النوع الأربعون في معرفة معاني الأدوات التي يحتاج إليها المفسر أ
 
وأعني بالأدوات الحروف وما شاكلها من الأسماء والأفعال والظروف‏.‏
اعلم أن معرفة ذلك من المهمات المطلوبة لاختلاف مواقعها ولهذا يختلف الكلام والاستنباط بحسبها كما في قوله تعالى {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} فاستعملت على في جانب الحق وفي جانب الضلال لأن صاحب الحق مستعمل يصرف نظره كيف شاء وصاحب الباطل كأنه منغمس في ظلام منخفض لا يدري أين يتوجه‏.‏
وقوله تعالى {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه وليتلطف} عطف على الجمل الأول بالفاء والأخيرة بالواوولما انقطع نظام الترتيب لأن التلطف غير مرتب على الإتيان بالطعام كما كان الإتيان به مترتباً على النظر فيه مترتباً على التوجه في طلبه والتوجه في طلبه مترتباً على قطع الجدال في المسئلة عن مدة اللبث وتسليم العلم له تعالى‏.‏
وقوله تعالى {إنما الصدقات للفقراء} الآية عدل عن اللام إلى في الأربعة الأخيرة إيذاناً إلى أنهم أكثر استحقاقاً للمتصدق عليهم بمن سبق ذكره باللام لأن في الوعاء فنبه باستعمالها على أنهم أحقاء بأن يجعلوا مظنة لوضع الصدقات فيهم كما يوضع الشيء في وعاء مستقر فيه‏.‏
وقال الفارسي‏:‏ إنما قال في الرقاب ولم يقل للرقاب ليدل على أن العبد لا يملك‏.‏
وعن ابن عباس قال‏:‏ الحمد لله الذي قال عن صلاتهم ساهون ولم يقل في صلاتهم وسيأتي ذكر كثير من أشباه ذلك وهذا مردها مرتب على حروف المعجم وقد أفرد هذا النوع بالتصنيف خلائق من المتقدمين كالهروي في الأزهية والمتأخرين كابن أم قاسم في الجني الداني‏.‏
الهمزة تأتي على وجهين‏.‏
أحدهما‏:‏ الاستفهام وحقيقته طلب الإفهام وهي أصل أدواته ومن ثم اختصت بأمور‏.‏
أحدها‏:‏ جواز حذفها كما سيأتي في النوع السادس والخمسين‏.‏
ثانيها‏:‏ أنها ترد لطلب التصور والتصديق بخلاف هل فإنها لتصديق خاصة وسائر الأدوات للتصور خاصة‏.‏
ثالثها‏:‏ أنها تدخل على الإثبات نحو أكان للناس عجباً‏.‏
آلكرين حرم وعلى النفي نحو ألم نشرح وتفيد حينئذ معنيين‏:‏ أحدهما التذكير والتنبيه كالمثال المذكور وكقوله تعالى ألم تر إلى ربك كيف مد الظل والآخر التعجب من الأمر العظيم كقوله تعالى {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} وفي كلا الحالين هي تحذير نحو {ألم نهلك الأولين} رابعها‏:‏ تقديمها على العاطف تنبيهاً على أصالتها في التصدير نحو أوكلما عاهدوا عهداً‏.‏
أفأمن أهل القرى أثم إذا ما وقع وسائر أخواتها يتأخر عنه كما هوقياس جميع أجزاء الجملة المعطوفة نحو {فكيف تتقون}‏.‏
فأين تذهبون‏.‏
{فأنى تؤفكون}‏.‏
فهل يهلك‏.‏
فأي الفريقين‏.‏
فمالكم في المنافقين‏.‏
خامسها‏:‏ أنه لا يستفهم بها حتى يهجس في النفس إثبات ما يستفهم عنه بخلاف هل فإنه لما يترجح عنده فيه نفي ولا إثبات حكاه أبوحيان عن بعضهم‏.‏
سادسها‏:‏ أنها تدخل على الشرط نحو إفإن مت فهم الخالدون أفإن مات أوقتل انقلبتم بخلاف غيرها‏.‏
وتخرج عن الاستفهام الحقيقي فتأتي لمعان تذكر في النوع السابع والخمسين‏.‏
فائدة إذا دخلت على رأيت امتنع أن تكون من رؤية البصر أوالقلب وصار بمعنى أخبرني قنبل وقد تبدل هاء وخرج على ذلك قراءة قنبل ها انتم هؤلاء بالقصر وقد تقع في القسم‏.‏
ومنه مما قرئ ولا نكنم شهادة بالتنوين الله بالمد الثاني من وجهي الهمزة أن تكون حرفاً ينادي به القريب وجعل منه القراءة قوله تعالى أمن هوقانت آناء الليل على قراءة تخفيف الميم‏:‏ أي يا صاحب هذه الصفات‏.‏
قال ابن هشام‏:‏ ويبعده أنه ليس في التنزيل نداء بغير يا ويقربه سلامته من دعوى المجاز إذ لا يكون الاستفهام منه تعالى على حقيقته ومن دعوى كثرة الخوف إذا التقدير عند من جعلها للاستفهام‏:‏ أمن هوقانت خير أم هذا الكافر‏:‏ أي المخاطب بقوله ‏{قل تمتع بكفرك قليلاً} فحذف شيئان‏:‏ معادل الهمزة والخبر‏.‏
أحد قال أبوحاتم في كتاب الزينة‏:‏ هواسم أكمل من الواحد ألا ترى أنك إذا قلت فلان لا يقوم له واحد جاز في المعنى أن يقوم اثنان فأكثر لخلاف قولك لا يقوم له أحد‏.‏
وفي الأحد خصوصية ليست في الواحد تقول ليس في الدار واحد فيجوز أن يكون من الدواب والطير والوحش والإنس فيعم الناس وغيرهم بخلاف ليس في الدار أحد فإنه مخصوص بالآدميين دون غيرهم‏.‏
قال‏:‏ ويأتي الأحد في كلام العرب بمعنى الأول وبمعنى الواحد فيستعمل في الإثبات وفي النفي نحو قل هو الله أحد أي واحد وأول فابعثوا أحدكم بورقكم وبخلافهما فلا يستعمل إلا في النفي وتقول‏:‏ ما جاءني من أحد ومنه أيحسب أن لن يقدر عليه أحد‏.‏
أن لم يره أحد‏.‏
فما منكم من أحد‏.‏
ولا تصل على أحد وواحد يستعمل فيهما مطلقاً وأحد يستوي فيه المذكر والمؤنث قال تعالى لستن كأحد من النساء بخلاف الواحد فلا يقال كواحد من النساء بل كواحدة‏.‏
وأحد يصلح في الإفراد والجمع‏.‏
قلت‏:‏ ولهذا وصف به في قوله تعالى {فما منكم من أحد عنه حاجزين} بخلاف الواحد والأحد له جمع من لفظه وهوالأحدون والآحاد وليس للواحد جمع من لفظه فلا يقال واحدون بل اثنان وثلاثة‏.‏
والأحد ممتنع الدخول في الضرب والعدد والقسمة وفي شيء من الحساب بخلاف الواحد انتهى ملخصاً‏.‏
وقد تحصل من كلامه بينهما سبعة فروق‏.‏
وفي أسرار التنزيل للبارزي في سورة الإخلاص‏.‏
فإن قيل‏:‏ المشهور في كلام العرب أن الأحد يستعمل بعد النفي والواحد بعد الإثبات‏.‏
قلنا‏:‏ قد اختار أبو عبيد أنهما بمعنى واحد وحينئذ فلا يختص أحدهما بمكان دون الآخر وإن غاب استعمال أحد في النفي‏.‏
ويجوز أن يكون العدول هنا عن الغالب رعاية للفواصل انتهى‏.‏
وقال الراغب في مفردات القرآن‏:‏ أحد يستعمل على ضربين‏:‏ أحدهما في النفي فقط‏.‏
والآخر في الإبات‏.‏
فالأول لاستغراق جنس الناطقين ويتناول الكثير والقليل ولذلك صح أن يقال ما من أحد فاضلين كقوله تعالى {فما منكم من أحد عنه حاجزين} والثاني على ثلاثة أوجه‏:‏ الأول المستعمل في العدد مع العشرات نحوأحد عشر وأحد وعشرون‏.‏
والثاني المستعمل مضافاً إليه بمعنى الأول نحو {أما أحدكما فيسقي ربه خمراً} والثالث المستعمل وصفاً مطلقاً ويختص بوصف الله نحو {قل هو الله أحد} وأصله وحد إلا أن وحداً يستعمل في غيره أه‏.‏
إذ ترد على أوجه‏.‏
أحدها‏:‏ أن تكون اسماً للزمن الماضي وهوالغالب ثم قال الجمهور‏:‏ لا تكون إلا ظرفاً نحو {فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا} أومضافاً إليها الظرف نحو بعد إذ هديتنا‏.‏
يومئذ تحدث‏.‏
وأنتم حينئذ تنظرون وقال غيرهم‏:‏ تكون مفعولاً به نحو {واذكروا إذ كنتم قليلاً} وكذا المذكورة في أوائل القصص كلها مفعول به بتقدير اذكروا بدلاً منه نحو {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت} فإذ بدل اشتمال من مريم على حد البدل في يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه‏.‏
اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء أي اذكروا النعمة التي هي الجعل المذكور فهي بدل كل من كل والجمهور يجعلونها في الأول ظرفاً لمفعول محذوف‏:‏ أي واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم قليلاً‏.‏
وفي الثاني ظرف لمضاف إلى مفعول محذوف‏:‏ أي واذكر قصة مريم ويؤيد ذلك التصريح له في {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء}‏.‏
وذكر الزمخشري أنها تكون مبتدأ وخرج عليه قراءة بعضهم لمن من الله على المؤمنين قال‏:‏ التقدير منه إذ بعث فإذ في محل رفع كإذا في قولك أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائماً‏:‏ أي لمن من الله على المؤمنين وقت بعثه انتهى‏.‏
قال ابن هشام‏:‏ ولا نعلم بذلك قائلاً‏.‏
وذكر كثير أنها تخرج عن المضي إلى الاستقبال نحو يومئذ تحدث أخبارها والجمهور أنكروا ذلك وجعلوا الآية من باب ونفخ في الصور‏:‏ أعني من تنزيل المستقبل الواقع منزلة الماضي الواقع‏.‏
واحتج المثبتون منهم ابن مالك بقوله تعالى فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم فإن يعلمون مستقبل لفظاً ومعنى لدخول حرف التنفيس عليه وقد عمل في إذ فيلزم أن تكون بمنزلة إذا وذكر بعضهم أنها تأتي للحال نحو {ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه} أي حين تفيضون فيه‏.‏
فائدة أخرج ابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك قال‏:‏ ما كان في القرآن إن بكسر الألف فلم يكن وما كان إذ فقد كان‏.‏
الوجه الثاني‏:‏ أن تكون للتعليل نحو {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون} أي ولن ينفعكم اليوم إشراككم في العذاب لأجل ظلمكم في الدنيا‏.‏
وهل هي حرف بمنزلة لام العلة أوظرف بمعنى وقت والتعليل مستفاد من قوة الكلام لا من اللفظ قولان المنسوب إلى سيبويه الأول وعلى الثاني في الآية إشكال لأن إذ لا تبدل من اليوم لاختلاف الزمانين ولا تكون ظرفاً لينفع لأنه لا يعمل في ظرفين ولا المشتركون لأن معمول خبر إن وأخواتها لا يقدم عليها ولأن معمول الصلة لا يتقدم على الموصول ولأن إشراكهم في الآخرة لأن في ظلمهم ومما حمل على التعليل وإذ لم يهدوا به فسيقولون هذا إفك قديم وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف وأنكر الجمهور هذا القسم وقالوا‏:‏ التقدير بعد إذ ظلمتم‏.‏
وقال ابن جني‏:‏ راجعت أبا علي مراراً في قوله تعالى {ولن ينفعكم اليوم}‏الآية مستشكلاً إبدال إذ من اليوم فآخر ما تحصل منه أن الدنيا والآخرة متصلتان وأنهما في حكم الله سواء فكان اليوم ماض انتهى‏.‏
الوجه الثالث‏:‏ التوكيد بأن تحمل على الزيادة قاله أبو عبيد وتبعه ابن قتيبة وحملا عليه آيات منها وإذ قال ربك للملائكة‏.‏
الرابع‏:‏ التحقيق كقد وحملت عليه الآية المذكورة وجعل منه السهيلي قوله ‏{بعد إذ أنتم مسلمون} قال ابن هشام‏:‏ وليس القولان بشيء‏.‏
مسئلة تلزم إذ الإضافة إلى جملة‏:‏ إما تسمية نحواذكروا إذ أنتم قليل أوفعلية فعلها ماض لفظاً ومعنى نحو وإذ قال ربك للملائكة‏.‏
{وإذ ابتلى إبراهيم ربه} أومعنى لفظاً نحو {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه} وقد اجتمعت الثلاثة في قوله تعالى {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه} وقد تحذف الجملة للعلم بها ويعوض عنها التنوين وتكسر الذال لالتقاء الساكنين نحو ويومئذ يفرح المؤمنون‏.‏
{وأنتم حينئذ تنظرون} وزعم الأخفش أن في ذلك معربة لزوال افتقارها إلى الجملة وأن الكسرة إعراب لأن اليوم والحين مضاف إليها‏.‏
ورد بأن بناءها لوضعها على حرفين وبأن الافتقار باق في المعنى كالموصول تحذف صلته‏.‏
إذا على وجهين‏.‏
أحدهما‏:‏ أن تكون للمفاجأة فتختص بالجمل الاسمية ولا تحتاج لجواب ولا تقع في الابتداء ومعناها الحال لا الاستقبال نحو فألقاها فإذا هي حية تسعى‏.‏
فلما أنجاهم إذا هم يبغون‏.‏
وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قال ابن الحاجب‏:‏ ومعنى المفاجأة حضور الشيء معك في وصف من أوصافك الفعلية تقول‏:‏ خرجت فإذ الأسد بالباب فمعناه‏:‏ حضور الأسد معك في زمن وصفك بالخروج أومكان خروجك وحضوره معك في مكان خروجك ألصق بك من حضوره في خروجك لأن ذلك المكان يخصك دون ذلك الزمان وكل ما كان ألصق كانت المفاجأة فيه أقوى‏.‏
واختلف في إذا هذه فقيل أنها حرف وعليه الأخفش ورجحه ابن مالك‏.‏
وقيل ظرف مكان وعليه المبرد ورجحه ابن عصفور‏.‏
وقيل ظرف زمان وعليه الزجاج ورجحه الزمخشري وزعم أن عاملها فعل مقدر مشتق من لفظ المفاجأة‏.‏
قال‏:‏ التقدير ثم إذا دعاكم فاجأتم الخروج في ذلك الوقت‏.‏
قال ابن هشام‏:‏ ولا يعرف ذلك لغيره وإنما يعرف ناصبها عندهم الخبر المذكور أوالمقدر‏.‏
قال‏:‏ ولم يقع الخبر معها في التنزيل إلا مصرحاً به‏.‏