النوع الثلاثون في الإمالة والفتح وما بينهما
 
أفرده بالتصنيف جماعة من القراء منهم ابن القاصح عمل كتابه قرة العين في الفتح والإمالة بين اللفظين قال الداني‏:‏ الفتح والإمالة لغتان مشهورتان على ألسنة الفصحاء من العرب الذين نزل القرآن بلغتهم فالفتح لغة أهل الحجاز والإمالة لغة عامة أهل نجد من تميم وأسد وقيس‏.‏
قال‏:‏ والأصل فيها حديث حذيفة مرفوعاً اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم وأصوات أهل الفسق وأهل الكتابين قال‏:‏ فالإمالة لا شك من الأحرف السبعة ومن لحون العرب وأصواتها‏.‏
وقال أبو بكر بن أبي شيبة‏:‏ حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن إبراهيم قال‏:‏ كانوا يرون أن الألف والياء في القراءة سواء‏.‏
قال‏:‏ يعني بالألف والياء التفخيم والإمالة‏.‏
وأخرج في تاريخ القراء من طريق ابن عاصم الضرير الكوفي عن محمد بن عبيد عن عاصم عن زر بن حبيش قال‏:‏ قرأ رجل على عبد الله بن مسعود طه ولم يكسر فقال عبد الله‏:‏ طه وكسر الطاء والهاء فقال الرجل‏:‏ طه ولم يكسر فقال عبد الله‏:‏ طه وكسر ثم قال‏:‏ والله هكذا علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
قال ابن الجزري‏:‏ هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ورجاله ثقات إلا محمد بن عبد الله وهوالعزرمي فإنه ضعيف عند أهل الحديث وكان رجلاً صالحاً لكن ذهبت كتبه فكان يحدث من حفظ فأتى عليه من ذلك‏.‏
قلت‏:‏ وحديثه هذا أخرجه ابن مردويه في تفسيره وزاد في آخره‏:‏ وكذا نزل بها جبريل‏.‏
وفي جمال القراء عن صفوان بن عسال أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ يا يحيى فقيل له‏:‏ يا رسول الله تميل وليس هي لغة قريش فقال‏:‏ هي لغة الأخوال بني سعد‏.‏
ووأخرج ابن أشتة عن أبي حاتم قال‏:‏ احتج الكوفيون في الإمالة بأنهم وجدوا في المصحف الياءات في موضع الألفات فاتبعوا الخط وأمالوا ليقربوا الياءات‏.‏
الإمالة‏:‏ أن ينحوبالفتحة نحوالكسرة وبالألف نحوالياء كثيراً وهوالمحض ويقال له أيضاً الإضطجاع والبطح والكسر وهوبين اللفظين ويقال له أيضاً التقليل والتلطيف وبين بين فهي قسمان‏:‏ شديدة ومتوسطة وكلاهما جائز في القراءة‏.‏
والشديدة يجتنب معها القلب الخالص والإشباع المبالغ فيه‏.‏
والمتوسطة بين الفتح المتوسط والإمالة الشديدة‏.‏
قال الداني‏:‏ وعلماؤنا مختلفون أيهما أوجه وأولى وأنا أختار الإمالة الوسطى التي هي بين بين لأن الغرض من الإمالة حاصل بها وهوالإعلام بأن أصل الألف الياء والتنبيه على انقلابها إلى الياء في موضع أومشاكلتها للكسر المجاور لها أوالياء‏.‏
وأما الفتح فهوفتح القارئ فاه بلفظ الحرف ويقال له التفخيم وهوشديد ومتوسط‏.‏
فالشديد‏:‏ هونهاية فتح الشخص فاه بذلك الحرف ولا يجوز في القرآن بل هومعدوم في لغة العرب‏.‏
والمتوسط‏:‏ ما بين الفتح الشديد والإمالة المتوسطة‏.‏
قال الداني‏:‏ وهذا هو الذي يستعمله أصحاب الفتح من القراء واختلفوا أهل الإمالة فرع عن الفتح أوكل منهما أصل برأسه‏.‏
ووجه الأول أن الإمالة لا تكون إلا لسبب فإن فقد لزم الفتح وإن وجد جاز الفتح والإمالة فما من كلمة تمال إلا وفي العرب من يفتحها فدل اطراد الفتح على أصالته وفرعيتها‏.‏
والكلام في الإمالة من خمسة أوجه‏:‏ أسبابها ووجوهها وفائدتها ومن يميل وما يمال أما أسبابها فذكرها القراء عشرة‏.‏
قال ابن الجزري‏:‏ وهي ترجع إلى شيئين‏:‏ أحدهما الكسرة والثاني الياء وكل منهما يكون متقدماً على محل الإمالة من الكلمة ومتأخراً عنه ويكون أيضاً مقدراً في محل الإمالة وقد تكون الكسرة والياء غير موجودتين في اللفظ ولا مقدرتين في محل الإمالة ولكنهما مما يعرض في بعض تصاريف الكلمة‏.‏
وقد تمال الألف أوالفتحة لأجل ألف أخرى أوفتحة أخرى ممالة وتسمى هذه إمالة لأجل إمالة وقد تمال الألف تشبيهاً بالألف الممالة‏.‏
قال ابن الجزري‏:‏ وتمال أيضاً بسبب كثرة الاستعمال وللفرق بين الاسم والحرف فتبلغ اثنا عشر سبباً‏.‏
فأما الإمالة لأجل الكسرة السابقة فشرطها أن يكون الفاصل بينها وبين الألف حرفاً واحداً نحوكتاب وحساب وهذا الفاصل إنما حصل باعتبار الألف‏.‏
وأما الفتحة الممالة فلا فاصل بينها وبين الكسرة أوحرفين أولهما ساكن نحوإنسان أومفتوحتين والثاني هاء لخفائها‏.‏
وأما الياء السابقة فإما ملاصقة كالحياة والأيامي أومفصولة بحرفين أحدهما الهاء كيدها‏.‏
وأما الكسرة المتأخرة فسواء كانت لازمة نحوعابد أم عارضة نحومن الناس وفي النار‏.‏
وأما الياء المتأخرة فنحوبائع‏.‏
وأما الكسرة المقدرة فنحوخاف إذ الأصل خوف‏.‏
وأما الياء المقدرة فنحويخشى والهدى وأتى والثرى فإن الألف في كل ذلك منقلبة عن ياء تحركت وانفتح ما قبلها‏.‏
وأما الكسرة العارضة في بعض أحوال الكلمة فنحوطاب وجاء وشاء وزاد لأن الفاء تكسر من ذلك مع ضمير الرفع المتحرك‏.‏
وأما الياء العارضة كذلك نحوتلا وغزا فإن ألفهما عن واو وإنما أميلت لانقلابها ياء في تلا وغزا‏.‏
وأما الإمالة لأجل الإمالة فكإمالة الكسائي الألف بعد النون من إنا الله لإمالة الألف من الله ولم يمل وإنا إليه لعدم ذلك بعده وجعل من ذلك إمالة الضحى والقرى وضحاها وتلاها‏.‏
وأما الإمالة لأجل الشبه فإمالة ألف التأنيث في نحوالحسنى وألف موسى وعيسى لشببها بألف الهدى‏.‏
وأما الإمالة لكثرة الاستعمال فكإمالة الناس في الأحوال الثلاث على ما رواه صاحب المنهج‏.‏
وأما الإمالة للفرق بين الاسم والحرف فكإمالة الفواتح كما قال سيبويه أن إمالة ناويا في حروف المعجم لأنها أسماء فليست مثل ما ولا غيرهما من الحروف‏.‏
وأما وجوهها فأربعة ترجع إلى الأسباب المذكورة أصلها اثنان‏:‏ المنسبة والإشعار فأما المناسبة فقسم واحد وهوفيما أميل لسبب موجود في اللفظ وفيما أميل لإمالة غيره فإنهم أرادوا أن يكون عمل اللسان ومجاورة النطق بالحرف الممال بسبب الإمالة من وجه واحد وعلى نمط واحد‏.‏
وأما الإشعار فثلاثة أقسام‏:‏ إشعار بالأصل وإشعار بما يعرض في الكلمة في بعض المواضع وإشعار بالشبه المشعر بالأصل‏.‏
وأما فائدتها فسهولة اللفظ وذلك أن اللسان يرتفع بالفتح وينحدر بالإمالة والانحدار أخف على اللسان من الارتفاع فلهذا أمال من أمال وأما من فتح فإنه راعى كون الفتح أمتن أوالأصل‏.‏
وأما من أمال فكل القراء العشرة إلا ابن كثير فإنه لم يمل شيئاً في جميع القرآن‏.‏
وأما ما يمال فموضع استيعابه كتب القراءات والكتب المؤلفة في الإمالة ونذكر هنا ما يدخل تحت ضابط‏.‏
فحمزة والكسائي وخلف أمالوا كل ألف منقلبة عن ياء حيث وقعت في القرآن في اسم أوفعل كالهدى والهوى والفتى والعمى والزنى وأتى وأبى وسعى ويخشى واجتبى واشترى ومثوى ومأوى وأدنى وأزكى وكل ألف تأنيث على فعلي بضم الفاء وكسرها وفتحها كطوبى وبشرى وقصوى والقربى والأنثى والدنيا وإحدى وذكرى وسيما وضيزى وموتى ومرضى والسلوى والتقوى وألحقوا بذلك موسى وعيسى ويحيى وكل ما كان على وزن فعالى بالضم أوالفتح كسكارى وكسالى وأسارى ويتامى ونصارى والأيامي وكل ما رسم في المصاحف بالباء نحوبلى ومتى ويا أسفي ويا ويلتي ويا حسرتي وأني للاستفهام‏.‏
واستثنى من ذلك حتى وإلى وعلى ولدى وما زكى فلم تمل بحال‏.‏
وكذلك أمالوا من الواوي ما كسر أوله أوضم وهوالربا كيف وقع الضحى كيف جاء والقوي والعلي‏.‏
وأمالوا رؤوس الآي من إحدى عشرة سورة جاءت على نسق وهي‏:‏ طه والنجم وسال والقيامة والنازعات وعبس والأعلى والشمس والليل والضحى والعلق ووافق على هذه السور أبو عمرو وورش‏.‏
وأمال أبو عمروكل ما كان فيه راء بعد ألف بأي وزن كان كذكرى وبشرى وأسرى وأراه واشترى وترى والقرى والنصارى وأسارى وسكارى ووافق على ألفات فعلى كيف أتت‏.‏
وأمال أبو عمرو والكسائي كل ألف بعدها راء متطرفة مجرورة نحوالدار والنار والقهار والغفار والنهار والدير والكفار والإبكار وبقنطار وأبصارهم وأوبارها وأشعارها وحمار وسواء كانت الألف أصلية أم زائدة‏.‏

وأمال حمزة الألف من عين الفعل الماضي من عشرة أفعال وهي زاد وشاء وجاء وخاب وران وخاف وزاغ وطاب وضاق وحاق حيث وقعت وكيف جاءت‏.‏
وأمال الكسائي هاء التأنيث وما قبلها وقفاً مطلقاً بعد خمسة عشر حرفاً يجمعها قولك فجئت زينب لذود شمس فألفاه كخليفة ورأفة والجيم كوليجة ولجة والثاء كثلاثة وخبيثة والتاء كبغتة والميتة والزاي كبارزة وأعزة والياء كخشية وشيبة والنون كسنة وجنة والباء كحبة والتوبة واللام كليلة وثلة والذال كلذة والموقوذة والواوكقسوة والمروة والدال كبلدة وعدة والشين كالفاحشة وعيشة والميم كرحمة ونعمة والسين كالخامسة وخمسة‏.‏
وتفتح مطلقاً بعد عشرة أحرف وهي جاع وحروف الاستلاء قظ خص ضغط والأربعة الباقية وهي الهر إن كان قبل كل منها ياء ساكنة أوكسرة متصلة أومنفصلة بساكن مميل وإلا تفتح‏.‏
وبقي أحرف فيها خلف وتفصيل ولا ضابط يجمعها فلتنظر من كتب الفن‏.‏
وأما فواتح السور فأمال الر في السور الخمسة حمزة والكسائي وخلف وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر وبين بين ورش وأمال الهاء من فاتحة ميم وطه أبو عمرو والكسائي وأبو بكر‏.‏
وأمال حمزة وخلف وطه دون مريم وأمال الياء من أزل مريم من أمال الراء إلا أبا عمروعلى المشهور عنه ومن أول يس الثلاثة الأولون وأبوبكر وأمال هؤلاء الأربعة من طه وطسم وطس والحاء من حم في السور السبع ووافقهم في الحاء ابن خاتمة كره قوم الإمالة لحديث نزل القرآن بالتفخيم وأجيب عنه بأوجه‏.‏
أحدها‏:‏ أنه نزل بذلك ثم رخص في الإمالة‏.‏
ثانيها‏:‏ أن معناه أنه يقرأ على قراءة الرجال لا يخضع الصوت فيه ككلام النساء‏.‏
ثالثها‏:‏ أن معناه أنزل بالشدة والغلظة على المشركين‏.‏
قال في جمال القراء‏:‏ وهوبعيد في تفسير الخبر لأنه نزل أيضاً بالرحمة والرأفة‏.‏
رابعها‏:‏ أن معناه بالتعظيم والتجليل‏:‏ أي عظموه وبجلوه فحض بذلك على تعظيم القرآن وتبجيله‏.‏
خامسها‏:‏ أن المراد بالتفخيم تحريك أوساط الكلم بالضم والكسر في المواضع المختلف فيها دون إسكانها لأنه أشبع لها وأفخم‏.‏
قال الداني‏:‏ وكذا جاء مفسراً عن ابن عباس ثم قال‏:‏ حدثنا ابن خاقان حدثنا أحمد بن محمد حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا القاسم سمعت الكسائي يخبر عن سلمان عن الزهري قال‏:‏ قال ابن عباس‏:‏ نزل القرآن بالتثقيل والتفخيم نحوقوله الجمعة وأشباه ذلك من الثقيل‏.‏
ثم أورد حديث الحاكم عن زيد بن ثابت مرفوعاً نزل القرآن بالتفخيم قال محمد بن مقاتل أحد رواته‏:‏ سمعت عماراً يقول‏:‏ عذراً نذراً‏.‏
والصدفين‏:‏ يعني بتحريك الأوسط في ذلك‏.‏
قال‏:‏ ويؤيده قول أبى عبيدة‏:‏ أهل الحجاز يفخمون الكلام كله إلا حرفاً واحداً عشرة فإنهم يجزمزنه وأل نجد يتركون التفخيم في الكلام إلا هذا الحرف فإنهم يقولون عشرة بالكسر‏.‏
قال الداني‏:‏ فهذا الوجه أولى في تفسير الخبر‏
*******************