النوع السادس عشر في كيفية إنزاله :مسألة نزول القرآن
 
فيه مسائل‏.‏
الأولى‏:‏ قال الله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وقال إنا أنزلناه في ليلة القدر اختلف في كيفية إنزاله من اللوح المحفوظ على ثلاثة أقوال‏:‏ أحدها وهوالأصح الأشهر‏:‏ أنه نزل إلى سماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة ثم نزل بعد ذلك منجماً في عشرين سنة أوثلاثة وعشرين أوخمسة وعشرين على حسب الخلاف في مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة بعد البعثة‏.‏
أخرج الحاكم والبيهقي وغيرهما من طريق منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‏:‏ أنزل القرآن في ليلة القدر جملة واحدة إلى سماء الدنيا وكان بمواقع النجوم وكان الله ينزله على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضه في أثر بعض‏.‏
وأخرج الحاكم والبيهقي أيضاً والنسائي أيضاً من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك بعشرين سنة ثم قرأ ‏{‏ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً‏}‏‏.‏ ‏{‏وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا‏}‏‏.‏
وأخرجه ابن أبي حاتم من هذا الوجه وفي آخره‏:‏ فكان المشركون إذا أحدثوا شيئاً أحدث الله لهم جواباً‏.‏
وأخرج الحاكم وابن أبي شيبة من طريق حسان بن حريث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‏:‏ فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا فجعل جبريل ينزل به على النبي صلى الله عليه وسلم أسانيدها كلها صحيحة‏.‏
وأخرج الطبراني من وجه آخر عن ابن عباس قال‏:‏ أنزل القرآن في ليلة القدر في شهر رمضان إلى سماء الدنيا ليلة واحدة ثم أنزل نجوماً‏.‏
إسناده لا بأس به‏.‏
وأخرج الطبراني والبزار من وجه آخر عنه قال‏:‏ أنزل القرآن جملة واحدة حتى وضع في بيت العزة في السماء الدنيا ونزله جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم بجواب كلام العباد وأعمالهم‏.‏
وأخرج ابن أبي شيبة في فضائل القرآن من وجه آخر عنه‏:‏ دفع إلى جبريل في ليلة القدر جملة واحدة فوضعه في بيت العزة ثم جعل ينزله تنزيلاً وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق السدي عن محمد عن ابن أبي المجالد عن مقسم عن ابن عباس‏:‏ أنه سأل عطية بن الأسود فقال‏:‏ أوقع في قلبي الشك قوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وقوله ‏{‏إنا أنزلناه في ليلة القدر‏}‏ وهذا أنزل في شوال وفي ذي العقدة وذي الحجة وفي المحرم وصفر وشهر ربيع فقال ابن عباس‏:‏ إنه أنزل في رمضان في ليلة القدر جملة واحدة ثم أنزل على مواقع النجوم رسلاً في الشهور والأيام‏.‏
قال أبو شامة‏:‏ قوله رسلاً‏:‏ أي رفقاً وعلى مواقع النجوم‏:‏ أي على مثل مساقطها‏.‏
يريد أنزل في رمضان في ليلة القدر جملة واحدة ثم أنزل القول الثاني‏:‏ أنه نزل إلى سماء الدنيا في عشرين ليلة قدر وثلاث وعشرين أوخمس وعشرين في كل ليلة ما يقدر الله إنزاله في كل السنة ثم أنزل بعد ذلك منجماً في جميع السنة‏.‏
وهذا القول ذكره الإمام فخر الدين الرازي بحثاً فقال‏:‏ يحتمل أنه كان ينزل في كل ليلة قدر ما يحتاج الناس إلى إنزاله إلى مثلها من اللوح إلى السماء الدنيا ثم توقف هل هذا أولى أوالأول‏.‏
قال ابن كثير‏:‏ وهذا الذي جعله احتمالاً نقله القرطبي عن مقاتل ابن حيان وحكى الإجماع على أنه نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا‏.‏
قلت‏:‏ وممن قال بقول مقاتل الحليمي والماوردي ويوافقه قول ابن شهاب آخر القرآن عهداً بالعرش آية الدين‏.‏
القول الثالث‏:‏ أنه ابتدأ إنزاله في ليلة القدر ثم نزل بعد ذلك منجماً في أوقات مختلفة من سائر الأوقات وبه قال الشعبي‏.‏
قال ابن حجر في شرح البخاري‏:‏ والأول هو الصحيح المعتمد‏.‏
قال‏:‏ وقد حكى الماوردي قولاً رابعاً أنه نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة وأن الحفظة نجمته على جبريل في عشرين ليلة وأن جبريل نجمه على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة وهذا أيضاً غريب‏.‏
والمعتمد أن جبريل كان يعارضه في رمضان بما ينزل به في طول السنة‏.‏
وقال أبو شامة‏:‏ كأن صاحب هذا القول أراد الجمع بين القولين الأول والثاني‏.‏
قلت‏:‏ هذا الذي حكاه الماوردي أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال‏:‏ نزل القرآن جملة واحدة من عند الله من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا فنجمته السفرة على جبريل عشرين ليلة ونجمه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة‏.‏
تنبيهات‏:‏ الأول قيل السر في إنزاله جملة إلى السماء تفخيم أمره وأمر من نزل عليه وذلك بإعلام سكان السموات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم قد قريناه إليهم لننزله عليهم ولولا أن الحكمة الإلهية اقتضت وصوله إليهم منجماً بحسب الوقائع لهبط به إلى الأرض جملة كسائر الكتب المنزلة قبله ولكن الله باين بينه وبينها فجعل له الأمرين إنزاله جملة ثم إنزاله تشريفاً للمنزل عليه‏.‏
ذكر ذلك أبو شامة في المرشد الوجيز‏.‏
وقال الحكيم الترمذي‏:‏ أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا تسليماً منه للأمة ما كان أبرز لهم من الحظ بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم وذلك أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كانت رحمة فلما خرجت الرحمة بفتح الباب جاءت بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن فوضع القرآن ببيت العزة في السماء الدنيا ليدخل في حد الدنيا ووضعت النبوة في قبل محمد وجاء جبريل بالرسالة ثم الوحي كأنه أراد تعالى أن يسلم هذه الرحمة التي كانت حظ هذه الأمة من الله إلى الأمة‏.‏
وقال السخاوي في جمال القراء‏:‏ في نزوله إلى السماء جملة تكريم بني آدم وتعظيم شأنهم عند الملائكة وتعريفهم عناية الله بهم ورحمته لهم ولهذا المعنى أمر سبعين ألفاً من الملائكة أن تشيع سورة الأنعام وزاد سبحانه في هذا المعنى بأن أمر جبريل بإملائه على السفرة الكرام وإنساخهم إياه وتلاوتهم له‏.‏
قال‏:‏ وفيه أيضاً التسوية بين نبينا صلى الله عليه وسلم وبين موسى عليه السلام في إنزاله كتابه جملة والتفضيل لمحمد في إنزاله عليه منجماً ليحفظه‏.‏
وقال أبو شامة‏:‏ فإن قلت‏:‏ فقوله تعالى ‏{‏إنا أنزلناه في ليلة القدر‏}‏ من جملة القرآن الذي نزل جملة أم لا فإن لم يكن منه فما نزل جملة وإن كان منه فما وجه صحة هذه العبارة قلت‏:‏ وجهان‏.‏
أحدهما‏:‏ أن يكون معنى الكلام أنا حكمنا بإنزاله في ليلة القدر وقضيناه وقدرناه في الأزل‏.‏
والثاني أن لفظه لفظ الماضي ومعناه الاستقبال‏:‏ أي ننزله جملة في ليلة القدر انتهى‏.‏
الثاني‏:‏ قال أبو شامة أيضاً‏:‏ الظاهر أن نزوله جملة إلى سماء الدنيا قبل ظهور نبوته صلى الله عليه وسلم‏.‏
قال‏:‏ ويحتمل أن يكون بعدها‏.‏
قلت‏:‏ الظاهر هو الثاني وسياق الآثار السابقة عن ابن عباس صريح فيه‏.‏
وقال ابن حجر في شرح البخاري‏:‏ قد خرج أحمد والبيهقي في الشعب عن واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنزلت التوراة لست مضين من رمضان والإنجيل لثلاث عشر خلت منه والزبور لثمان عشرة خلت منه والقرآن لأربع وعشرين خلت منه وفي رواية وصحف إبراهيم لأول ليلة قال‏:‏ وهذا الحديث مطابق لقوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ولقوله ‏{‏إنا أنزلناه في ليلة القدر‏}‏ فيحتمل أن يكون ليلة القدر في تلك السنة كانت تلك الليلة فأنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا ثم أنزل في اليوم الرابع والعشرين إلى الأرض أول اقرأ باسم ربك قلت‏:‏ لكن يشكل على هذا ما اشتهر من أنه صلى الله عليه وسلم بعث في شهر ربيع‏.‏
ويجاب عن هذا بما ذكروه أنه نبي أولاً بالرؤيا في شهر مولده ثم كانت مدتها ستة أشهر ثم أوحى إليه في اليقظة‏.‏
ذكره البيهقي وغيره‏:‏ نعم يشكل على الحديث السابق ما أخرجه ابن أبي شيبة في فضائل القرآن عن أبي قلابة قال‏:‏ أنزلت الكتب كاملة ليلة أربع وعشرين من رمضان‏.‏
الثالث‏:‏ قال أبو شامة أيضاً‏:‏ فإن قيل ما السر في نزوله منجماً وهلا أنزل كسائر الكتب جملة قلنا‏:‏ هذا سؤال قد تولى الله جوابه فقال تعالى وقال الذين كفروا لولا أنزل الله عليه القرآن جملة واحدة يعنون كما أنزل على من قبله من الرسل فأجابهم تعالى بقوله ‏{‏كذلك‏}‏ أي أنزلناه كذلك مفرقاً ‏{‏لنثبت به فؤادك‏}‏ أي لنقوي به قلبك فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى بالقلب وأشد عناية بالمرسل إليه ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك إليه وتجدد العهد به وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان لكثرة لقياه جبريل‏.‏
وقيل معنى لنثبت به فؤادك‏:‏ أي لتحفظه فإنه عليه الصلاة والسلام كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ففرق عليه ليثبت عنده حفظه بخلاف غيره من الأنبياء فإنه كان كاتباً قارئاً فيمكنه حفظ الجميع
وقال ابن فورك‏:‏ قيل أنزلت التوراة جملة لأنها نزلت على نبي يكتب ويقرأ وهوموسى وأنزل الله القرآن مفرقاً لأنه أنزل غير مكتوب على نبي أميّ‏.‏
وقال غيره‏:‏ إنما لم ينزل جملة واحدة لأن منه الناسخ والمنسوخ ولا يتأتى ذلك إلا فيما أنزل مفرقاً‏.‏
ومنه ما هوجواب لسؤال ومنه ما هوإنكار على قول قيل أوفعل فعل وقد تقدم ذلك في قول ابن عباس‏:‏ ونزله جبريل بجواب كلام العباد وأعمالهم وفسر به قوله ‏{‏ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق‏}‏ أخرجه عنه ابن أبي حاتم‏.‏
فالحاصل أن الآية تضمنت حكمتين لإنزاله مفرقاً‏.‏
تذنيب‏:‏ ما تقدم في كلام هؤلاء من أن سائر الكتب أنزلت جملة هومشهور في كلام العلماء على ألسنتهم حتى كاد أن يكون إجماعاً‏.‏
وقد رأيت بعض فضلاء العصر أنكر ذلك وقال‏:‏ إنه لا دليل عليه بل الصواب أنها نزلت مفرقة كالقرآن‏.‏
وأقول‏:‏ الصواب الأول‏.‏
ومن الأدلة على ذلك آية الفرقان السابقة‏.‏
أخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‏:‏ قالت اليهود‏:‏ يا أبا القاسم لولا أنزل هذا القرآن جملة واحدة كما أنزلت التوراة على موسى فنزلت‏.‏
وأخرجه من وجه آخر عنه بلفظ‏:‏ قال المشركون‏.‏
وأخرج نحوه عن قتادة والسدى‏.‏
فإن قلت‏:‏ ليس في القرآن التصريح بذلك وإنما هوعلى تقدير ثبوته قول الكفار‏.‏
قلت‏:‏ سكوته تعالى عن الرد عليهم في ذلك وعدوله إلى بيان حكمته دليل على صحته ولوكانت الكتب كلها نزلت مفرقة لكان يكفي في الرد عليهم أن يقول‏:‏ إن ذلك سنة الله في الكتب التي أنزلها على الرسل السابقة كما أجاب بمثل ذلك قولهم ‏{‏وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق‏}‏ فقال ‏{‏وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق‏}‏ وقولهم ‏{‏أبعث الله بشراً رسولاً‏}‏ فقال ‏{‏وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم‏}‏ وقولهم كيف يكون رسولاً ولا هم له إلا النساء فقال ‏{‏ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية‏}‏ إلى غير ذلك‏.‏
ومن الأدلة على ذلك أيضاً قوله تعالى في إنزاله التوراة على موسى يوم الصعقة {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء فخذها بقوة‏}‏ ‏{‏وألقى الألواح‏}‏ ‏{‏ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة‏}‏ ‏{‏وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة‏}‏ فهذه الآيات كلها دالة على إتيانه في التوراة جملة‏.‏
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‏:‏ أعطى موسى التوراة في سبعة ألواح من زبرجد فيها تبيان لكل شيء وموعظة فلما جاء بها فرأى بني إسرائيل عكوفاً على عبادة العجل رمى بالتوراة من يده فتحطمت فرفع الله منها ستة أسباع وأبقى منها سبعاً‏.‏
وأخرج من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جده رفعه قال‏:‏ الألواح التي أنزلت على موسى كانت من سدر الجنة كان طول اللوح اثني عشر ذراعاً‏.‏
وأخرج النسائي وغيره عن ابن عباس في حديث النتوق قال‏:‏ أخذ موسى الألواح بعد ما سكن عنه الغضب فأمرهم بالذي أمر الله أن يبلغهم من الوظائف فثقلت عليهم وأبوا أن يقروا بها حتى نتق الله عليهم الجبل كأنه ظلة ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم فأقروا بها‏.‏
وأخرج ابن أبي حاتم عن ثابت بن الحجاج قال‏:‏ جاءتهم التوراة جملة واحدة فكبر عليهم فأبوا أن يأخذوه حتى ظلل الله عليهم الجبل فأخذوه عند ذلك‏.‏
فهذه آثار صحيحة صريحة في إنزال التوراة جملة‏.‏
ويؤخذ من الأثر الأخير منها حكمة أخرى لإنزال القرآن مفرقاً فإنه ادعى إلى قبوله إذا نزل على التدريج بخلاف ما لونزل جملة واحدة فإنه كان ينفر من قبوله كثير من الناس لكثرة ما فيه من الفرائض والمناهي‏.‏
ويوضح ذلك ما أخرجه البخاري عن عائشة قالت‏:‏ إنما نزل أول ما نزل سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولونزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبداً ولونزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنى أبداً ثم رأيت هذه الحكمة مصرحاً بها في الناسخ والمنسوخ لمكي‏.‏
فرع الذي استقرئ من الأحاديث الصحيحة وغيرها أن القرآن كان ينزل بحسب الحاجة خمس آيات وعشر آيات وأكثر وأقل وقد صح نزول العشر آيات في قصة الإفك جملة وصح نزول عشر آيات من أول المؤمنين جملة وصح نزول ‏{‏غير أولي الضرر‏}‏ وحدها وهي بعض آية‏.‏
وكذا قوله ‏{‏وإن خفتم عيلة‏}‏ إلى آخر الآية نزلت بعد نزول أول الآية كما حررناه في أسباب النزول وذلك بعض آية‏.‏
وأخرج ابن أشتة في كتاب المصاحف عن عكرمة في قوله ‏{‏بمواقع النجوم‏}‏ قال‏:‏ أنزل الله القرآن نجوماً ثلاث آيات وأربع آيات وخمس آيات‏.‏
وقال النكزاوي في كتاب الوقف‏:‏ كان القرآن ينزل مفرقاً الآية والآيتين والثلاث والأربع وأكثر من ذلك‏.‏
وما أخرجه ابن عساكر من طريق أبي نضرة قال‏:‏ كان أبوسعيد الخدري يعلمنا القرآن خمس آيات بالغداة وخمس آيات بالعشي ويخبر أن جبريل نزل بالقرآن خمس آيات خمس آيات‏.‏
وما أخرجه البيهقي في الشعب من طريق أبي خلدة عن عمر قال‏:‏ تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات فإن جبريل كان ينزل بالقرآن على النبي صلى الله عليه وسلم خمساً خمساً‏.‏
ومن طريق ضعيف عن علي قال‏:‏ أنزل القرآن خمساً خمساً إلا سورة الأنعام ومن حفظ خمساً خمساً لم ينسه‏.‏
فالجواب أن معناه إن صح إلقاؤه إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا القدر حتى يحفظه ثم يلقي إليه الباقي لا إنزاله بهذا القدر خاصة‏.‏
ويوضح ذلك ما أخرجه البيهقي أيضاً عن خالد بن دينار قال‏:‏ قال لنا أبو العالية‏:‏ تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذه من جبريل خمساً خمساً‏.‏