النوع الخمسون في منطوقه ومفهومه
 
المنطوق ما دل عليه اللفظ في محل النطق فإن أفاد معنى لا يحتمل غيره فالنص نحو فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة وقد نقل عن قوم من المتكلمين أنهم قالوا بندور النص جدًا في الكتاب والسنة وقد بالغ إمام الحرمين وغيره في الرد‏.‏
قال‏:‏ لأن الغرض من النص الاستقلال بإفادة المعنى على قطع مع انحسام جهات التأويل والاحتمال وهذا وإن عز حصوله بوضع الصيغ ردًا إلى اللغة فما أكثره مع القرأئن الحالية والمقالية أومع احتمال غيره احتمالًا مرجوحًا فالظاهر نحو فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الباغي يطلق على الجاهل وعلى الظالم وهوفيه أظهر وأغلب ونحو ولا تقربوهن حتى يطهرن فإنه يقال للانقطاع طهر وللوضوء والغسل وهوفي الثاني أظهر وإن حمل على المرجوح لدليل فهوتأويل ويسمى المرجوح المحمول عليه مؤولًا كقوله ‏{‏وهو معكم أينما كنتم‏}‏ فإنه يستحيل حمل المعية على القرب بالذات فتعين صرفه عن ذلك وحمله على القدرة والعلم والحفظ الرعاية وكقوله ‏{‏واخفض لهما جناح الذل من الرحمة‏}‏ فإنه يستحيل حمله على الظاهر لاستحالة أن يكون للإنسان أجنحة فيحمل على الخضوع وحسن الخلق وقد يكون مشتركًا بين حقيقتين أوحقيقة ومجاز ويصح حمله عليهما جميعًا فيحمل عليهما جميعًا سواء قلنا بجواز استعمال اللفظ في معنييه أولًا‏.‏
ووجهه على هذا أن يكون اللفظ قد خوطب به مرتين مرة أريد هذا ومرة أريد هذا ومن أمثلته ولا يضار كاتب ولا شهيد فإنه يحتمل ولا يضار الكاتب والشهيد صاحب الحق بجور في الكتابة والشهادة‏.‏
ولا يضار بالفتح‏:‏ أي لا يضار هما صاحب الحق بإلزامهما مالا يلزمهما وإجبارهما على الكتابة والشهدة‏.‏
ثم إن توقفت صحة دلالة اللفظ على إضمار سميت دلالة اقتضاء نحو واسئل القرية أي أهلها‏.‏
وإن لم تتوقف ودل اللفظ على ما لم تقصد به سميت دلالة إشارة كدلالة قوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم على صحة صوم من أصبح جنبًا وإذ إباحة الجماع إلى طلوع الفجر تستلزم كونه جنبًا في جزء من النهار وقد حكى هذا الاستنباط عن محمد بن كعب القرظي‏.‏
فصل والمفهوم ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق وهوقسمان‏:‏ مفهوم موافق ومفهوم مخالفة‏.‏
فالأول‏:‏ ما يوافق حكمه المنطوق فإن كان أولى سمي فحوى الخطاب كدلالة فلا تقل لهما أف على تحريم الضرب لأنه أشد وإن كان مساويًا سمي لحن الخطاب‏:‏ أي معناه كدلالة ‏{‏إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا‏}‏ على تحريم الإراق لأنه مساوللأكل في الإتلاف‏.‏واختلف هل دلالة ذلك قياسية أولفظية مجازية أوحقيقية على أقوال بيناها في كتبنا الأصولية‏.‏
والثاني‏:‏ ما يخالف حكمه المنطوق وهوأنواع‏:‏ مفهوم صفة نعتًا كان أوحالًا أوظرفًا أوعددًا نحو إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا مفهومه أن غير الفاسق لا يجب التبيين في خبره فيجب قبول خبر الواحد العدل ولا تباشرهن وأنتم عاكفون في المساجد‏.‏
الحج اشهر معلومات أي فلا يصح الإحرام به في غيرها ‏{‏فاذكروا الله عند المشعر الحرام‏}‏ أي فالذكر عند غيره ليس محصلًا للمطلوب ‏{‏فاجلدوهم ثمانين جلدة‏}‏ أي لا أقل ولا أكثر‏.‏
وشرط نحو ‏{‏وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن‏}‏ أي فغير أولات الحمل لا يجب الإنفاق عليهن‏.‏
وغاية نحو فلا تحل له من بعد ‏{‏حتى تنكح زوجًا غيره‏}‏ أي فإذا نكحته تحل الأول بشرطه‏.‏
وحصر نحو لا إله إلا الله ‏{‏إنما إلهكم الله‏}‏ أي فغيره ليس بإله فالله هو الولي‏:‏ أي فغيره ليس بولي ‏{‏لإِلَى الله تحشرون‏}‏ أي لا إلى غيره إياك نعبد أي لا غيرك‏.‏
واختلف في الاحتجاج بهذه المفاهيم على أقوال كثيرة والأصح في الجملة أنها كلها حجة بشروط‏.‏
منها‏:‏ أن لا يكون المذكور خرج للغالب ومن ثم لم يعتبر الأكثرون مفهوم قوله ‏{‏وربائبكم اللاتي في حجوركم‏}‏ فإن الغالب كون الربائب في حجور الأزواج فلا مفهوم له لأنه إنما خص بالذكر لغلبة حضوره في الذهن وأن لا يكون موافقًا للواقع ومن ثم لا مفهوم لقوله ‏{‏ومن يدع مع الله إلهًا آخر لا برهان له به} به وقوله ‏{‏لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} وقوله ‏{‏ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن‏}‏ فائدة قال بعضهم‏:‏ الألفاظ إما أن تدل بمنطوقها أوبفحواها ومفهومها أوباقتضائها وضرورتها أوبمعقولها المستنبط منها حكاه ابن الحصار‏:‏ وقال‏:‏ هذا كلام حسن‏.‏
قلت‏:‏ فالأول دلالة المنطوق والثاني دلالة المفهوم والثالث دلالة الاقتضاء والرابع دلالة الإشارة
*******************