النوع الخامس والثلاثون في آداب تلاوته وتاليه
 
أفرده بالتصنيف جماعة منهم النووي في التبيان وقد ذكر فيه وفي شرح المهذب في الأذكار جملة من الآداب وإني ألخصها هنا وأزيد عليها أضعافها وأفصلها مسئلة مسئلة ليسهل تناولها‏.‏
مسئلة يستحب الإكثار من قراءة القرآن وتلاوته قال تعالى مثنياً على من كان ذلك دأبه {يتلون آيات الله آناء الليل} وفي الصحيحين من حديث ابن عمر لا حسد إلا في اثنتين‏:‏ رجل آتاه الله القرآن فهويقوم به آناء الليل وآناء النهار‏.‏
وروى الترمذي من حديث ابن مسعود من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها‏.‏
وأخرج من حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول الرب سبحانه وتعالى‏:‏ من شغله القرآن وذكرى عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه‏.‏
وأخرج مسلم من حديث أبي امامة اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه‏.‏
واخرج البيهقي من حديث عائشة البيت الذي يقرأ فيه القرآن يتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض‏.‏
وأخرج من حديث أنس نوروا منازلكم بالصلاة وقراءة القرآن‏.‏
وأخرج من حديث النعمان بن بشير أفضل عبادة أمتي قراءة القرآن‏.‏
وأخرج من حديث سمرة بن جندب كل مؤدب يحب أن ترتى مأدبته ومأدبة الله القرآن فلا تهجروه‏.‏
وأخرج من حديث عبيدة المكي مرفوعاً وموقوفاً يا أهل القرآن لا توسدوا القرآن واتلوه حق تلاوته آناء الليل والنهار وأفشوه وتدبروا ما فيه لعلكم تفلحون‏.‏
وقد كان للسلف في قدر القراءة عادات فأكثر ما ورد في كثرة القراءة من كان يختم في اليوم والليلة ثمان ختمات أربعاً في الليل وأربعاً في النهار ويليه من كان يختم في اليوم والليلة أربعاً ويليه ثلاثاً ويليه ختمتين ويليه ختمة‏.‏
وقد ذمت عائشة ذلك فأخرج ابن أبي داود عن مسلم بن مخراق قال قلت لعائشة‏:‏ إن رجالاً يقرأ أحدهم القرآن في ليلة مرتين أوثلاثاً فقالت‏:‏ قرءوا أولم يقرءوا كنت أقوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة التمام فيقرأ بالبقرة وآل عمران والنساء فلا يمر بآية فيها استبشار إلا دعا ورغب ولا بآية فيها تجويف إلا دعا وأستاذ‏.‏
ويلي ذلك من كان يختم في ليلتين ويليه من كان يختم في كل ثلاث وهوحسن‏.‏
وكره جماعات الختم في أقل من ذلك‏.‏
لما روى أبوداود والترمذي وصححه من حديث عبد الله بن عمر مرفوعاً لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث‏.‏
وأخرج ابن أبي داود وسعيد بن منصور عن ابن مسعود موقوفاً قال لا تقرءوا القرآن في أقل من ثلاث‏.‏
وأخرج أبو عبيد عن معاذ بن جبل أنه كان يكره أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث‏.‏
وأخرج أحمد وأبو عبيد عن سعيد بن المنذر وليس له غيره قال قلت يا رسول الله اقرأ القرآن في ثلاث قال‏:‏ نعم إن استطعت‏.‏
ويليه من ختم في أربع ثم في خمس ثم في ست ثم في سبع وهذا أوسط الأمور وأحسنها وهوفعل الكثيرين من الصحابة وغيرهم‏.‏
أخرج الشيخان عن عبد الله بن عمروقال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرأ القرآن في شهر قلت‏:‏ إني أجد قوة قال‏:‏ اقرأه في عشر قلت‏:‏ إني أجد قوة قال‏:‏ اقرأه في سبع ولا تزد على ذلك‏.‏
وأخرج أبو عبيد وغيره من طريق واسع بن حبان عن قيس بن أبي صعصعة وليس له غيره أنه قال يا رسول الله في كم أقرأ القرآن قال‏:‏ في خمسة عشر قلت‏:‏ إني أجد أقوى من ذلك قال‏:‏ اقرأه في جمعة ويلي ذلك من ختم في ثمان ثم في عشر ثم في شهر ثم في شهرين‏.‏
أخرج ابن أبي داود عن مكحول قال‏:‏ كان أقوياء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرءون القرآن في سبع وبعضهم في شهر وبعضهم في شهرين وبعضهم في أكثر من ذلك‏.‏
وقال الليث في البستان‏:‏ ينبغي للقارئ أن يختم في السنة مرتين إن لم يقدر على الزيادة‏.‏
وقد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قال‏:‏ من قرأ القرآن في كل سنة مرتين فقد أدى حقه لأن النبي صلى الله عليه وسلم عرض على جبريل في السنة التي قبض فيها مرتين‏.‏
وقال غيره‏:‏ يكره التأخير عن ختمه أكثر من أربعين يوماً بلا عذر نص عليه أحمد لأن عبد الله بن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ في كم تختم القرآن قال‏:‏ في أربعين يوماً رواه أبوداود‏.‏
وقال النووي في الأذكار‏:‏ المختار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر يحصل له معه كمال فهم ما يقرأ وكذلك من كان مشغولاً بنشر العلم أوفصل الحكومات أوغير ذلك من مهمات الدين والمصالح العامة فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هومرصد له ولا فوات كماله وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل أوالهذرمة في القراءة‏.‏
مسئلة نسيانه كبيرة صرح به النووي في الروضة وغيرها لحديث أبي داود وغيره عرضت عليّ ذنوب أمتي فلم أر ذنباً أعظم من سورة من القرآن أوآية أوتيها رجل ثم نسيها‏.‏
وروى أيضاً حديث من قرأ القرآن ثم نسيه لقى الله يوم القيامة اجذم وفي الصحيحين تعاهدوا القرآن فوالذين نفس محمد بيده لهوأشد تفلتاً من الإبل في عقلها‏.‏
مسئلة يستحب الوضوء لقراءة القرآن لأنه أفضل الإذكار وقد كان صلى الله عليه وسلم يكره أن يذكر الله إلا على طهر كما ثبت في الحديث‏.‏
قال إمام الحرمين‏:‏ ولا تكره القراءة للمحدث لأنه صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ مع الحدث‏.‏
قال في شرح المهذب‏:‏ إذا كان يقرأ فعرضت له ريح أمسك عن القراءة حتى يستتم خروجها‏.‏
وأما الجنب والحائض فتحرم عليهما القراءة نعم يجوز لهما النظر في المصحف وإمراره إلى القلب وأما متنجس الفم فتكره له القراءة وقيل تحرم كمس المصحف باليد النجسة‏.‏
مسئلة تسن القراءة في مكان نظيف وأفضله المسجد‏.‏
وكره قوم القراءة في الحمام والطريق قال النووي‏:‏ ومذهبنا لا تكره فيهما‏.‏
قال‏:‏ وكرهها الشعبي في الحش وبيت الرحا وهي تدور‏.‏
قال‏:‏ وهومقتضى مذهبنا‏.‏
مسئلة يستحب أن يجلس مستقبلاً متخشعاً بسكينة ووقار مطرقاً رأسه‏.‏
مسئلة يسن أن يستاك تعظيماً وتطهيراً وقد روى ابن ماجه عن علي موقوفاً والبزار بسند جيد عنه مرفوعاً إن أفواهكم طرق للقرآن فطيبوها بالسواك‏.‏
قلت‏:‏ ولوقطع القراءة وعاد عن قرب فمقتضى استحباب التعوذ إعادة السواك أيضاً‏.‏
مسئلة يسن التعوذ قبل القراءة قال تعالى فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم أي أردت قراءته‏.‏
وذهب قوم إلى أنه يتعوذ بعدها لظاهر الآية‏.‏
وقوم إلى وجوبها لظاهر الأمر‏.‏
قال النووي‏:‏ فلومرّ على قوم سلم عليهم وعاد إلى القراءة فإن أعاد التعوذ كان حسناً‏.‏
قال‏:‏ وصفته المختارة‏:‏ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم‏.‏
وكان جماعة من السلف يزيدون السميع العليم انتهى‏.‏
وعن حمزة‏:‏ أستعيذ ونستعيذ واستعذت واختاره صاحب الهداية من الحنيفة لمطابقته لفظ القرآن‏.‏
وعن حميد بن قيس‏:‏ أعوذ بالله القادر من الشيطان الغادر‏.‏
وعن أبي السمان‏:‏ أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي‏.‏
وعن قوم‏:‏ أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم‏.‏
وعن آخرين‏:‏ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم‏.‏
وفيها ألفاظ أخر‏.‏
قال الحلواني في جامعه‏:‏ ليس للاستعاذة حد ينتهي إليه من شار زاد ومن شاء نقص‏.‏
وفي النشر لابن الجزري‏:‏ المختار عند أئمة القراءة الجهر بها وقيل يسر مطلقاً وقيل فيما عدا الفاتحة‏.‏
قال‏:‏ وقد أطلقوا اختيار الجهر بها وقيده أبو شامة بقيد لا بد منه وهوأن يكون بحضرة من يسمعه‏.‏
قال‏:‏ لأن الجهر بالتعوذ إظهار شعار القراءة كالجهر بالتلبية وتكبيرات العيد‏.‏
ومن فوائده أن السامع ينصت للقراءة من أولها لا يفوت منها شيء وإذا أخفى التعوذ لم يعلم السامع بها إلا بعد أن فاته من المقروء شيء وهذا المعنى هو الفارق بين القراءة في الصلاة وخارجها‏.‏
قال‏:‏ واختلف المتأخرون في المراد بإخفائها فالجمهور على أن المراد به الإسرار فلا بد من التلفظ وإسماع نفسه‏.‏
وقيل الكتمان بأن يذكرها بقلبه بلا تلفظ‏.‏
قال‏:‏ وإذا قطع القراءة إعراضاً أوبكلام أجنبي ولورد السلام استأنفها أويتعلق بالقراءة فلا‏.‏
قال‏:‏ وهل هي سنة كفاية أوعين حتى لوقرأ جماعة جملة فهل يكفي استعاذة واحد منهم كالتسمية على الأكل أولا لم أر فيه نصاً‏.‏
والظاهر الثاني لأن المقصود اعتصام القارئ والتجاؤه بالله من شر الشيطان فلا يكون تعوذ واحد كافياً عن مسئلة وليحافظ على قراءة البسملة أول كل سورة غير براءة لأن أكثر العلماء على أنها آية فإذا أخل بها كان تاركاً لبعض الختمة عند الأكثرين فإن قرأ من أثناء سورة استحب له أيضاً نص عليه الشافعي فيما نقله العبادي‏.‏
قال القراء‏:‏ ويتأكد عند قراءة نحو {إليه يرد علم الساعة} {وهوالذي أنشأ جنات} لما في ذكر ذلك بعد الاستعاذة من البشاعة وإيهام رجوع الضمير إلى الشيطان‏.‏
قال ابن الجزري‏:‏ والابتداء بالآي وسط براءة قلّ من تعرض له وقد صرح بالبسملة فيه أبو الحسن السخاوي ورد عليه الجعبري‏.‏
مسئلة لا تحتاج قراءة القرآن إلى نية كسائر الأذكار إلا إذا أنذرها خارج الصلاة فلا بد من نية النذر أوالفرض ولوعين الزمان‏.‏
فلوتركها لم تجز نقله القمولى في الجواهر‏.‏
مسئلة يسن الترتيل في قراءة القرآن قال تعالى {ورتل القرآن ترتيلا} وروى أبوداود وغيره عن أم سلمة أنها نعتت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم قراءة مفسرة حرفاً حرفاً‏.‏
وفي البخاري عن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ كانت مداّ ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم وفي الصحيحين عن ابن مسعود أن رجلاً قال له‏:‏ إني أقرا المفصل في ركعة واحدة فقال‏:‏ هذا كهذا الشعر إن قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع‏.‏
وأخرج الآجري في جملة القرآن عن ابن مسعود قال‏:‏ لا تنثروه نثر الدقل ولا تهذوه هذا الشعر قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكون همّ أحدكم آخر السورة‏.‏
وأخرج من حديث ابن عمر مرفوعاً يقال لصاحب القرآن‏:‏ اقرأ وارق في الدرجات ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها قال في شرح المهذب‏:‏ واتفقوا على كراهة الإفراط في الإسراع‏.‏
قالوا‏:‏ وقراءة جزء بترتيل أفضل من قراءة جزءين في قدر ذلك الزمان بلا ترتيل‏.‏
قالوا‏:‏ واستحباب الترتيل لتدبر لأنه أقرب إلى الإجلال والتوقير وأشد تأثيراً في القلب ولهذا يستحب للأعجمي الذي لا يفهم معناه انتهى‏.‏
وفي النشر‏:‏ اختلف هل الأفضل الترتيل وقلة القراءة أوالسرعة مع كثرتها وأحسن بعض أئمتنا فقال‏:‏ إن ثواب قراءة التنزيل أجلّ قدراً وثواب الكثرة أكثر عدداً لأن بكل حرف عشر حسنات‏.‏
وفي البرهان للزركشي‏:‏ كمال الترتيل تفخيم ألفاظه والإبانة عن حروفه وأن لا يدغم حرف في حرف‏.‏
وقيل هذا أقله وأكمله أن يقرأه على من أزله فغن قرأ تهديداً لفظ به لفظ التهديد أوتعظيماً لفظ به على التعظيم‏.‏
مسئلة وتسن القراءة بالتدبر والتفهم فهوالمقصود الأعظم والمطلوب الأهم وبه تنشرح الصدر ووتستنير القلوب قال تعالى كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته‏.‏
وقال أفلا يتدبرون القرآن وصفة ذلك أن يشغل قلبه بالتفكر في معنى ما يلفظ به فيعرف معنى كل آية ويتأمل الأوامر والنواهي ويعتقد قبول ذلك فإن كان مما قصر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر وإذا مرّ بآية رحمة استبشر وسأل أوعذاب أشفق وتعوذّ أوتنزيه نزّه وعظم أودعاء تضرع وطلب‏.‏
أخرج مسلم عن حذيفة قال‏:‏ صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقرأها ثم النساء فقرأها ثم آل عمران فقرأها يقرا مترسلاً إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبح وإذا مرّ بسؤال سأل وإذا مرّ بتعوذ تعوذ‏.‏
وروى أبوداود والنسائي وغيرهما عن عوف بن مالك قال قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ‏.‏
وأخرج أبوداود والترمذي حديث من قرأ والتين والزيتون فانتهى إلى آخرها فليقل بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ومن قرأ لا أقسم بيوم القيامة فانتهى إلى آخرها أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى فليقل بلى ومن قرأ والمرسلات فبلغ فبأي حديث بعده يؤمنون فليقل آمنا بالله‏.‏
وأخرج أحمد وأبوداود عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ سبح اسم ربك الأعلى قال‏:‏ سبحان ربي الأعلى‏.‏
وأخرج الترمذي والحاكم عن جابر قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصحابة فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها فسكتوا فقال‏:‏ لقد قرأتها على الجن فكانوا أحسن مردوداً منكم كنت كلما أتيت على قوله فبأي آلاء ربكما تكذبان قالوا‏:‏ ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد‏.‏
وأخرج ابن مردويه والديلمي وابن أبي الدنيا في الدعاء وغيرهم بسند ضعيف جداً عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب}‏‏ الآية فقال‏:‏ اللهم أمرت بالدعاء وتكفلت بالإجابة لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك أشهد أنك فرد أحد صمد لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفواً حد وأشهد أن وعدك حق ولقاءك حق والجنة حق والنار حق والساعة آتية لا ريب فيها وأنك تبعث من في القبور‏.‏
وأخرج أبوداود وغيره عن وائل ابن حجر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ وال الضالين فقال‏:‏ آمين يمد بها صوته وأخرجه الطبراني بلفظ قال آمين ثلاث مرات‏.‏
وأخرجه البيهقي بلفظ قال‏:‏ رب اغفر لي آمين‏.‏
وأخرج أبو عبيد عن أبي ميسرة أن جبريل لقن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند خاتمة البقرة آمين‏.‏
وأخرج عن معاذ بن جبل أنه إذا كان ختم سورة البقرة قال آمين‏.‏
قال النووي‏:‏ ومن الآداب إذا قرأ نحو وقالت اليهود عزير ابن الله‏.‏
وقالت اليهود يد الله مغلولة أن يخفض بها صوته كذا كان النخعي يفعل‏.‏
مسئلة لا بأس بتكرير الآية وترديدها روى النسائي وغيره عن أبي ذرّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بآية يرددها حتى أصبح {إن تعذبهم فإنهم عبادك}‏ الآية‏.‏
مسئلة يستحب البكاء عند قراءة القرآن والتباكي لمن لا يقدر عليه والحزن والخشوع قال تعالى ويخرون للأذقان يبكون وفي الصحيحين حديث قراءة ابن مسعود على النبي صلى الله عليه وسلم وفيه فإذا عيناه تذرفان‏.‏
وفي الشعب للبيهقي عن سعد بن مالك مرفوعاً إن هذا القرآن نزل بحزن وكآبة فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا‏.‏
وفيه من مرسل عبد الملك بن عمير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني قارئ عليكم سورة فمن بكى فله الجنة فإن لم تبكوا فتباكوا‏.‏
وفي مسند أبي يعلي حديث اقرءوا القرآن بالحزن فإنه نزل بالحزن‏.‏
وعند الطبراني أحسن الناس قراءة من إذا قرأ القرآن يتحزن قال في شرح المهذب‏:‏ وطريق في تحصيل البكاء أن يتأمل ما يقرأ من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود ثم يفكر في تقصيره فيها فإن لم يحضره عند ذلك حزن وبكاء فليبك على فقد ذلك فإنه من المصائب‏.‏
مسئلة يسن تحسين الصوت بالقراءة وتزيينها لحديث ابن حبان وغيره زينوا القرآن بأصواتكم‏.‏
وفي لفظ عند الدرامي حسنوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً‏.‏
وأخرج البزار وغيره حديث حسن الصوت زينة القرآن وفيه أحاديث صحيحة كثيرة‏.‏
فإن لم يكن حسن الصوت حسنه ما استطاع بحيث لا يخرج إلى حد التمطيط‏.‏
وأما القراءة بالألحان فنص الشافعي في المختصر أنه لا بأس بها‏.‏
وعن رواية الربيع الجيزي أنها مكروهة‏.‏
قال الرافعي‏:‏ فقال الجمهور‏:‏ ليست على قولين بل المكروه أن يفرط في المذّ وفي إشباع الحركات حتى يتولد من الفتحة ألف ومن الضمة واوومن الكسرة ياء أويدغم في غير وضع الإدغام فإن لم ينته إلى هذا الحد فلا كراهة‏.‏
قال‏:‏ وفي زوائد الروضة‏:‏ والصحيح أن الإفراط على الوجه المذكور حرام يفسق به القارئ ويأثم المستمع لأنه عدل به عن نهجه القويم‏.‏
قال‏:‏ وهذا مراد الشافعي بالكراهة‏.‏
قلت‏:‏ وفيه حديث اقرءوا القرآن بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون أهل الكتابين وأهل الفسق فإنه سيجيء أقوام يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم أخرجه الطبراني والبيهقي‏.‏
قال النووي‏:‏ ويستحب طلب القراءة من حسن الصوت والإصغاء إليها للحديث الصحيح ولا بأس باجتماع الجماعة في القراءة ولا بإدارتها وهي أن يقرأ بعض الجماعة قطعة ثم البعض قطعة بعدها‏.‏
مسئلة يستحب قراءته بالتفخيم لحديث الحاكم نزل القرآن بالتفخيم قال الحليمي‏:‏ ومعناه أنه يقرؤه على قراءة الرجال ولا يخضع الصوت فيه ككلام النساء‏.‏
قال‏:‏ ولا يدخل في هذا كراهة الإمالة التي هي اختيار بعض القراء وقد يجوز أن يكون القرآن نزل بالتفخيم فرخص مع ذلك في الإمالة ما يحسن إمالته‏.‏
مسئلة وردت أحاديث تقتضي استحباب رفع الصوت بالقراءة وأحاديث تقتضي الإسرار وخفض الصوت‏.‏
فمن الأول حديث الصحيحين ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به ومن الثاني حديث أبي داود والترمذي والنسائي الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة‏.‏
قال النووي‏:‏ والجمع بينهما أن الإخفاء أفضل حيث خاف الرياء أوتأذى مصلون أونيام بجهره‏.‏
والجهر أفضل في غير ذلك لأن العمل فيه أكثر ولأن فائدته تتعدى إلى السامعين ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همه إلى الفكر ويصرف سمعه ويطرد النوم ويزيد في النشاط ويدل لهذا الجمع حديث أبي داود بسند صحيح عن أبي سعيد اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال‏:‏ ألا إن كلكم مناج لربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ يستحب الجهر ببعض القراءة والإسرار ببعضها لأن المسر قد يمل فيأنس بالجهر والجاهر قد يك فيستريح بالإسرار‏.‏
مسئلة القراءة في المصحف أفضل من القراءة من حفظه لأن النظر فيه عبادة مطلوبة‏.‏
وقال النووي‏:‏ هكذا قال أصحابنا والسلف أيضاً ولم أر فيه خلافاً‏.‏
قال‏:‏ ولوقيل إنه يختلف باختلاف الأشخاص فيختار القراءة فيه لمن استوى خشوعه وتدبره في حالة القراءة فيه ومن الحفظ ويختار القراءة من الحفظ لمن يكمل بذلك خشوعه ويزيد على خشوعه وتدبره لوقرأ من المصحف لكان هذا قولاً حسناً‏.‏
قلت‏:‏ ومن أدلة القراءة في المصحف ما أخرجه الطبراني والبيهقي في الشعب من حديث أوس الثقفي مرفوعاً قراءة الرجل في غير المصحف ألف درجة وقراءته في المصحف تضاعف ألفي درجة‏.‏
وأخرج أبو عبيد بسند صحيح فضل قراءة القرآن نظراً على ما يقرؤه ظاهراً كفضل الفريضة على النافلة‏.‏
وأخرج البيهقي عن ابن مسعود مرفوعاً من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف وقال‏:‏ إنه منكر‏.‏
وأخرج بسند حسن عنه موقوفاً أديموا النظر في المصحف‏.‏
وحكى الزركشي في البرهان ما بحثه النووي قولاً وحكى معه قولاً ثالثاً‏:‏ أن القراءة من الحفظ أفضل مطلقاً‏.‏
وأن ابن عبد السلام اختاره لأن فيه من التدبر ما لا يحصل بالقراءة في المصحف‏.‏
مسئلة قال في التبيان‏:‏ إذا أرتج على القارئ فلم يدر ما بعد الموضع الذي انتهى إليه فسأل عنه غيره فينبغي له أن يتأدب بما جاء عن ابن مسعود والنخعي وبشير بن أبي مسعود قالوا‏:‏ إذا سأل أحدكم أخاه عن آية فليقرأ ما قبلها ثم يسكت ولا يقول كيف كذا وكذا فإنه يلبس عليه انتهى‏.‏
وقال ابن مجاهد‏:‏ إذا شك القارئ في حرف هل هوبالتاء أوبالياء فليقرأه بالياء فإن القرآن مذكر وإن شك في حرف هل هومهموز أوغير مهموز فليترك الهمز وإن شك في حرف هل يكون موصولاً أومقطوعاً فليقرأ بالوصل وإن شك في حرف هل هوممدود أومقصور فليقرأ بالقصر وإن شك في حرف هل هومفتوح أومكسور فليقرأ بالفتح لأن الأول غير لحن في موضع والثاني لحن في بعض المواضع‏.‏
قلت‏:‏ أخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود قال‏:‏ إذا اختلفتم في ياء وتاء فاجعلوها ياء ذكروا القرآن‏.‏
فهم منه ثعلب أن ما احتمل تذكيره وتأنيثه مكان تذكيره أجود‏.‏
وردّ بأنه يمتنع إرادة تذكير غير الحقيقي التأنيث لكثرة ما في القرآن منه بالتأنيث نحو‏:‏ {النار وعدها الله}‏.‏
{والتفت الساق بالساق}‏.‏
{قالت لهم رسلهم}‏.‏
وإذا امتنع إرادة غير الحقيقي فالحقيقي أولى‏.‏
قالوا‏:‏ ولا يستقيم إرادة أن ما احتمل التذكير والتأنيث غلب فيه التذكير كقوله تعالى {والنخل باسقات} {أعجاز نخل خاوية} فأنث مع جواز التذكير قال تعالى {أعجاز نخل منقعر} {من الشجر الأخضر} قالوا‏:‏ فليس المراد ما فهم بل المراد يذكروا الموعظة والدعاء كما قال تعالى {فذكر بالقرآن} إلا أنه حذف الجار والمقصود‏:‏ ذكروا الناس بالقرآن‏:‏ أي ابعثوهم على حفظه كيلا ينسوه‏.‏
قلت‏:‏ أول الأثر يأبى هذا الحمل‏.‏
وقال الواحدي‏:‏ الأمر ما ذهب إليه ثعلب والمراد أنه إذا احتمل اللفظ التذكير والتأنيث ولم يحتج في التذكير إلى مخالفة المصحف ذكر نحو ولا تقبل منها شفاعة قال‏:‏ ويدل على إرادة هذا أن أصحاب عبد الله من قراء الكوفة كحمزة والكسائي ذهبوا إلى هذا فقرءوا من هذا القبيل بالتذكير نحو يوم شهد عليهم ألسنتهم وهذا في غير الحقيقي‏.‏
مسئلة يكره قطع القراءة لمكالمة أحد‏.‏
قال الحليمي‏:‏ لأن كلام الله لا ينبغي أن يؤثر عليه كلام غيره وأيده البيهقي بما في الصحيح‏:‏ كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه‏.‏
ويكره أيضاً الضحك والعبث والنظر إلى ما يلهي‏.‏
مسئلة لا يجوز قراءة القرآن بالعجمية مطلقاً سواء أحسن العربية أم لا في الصلاة أم خارجها‏.‏
وعن أبي حنيفة أنه يجوز مطلقاً‏.‏
وعن أبي يوسف ومحمد‏:‏ لمن لا يحسن العربي لكن في شارح البزدوي أن أبا حنيفة رجع عن ذلك‏.‏
ووجه المنع أنه يذهب إعجازه المقصود منه‏.‏
وعن القفال من أصحابنا‏:‏ إن القراءة بالفارسية لا تتصور قيل له‏:‏ فإذا لا يقدر أحد أن يفسر القرآن قال‏:‏ ليس كذلك لأن هناك يجوز أن يأتي ببعض مراد الله ويعجز عن البعض‏.‏
أما إذا أراد أن يقرأه بالفارسية فلا يمكن أن يأتي بجميع مراد الله تعالى لأن الترجمة إبدال لفظة بلفظة تقوم مقامها وذلك غير ممكن بخلاف التفسير‏.‏
مسئلة لا تجوز القراءة بالشاذ نقل ابن عبد البر الإجماع على ذلك لكن ذكر موهوب الجزري جوازها في غير الصلاة قياساً على رواية الحديث بالمعنى‏.‏
مسئلة الأولى أن يقرأ على ترتيب المصحف‏.‏
قال في شرح المهذب‏:‏ لأن ترتيبه لحكمة فلا يتركها إلا فيما ورد فيه الشرع كصلاة صبح يوم الجمعة بآلم تنزيل وهل أتى ونظائره فلوفرق السور أوعكسها جاز وترك الأفضل‏.‏
قال‏:‏ وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فمتفق على منعه لأن يذهب بعض نوع الإعجاز ويزيل حكمة الترتيب‏.‏
قلت‏:‏ وفيه أثر‏.‏
أخرج الطبراني بسند جيد عن ابن مسعود أنه سئل عن رجل يقرأ القرآن منكوساً قال‏:‏ ذاك منكوس القلب‏.‏
وأما خلط سورة بسورة فعد الحليمي تركه من الآداب لما أخرجه أبو عبيد عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ ببلال وهويقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة فقال‏:‏ يا بلال مررت بك وأنت تقرأ من هذه السورة ومن هذه السورة قال‏:‏ اخلط الطيب بالطيب فقال‏:‏ إقرأ السورة على وجهها أوقال على نحوها مرسل صحيح وهوعند أبي داود موصول عن أبي هريرة بدون آخره‏.‏
وأخرجه أبو عبيد من وجه آخر عن عمر مولى عفرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال‏:‏ إذا قرأت السورة فانفذها وقال‏:‏ حدثنا معاذ عن ابن عوف قال‏:‏ سالت تبن سيرين عن الرجل يقرأ من السورة آيتين ثم يدعها ويأخذ في غيرها‏.‏
قال‏:‏ ليتق أحدكم أن يأثم إثماً مبيراً وهولا يشعر‏.‏
وأخرج عن ابن مسعود قال‏:‏ إذا ابتدأت في سورة فأردت أن تتحول منها إلى غيرها فتحول إلى قل هو الله أحد فإذا ابتدأت فيها فلا تتحول حتى تختمها‏.‏
وأخرج عن ابن أبي الهذيل قال‏:‏ كانوا يكرهون أن يقرءوا بعض الآية ويدعوا بعضها‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ الأمر عندنا على كراهة قراءة الآيات المختلفة كما أنكر رسول الله صلى لله عليه وسلم على بلال وكما أنكره ابن سيرين‏.‏

وأما حديث عبد الله فوجهه عندي أن يبتدئ الرجل في السورة يريد إتمامها ثم يبدوله في أخرى‏.‏
فأما من ابتدأ القراءة وهويريد التنقل من آية إلى آية وترك التأليف لآي القرآن فإنما يفعله من لا علم له لأن الله لوشاء لأنزله على ذلك انتهى‏.‏
وقد نقل القاضي أبو بكر الإجماع على عدم جواز قراءة آية آية من كل سورة‏.‏
قال البيهقي‏:‏ وأحسن ما يحتج به أن يقال إن هذا لتأليف لكتاب الله مأخوذ من جهة النبي صلى الله عليه وسلم وأخذه عن جبريل فالأولى للقارئ أن يقرأه على التأليف المنقول‏.‏
وقد قال ابن سيرين‏:‏ تأليف الله خير من تأليفكم‏.‏
مسئلة قال الحليمي‏:‏ يسن استيفاء كل حرف أثبته قارئ ليكون قد أتى على جميع ما هوقرآن‏.‏
وقال ابن الصلاح والنووي‏:‏ إذا ابتدأ بقراءة أحد من القراء فينبغي أن لا يزال على تلك القراءة ما دام الكلام مرتبطاً فغذا انقضى ارتباطه فله أن يقرأ بقراءة أخرى والأولى دوامة على الأولى في هذا المجلس‏.‏
وقال غيرهما بالمنع مطلقاً‏.‏
قال ابن الجزري‏:‏ والصواب أن يقال‏:‏ إن كانت إحدى الطريقتين مرتبطة على الأخرى منع ذلك منع تحريم كمن يقرأ فتلقى آدم من ربه كلمات برفعهما أونصبهما أخذ رفع آدم من قراءة غير ابن كثير ورفع كلمات من قراءته ونحوذلك مما لا يجوز في العربية واللغة وما لم يكن كذلك فرق فيه بين مقام الرواية وغيرهما فإن كان على سبيل الرواية حرم أيضاً لأنه كذب في الرواية وتخليط وإن كان على سبيل التلاوة جاز‏.‏
مسئلة يسن الاستماع لقراءة القرآن وترك اللغط والحديث بحضور القراءة قال تعالى وإذا قرئ مسئلة يسن السجود عند قراءة آية السجدة وهي أربع عشرة في الأعراف والرعد والنحل والإسراء ومريم وفي الحج سجدتان والفرقان والنمل وآلم تنزيل وفصلت والنجم وإذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك وأما ص فمستحبة وليست من عزائم السجود‏:‏ أي متأكداته‏.‏
وزاد بعضهم آخر الحجر نقله ابن الغرس في أحكامه‏.‏
مسئلة قال النووي‏:‏ الأوقات المختارة للقراءة أفضلها ما كان في الصلاة ثم الليل ثم نصفه الأخير وهي بين المغرب والعشاء محبوبة وأفضل النهار بعد الصبح ولا تكره في شيء من الأوقات لمعنى فيه‏.‏
وأما ما رواه ابن أبي داود عن معاذ بن رفاعة عن مشايخه أنهم كرهوا القراءة بعد العصر وقالوا هودراسة يهود فغير مقبول ولا أصل له ونختار من الأيام عرفة يوم الجمعة ثم الإثنين ثم الخميس ومن الأعشار العشر الأخير من رمضان والأول من ذي الحجة ومن الشهور رمضان ونختار لابتدائه ليلة الجمعة ونختمه ليلة الخميس فقد روى ابن أبي داود عن عثمان بن عفان أنه كان يفعل ذلك والأفضل الختم أول النهار أوأول الليل لما رواه الدارمي بسند حسن عن سعد بن أبي وقاص قال‏:‏ إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح وإن وافق ختمه أول النهار صلت عليه الملائكة حتى يمس قال في الإحياء‏:‏ ويكون الختم أول النهار في ركعتي الفجر وأول الليل في ركعتي سنة المغرب‏.‏
وعن ابن المبارك‏:‏ يستحب الختم في الشتاء أول مسئلة يسن صوم يوم الختم‏.‏
أخرجه ابن أبي داود عن جماعة من التابعين وأن يحضر أهله وأصدقاءه‏.‏
أخرج الطبراني عن أنس أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا‏.‏
وأخرج ابن أبي داود عن الحكم ابن عتيبة قال‏:‏ أرسل إلى مجاهد وعنده ابن أبي أمامة وقالا‏:‏ إنا أرسلناك إليك لأنا أردنا أن نختم القرآن والدعاء يستجاب عند ختم القرآن‏.‏
وأخرج عن مجاهد قال‏:‏ كانوا يجتمعون عند ختم القرآن ويقول عنده تنزل الرحمة‏.‏
مسئلة يستحب التكبير من الضحى إلى آخر القرآن وهي قراءة الكيين‏.‏
أخرج البيهقي في الشعب وابن خزيمة من طريق ابن أبي بزة‏:‏ سمعت عكرمة بن سليمان قال‏:‏ قرأت على إسماعيل بن عبد الله المكي فلما بلغت الضحى قال‏:‏ كبر حتى تختم فإني قرأت على عبد الله بن كثير فأمرني بذلك وقال‏:‏ قرأت على محمد فأمرني بذلك‏.‏
وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس فأمره بذلك‏.‏
وأخبر ابن عباس أنه قرأ على أبيّ بن كعب فأمره بذلك كذا أخرجناه موقوفاً‏.‏
ثم أخرجه البيهقي من وجه آخر عن ابن أبي بزة مرفوعاً‏.‏
وأخرجه من هذا الوجه‏:‏ أعني المرفوع الحاكم في مستدركه وصححه وله طرق كثيرة عن البزي‏.‏
وعن موسى بن هارون قال‏:‏ قال لي البزي‏:‏ قال لي محمد بن إدريس الشافعي‏:‏ إن تركت التكبير فقدت سنة من سنن نبيك‏.‏
قال الحافظ عماد الدين بن كثير‏:‏ وهذا يقتضي تصحيحه للحديث‏.‏
وروى أبو العلاء الهمذاني عن البزي أن الأصل في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم انقطع عنه الوحي فقال المشركون‏:‏ قلا محمداً ربه فنزلت سورة الضحى فكبر النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏
قال ابن كثير‏:‏ ولم يرد ذلك بإسناد يحكم عليه بصحة ولا ضعف‏.‏
وقال الحليمي‏:‏ نكتة التكبير التشبيه للقراءة بصوم رمضان إذا أكمل عدته يكبر فكذا هنا يكبر إذا أكمل عدة السورة‏.‏
قال‏:‏ وصفته أن يقف بعد كل سورة وقفة ويقول الله أكبر‏.‏
وكذا قال سليم الرازي من أصحابنا في تفسيره‏:‏ يكبر بين كل سورتين تكبيرة ولا يصل آخر السورة بالتكبير بل يفصل بينهما بسكتة‏.‏
قال‏:‏ ومن لا يكبر ن القراء حجتهم أن في ذلك ذريعة إلى الزيادة في القرآن بأن يداوم عليه فيتوهم أنه منه‏.‏
وفي النشر اختلف القراء في ابتدائه هل هومن أول الضحى أومن آخرها وفي انتهائه هل هوأول سورة الناس أوآخرها وفي وصله بأولها أوآخرها وقطعه والخلاف في الكل مبني على أصل وهوانه هل هولأول السورة أولآخرها وفي لفظه فقيل الله أكبر وقيل لا إله إلا الله والله اكبر وسواء في التكبير في الصلاة وخارجها صرح به السخاوي وأبو شامة‏.‏
مسئلة يسن الدعاء عقب الختم لحديث الطبراني وغيره عن العرباض بن سارية مرفوعاً من ختم القرآن فله دعوة مستجابة وفي الشعب من حديث أنس مرفوعاً من قرأ القرآن وحمد الرب وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم واستغفر ربه فقد طلب الخير مكانه‏.‏
مسئلة يسن إذا فرغ من الختمة أن يشرع في أخرى عقب الختم لحديث الترمذي وغيره أحب الأعمال إلى الله الحال المرتحل الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما أحل ارتحل‏.‏
وأخرج الدارمي بسند حسن عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب أ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ قل أعوذ برب الناس افتتح من الحمد ثم قرأ من البقرة إلى وأولئك هم المفلحون ثم دعا بدعاء الختمة ثم قام‏.‏
مسئلة عن الإمام أحمد أنه منع من تكرير سورة الإخلاص عند الختم لكن عمل الناس على خلافه قال بعضهم والحكمة فيه ما ورد أنها تعدل ثلث القرآن فيحصل بذلك ختمة‏.‏
فإن قيل‏:‏ فكان ينبغي أن تقرأ أربعاً ليحصل له ختمتان‏.‏
قلنا‏:‏ المقصود أن يكون على يقين من حصول ختمة إما التي قرأها وإما التي حصل ثوابها بتكرير السورة انتهى‏.‏
قلت‏:‏ وحاصل ذلك يرجع إلى جبر ما لعله حصل في القراءة من خلل وكما قاس الحليمي التكبير عند الختم على التكبير عند إكمال رمضان أن يقاس تكرير سورة الإخلاص على أتباع رمضان بست من شوال‏.‏
مسئلة يكره اتخاذ القرآن معيشة يتكسب بها‏.‏
وأخرج الآجري من حديث عمران بن الحصين مرفوعاً من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه سيأتي قوم يقرءون القرآن يسألون الناس به‏.‏
وروى البخاري في تاريخه الكبير بسند صالح حديث من قرأ القرآن عند ظالم ليرفع منه لعن بكل
مسئلة يكره أن يقول نسيت آية كذا بل أنسيتها لحديث الصحيحين في النهي عن ذلك‏.‏
مسئلة الأئمة الثلاثة على وصول ثواب القراءة للميت ومذهبنا خلافه لقوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى‏.‏
فصل‏:‏ في الاقتباس وما جرى مجراه الاقتباس تضمين الشعر أوالنثر بعض القرآن لا على أنه منه بأن لا يقال فيه قال اله تعالى ونحوه فإن ذلك حينئذ لا يكون اقتباساً وقد اشتهر عن المالكية تحريمه وتشديد النكير على فاعله‏.‏
وأما أهل مذهبنا فلم يتعرض له المتقدمون ولا أكثر المتأخرين مع شيوع الاقتباس في أعصارهم واستعمال الشعراء له قديماً وحديثاً وقد تعرض له جماعة من المتأخرين فسئل عنه الشيخ عز الدين بن عبد السلام فأجازه واستدل له بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من قوله في الصلاة وغيرها وجهت وجهي إلخ وقوله اللهم فالق إلا صباح وجاعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً أقض عني الدين وأغنني من الفقر‏.‏
وفي سياق كلام لأبي بكر‏:‏ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون‏.‏
وفي آخر حديث لابن عمر قد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة انتهى‏.‏
وهذا كله إنما يدل على جوازه في مقام المواعظ والثناء والدعاء وفي النثر ولا دلالة فيه على جوازه في الشعر وبينهما فرق‏.‏
فإن القاضي أبا بكر من المالكية صرح بأن تضمينه في الشعر مكروه وفي النثر جائز‏.‏
واستعمله أيضاً في النثر القاضي عياض في مواضع من خطبة الشفاء‏.‏
وقال اشرف إسماعيل بن المقري اليمني صاحب مختصر الروضة في شرح بديعته‏:‏ ما كان منه في الخطب والمواعظ ومدحه صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ولوفي النظم فهومقبول وغيره مردود‏.‏
وفي شرح بديعته من حجة الاقتباس‏:‏ ثلاثة أقسام‏:‏ مقبول ومباح ومردود‏.‏
فالأول ما كان في الخطب والمواعظ والعهود والثاني ما كان في الغزل والرسائل والقصص والثالث على ضربين‏:‏ أحدهما ما نسبه الله إلى نفسه ونعوذ بالله ممن ينقله إلى نفسه كما قيل عن أحد بني مروان أنه وقع على مطالعة فيها شكاية عماله إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم والآخر تضمين آية في معنى هزل ونعوذ بالله من ذلك كقوله‏:‏ أرخى إلى عشاقه طرفه هيهات هيهات لما توعدون وردفه ينطق من خلفه لمثل هذا فليعمل العاملون انتهى‏.‏
قلت‏:‏ وهذا التقسيم حسن جداً وبه أقول‏.‏
وذكر الشيخ تاج الدين ابن السبكي في طبقاته في ترجمة الإمام أبي منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي من كبار الشافعية وأجلائهم أن من شعره قوله‏:‏ يا من عدى ثم اعتدى ثم اقترف ثم انتهى ثم ارعوى ثم اعترف أبشر بقول الله في آياته إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وقال استعمال مثل الأستاذ أبي منصور مثل هذا الاقتباس في شعره له فائدة فإنه جليل القدر والناس ينهون عن هذا وربما أدى بحث بعضهم إلى أنه لا يجوز‏.‏
وقيل إن ذلك إنما يفعله من الشعراء الذين هم في كل واد يهيمون ويثبون على الألفاظ وثبة من لا يبالي‏.‏
وهذا الأستاذ أبومنصور من أئمة الدين وقد فعل هذا وأسند عنه هذين البيتين الأستاذ أبو القاسم بن عساكر‏.‏
قلت‏:‏ ليس هذان البيتان من الاقتباس لتصريحه بقول الله وقد قدمنا أن ذلك خارج عنه‏.‏
وأما أخوه الشيخ بهاء الدين فقال في عروس الأفراح‏:‏ الورع اجتناب ذلك كله وأن ينزه عن مثله كلام الله ورسوله‏.‏
قلت‏:‏ رأيت استعمال الاقتباس لأئمة أجلاء منهم الإمام أبو القاسم الرافعي وأنشده في أماليه ورواه عنه أئمة كبار‏:‏ الملك لله الذي عنت الوجو ه له وذلت عنده الأرباب متفرد بالملك والسلطان قد خسر الذين تجاذبوه وخابوا دعهم وزعم الملك يوم غرورهم فسيعلمون غداً من الكذاب وروى البيهقي في شعب الإيمان عن شيخه أبي عبد الرحمن السلمى قال‏:‏ أنشدنا أحمد بن محمد بن يزيد لنفسه‏:‏ سل الله من فضله واتقه فإن التقي خير ما تكتسب ويقرب من الاقتباس شيئان أحدهما‏:‏ قراءة القرآن يراد بها الكلام‏.‏
قال النووي في التبيان‏:‏ ذكر ابن أبي داود في هذا اختلافاً فروى عن النخعي أنه كان يكره أن يتأول القرآن بشيء يعرض من أمر الدنيا‏.‏
وأخرج عن عمر بن الخطاب أنه قرأ في صلاة المغرب بمكة والتين والزيتون وطور سنين ثم رفع صوته فقال‏:‏ وهذا البلد الأمين‏.‏
وأخرج عن حكيم بن سعد‏:‏ أن رجلاً من المحكمة أتى علياً وهوفي صلاة الصبح فقال‏:‏ لئن أشركت ليحبطن عملك فأجابه في الصلاة فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون انتهى‏.‏
وقال غيره‏:‏ يكره ضرب الأمثال من القرآن صرح به من أصحابنا العماد البيهقي تلميذ البغوي كما نقله ابن الصلاح في فوائد رحلته‏.‏
الثاني‏:‏ التوجيه بالألفاظ القرآنية في الشعر وغيره وهوجائز بلا شك‏.‏
وروينا عن الشريف تقي الدين الحسيني أنه لما نظم قوله‏:‏ مجاز حقيقتها فاعبروا ولا تعمروا هونوهاتهن وما حسن بيت له زخرف تراه إذا زلزلت لم يكن خشي أن يكون ارتكب حراماً لاستعماله هذه الألفاظ القرآنية في الشعر فجاء إلى شيخ الإسلام تقي الدين ابن دقيق العيد يسأله عن ذلك فأنشده إياهما فقال له‏:‏ قل وما حسن كهف فقال‏:‏ يا سيدي أفدتني وأفتيتني خاتمة قال الزركشي في البرهان‏:‏ لا يجوز تعدي أمثلة القرآن ولذلك أنكر على الحريري قوله فأدخلني بيناً أخرج من التابوت وأوهي من بيت العنكبوت وأي معنى أبلغ من معنى أكده الله من ستة أوجه حيث قال وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت فأدخل إن وبنى أفعل التفضيل وبناه من الوهن وأضافه إلى الجمع وعرف الجمع باللام وأتى في خبر إن باللام لكن استشكل هذا بقوله تعالى إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بما دون البعوضة فقال لوكانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة‏.‏
قلت‏:‏ قد قال قوم في الآية إن معنى فما فوقها في الخسة وعبر بعضهم عن هذا بقوله‏:‏ فما دونها فزال الإشكال
*******************