبي سعيد قال‏:‏ آخر آية نزلت ‏{‏واتقوا يوماً ترجعون‏}‏ الآية‏.‏
وأخرج أبو عبيد في الفضائل عن ابن شهاب قال‏:‏ آخر القرآن عهداً بالعرش آية الربا وآية الدين‏.‏
وأخرج ابن جرير من طريق ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه بلغه أن أحدث القرآن عهداً بالعرش آية الدين‏.‏
مرسل صحيح الإسناد‏.‏
قلت‏:‏ ولا منافاة عندي بين هذه الروايات في آية الربا ‏{‏واتقوا يوماً‏}‏ وآية الدين لأن الظاهر أنها نزلت دفعة واحدة كترتيبها في المصحف ولأنها في قصة واحدة فأخبر كل عن بعض ما نزل بأنه آخر ذلك وذلك صحيح‏.‏
وقول البراء‏:‏ آخر ما نزل ‏{‏ يستفتونك‏}‏ أي في شأن الفرائض‏.‏
وقال ابن حجر في شرح البخاري طريق لا جمع بين القولين في آية الربا ‏{‏واتقوا يوماً‏}‏ أن هذه الآية هي ختام الآيات المنزلة في الربا إذ هي معطوفة عليهن ويجمع بين ذلك وبين قول البراء بأن الآيتين نزلتا جميعاً فيصدق أن كلاً منهما آخر بالنسبة لما عداهما ويحتمل أن تكون الآخرية في آية النساء مقيدة بما يتعلق بالمواريث بخلاف آية البقرة ويحتمل عكسه‏.‏
الأول أرجح لما في آية البقرة من الإشارة إلى معنى الوفاة المستلزمة لخاتمة النزول‏.‏
وفي المستدرك عن أبيّ بن كعب قال‏:‏ آخر آية نزلت ‏{‏لقد جاءكم رسول من أنفسكم‏}‏ إلى آخر السورة‏.‏
وروى عبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن مردويه عن أبيّ أنهم جمعوا القرآن في خلافة أبي بكر وكان رجال يكتبون فلما انتهوا إلى هذه الآية من سورة براءة ‏{‏ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون‏}‏ ظنوا أن هذا آخر ما نزل من القرآن فقال لهم أبيّ بن كعب‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني بعدها آيتين ‏{‏لقد جاءكم رسول من أنفسكم‏}‏ إلى قوله ‏{‏وهو رب العرش العظيم‏}‏ وقال‏:‏ هذا آخر ما نزل من القرآن قال‏:‏ فختم بما فتح به بالله الذي لا إله إلا هو وهو قوله ‏{‏وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون‏}‏ وأخرج ابن مردويه عن أبيّ أيضاً قال‏:‏ آخر القرآن عهداً بالله هاتان الآيتان ‏{‏لقد جاءكم رسول من أنفسكم‏}‏ وأخرجه ابن الأنباري بلفظ‏:‏ أقرب القرآن بالسماء عهداً‏.‏
وأخرج أبو الشيخ في تفسيره من طريق عليّ بن زيد عن يوسف المكي عن ابن عباس قال‏:‏ آخر آية نزلت لقد جاءكم رسول من أنفسكم‏.‏
وأخرج مسلم عن ابن عباس قال‏:‏ آخر سورة نزلت إذا جاء نصر الله والفتح‏.‏
وأخرج الترمذي والحاكم عن عائشة قالت‏:‏ آخر سورة نزلت بالمائدة فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه الحديث‏.‏
وأخرجا أيضاً عن عبد الله بن عمروقال‏:‏ آخر سورة نزلت سورة المائدة والفتح‏.‏
قلت‏:‏ يعني إذا جاء نصر الله‏.‏
وفي حديث عثمان المشهور‏:‏ براءة من آخر القرآن نزولاً‏.‏
قال البيهقي‏:‏ يجمع بين هذه الاختلافات إن صحت بأن كل واحد أجاب بما عنده‏.‏
وقال القاضي أبو بكر في الانتصار‏:‏ هذه الأقوال ليس فيها شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكل قاله بضرب من الاجتهاد وغلبة الظن‏.‏
ويحتمل أن كلاً منهم أخبر عن آخر ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه أوقبل مرضه بقليل وغيره سمع منه بعد ذلك وإن لم يسمعه هو ويحتمل أيضاً أن تنزل هذه الآية التي هي آخر آية تلاها الرسول صلى الله عليه وسلم مع آيات نزلت معها فيؤمر برسم ما نزل معها بعد رسم فيظن أنه آخر ما نزل في الترتيب اه‏.‏
ومن غريب ما ورد في ذلك‏:‏ ما أخرجه ابن جرير عن معاوية بن أبي سفيان أنه تلا هذا الآية ‏{‏فمن كان يرجو لقاء ربه‏}‏ الآية وقال‏:‏ إنها آخر آية نزلت من القرآن‏.‏
قال ابن كثير‏:‏ هذا أثر مشكل ولعله أراد أنه لم ينزل بعدها آية تنسخها ولا تغير حكمها بل هي مثبتة محكمة‏.‏
قلت‏:‏ ومثله ما أخرجه البخاري وغيره عن ابن عباس قال‏:‏ نزلت هذا الآية ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم هي آخر ما ا نزل وما نسخها شيء‏.‏
وعند أحمد والنسائي عنه‏:‏ لقد نزلت في آخر ما نزل ما نسخها شيء‏.‏
وأخرج ابن مردويه من طريق مجاهد عن أم سلمة قالت‏:‏ آخر آية نزلت هذه الآية فاستجاب لهم ربهم إني لا أضيع عمل عامل إلى آخرها‏.‏
قلت‏:‏ وذلك أنها قالت‏:‏ يا رسول الله أرى الله يذكر الرجال ولا يذكر النساء فنزلت ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ونزلت إن المسلمين والمسلمات ونزلت هذه الآية فهي آخر الثلاثة نزولاً أوآخر ما نزل بعد ما كان ينزل في الرجال خاصة‏.‏
وأخرج ابن جرير عن أنس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له وأقام الصلاة وآتى الزكاة فارقها والله عنه راض قال أنس‏:‏ وتصديق ذلك في كتاب الله في آخر ما نزل ‏{‏فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة‏}‏ الآية
قلت‏:‏ يعني في آخر سورة نزلت‏.‏
وفي البرهان لإمام الحرمين‏:‏ إن قوله تعالى ‏{‏قل لا أجد في ما أوحي إلي محرماً‏}‏ الآية من آخر ما نزل وتعقبه ابن الحصار بأن السورة مكية باتفاق ولم يرد بتأخير هذه الآية عن نزول السورة بل هي في محاجة المشركين ومخاصمتهم وهم بمكة اه‏.‏
تنبيه من المشكل على ما تقدم قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم فإنها نزلت بعرفة عام حجة الوداع وظاهرها إكمال الفرائض والأحكام قبلها وقد صرح بذلك جماعة منهم السدى فقال‏:‏ لم ينزل بعدها حلال ولا حرام مع أنه ورد في آية الربا والدين والكلالة أنها نزلت بعد ذلك‏.‏
وقد استشكل ذلك ابن جرير وقال‏:‏ الأولى أن يتأول على أنه أكمل لهم دينهم بإقرارهم بالبلد الحرام وإجلاء المشركين عنه حتى حجة المسلمون لا يخالطهم المشركون ثم أيده بما أخرجه من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال‏:‏ كان المشركون والمسلمون يحجون جميعاً فلما نزلت براءة لفى المشركون عن البيت وحج المسلمون لا يشاركهم في البيت الحرام أحد من المشركين
*******************