النوع الثالث والخمسون في تشبيهه واستعاراته
 
التشبيه نوع من اشرف أنواع البلاغة وأعلاها‏.‏
قال المبرد في الكامل‏:‏ لوقال قائل هوأكثر كلام العرب لم يبعد‏.‏
وقد أفرد تشبيهات القرآن بالتصنيف أبو القاسم بن البندار البغدادي في كتاب سماه الجمان وعرفه جماعة منهم السكاكي بأنه الدلالة على مشاركة أوامر لأمر في معنى‏.‏
وقال ابن أبي الأصبع‏:‏ هوإخراج الأغمض إلى الأظهر‏.‏
وقال غيره‏:‏ هوإلحاق شيء بذي وصف في وصفه‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ هوأن تثبت للمشبعه حكمًا من أحكام المشبه به والغرض منه تأنيس النفس بإخراجها من خفي إلى جلي وإدنائه البعيد من القريب ليفيد بيانًا‏.‏
وقيل‏:‏ الكشف عن المعنى المقصود مع الاختصار وأدواته حروف وأسماء وأفعال فالحروف‏:‏ الكاف نحو كرماد وكأن نحو كأنه رؤوس الشياطين والأسماء مثل وشبه ونحوهما مما يشتق من المماثلة والمشابهة قاله الطيبي‏.‏
ولا تستعمل مثل إلا في حال أوصفة لها شأن وفيها غرابة نحو مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر‏.‏
والأفعال نحو‏.‏
يحسبه الظمآن ماء يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى قال في التخليص تبعًا للسكاكي‏:‏ وربما يذكر فعل ينبئ عن التشبيه فيؤتى في التشبيه القريب بنحو‏:‏ علمت زيدًا أسدًا الدال على التحقيق‏.‏
وفي البعيد بنحو‏:‏ حسبت زيدًا أسدًا الدال على الظن وعدم التحقيق وخالف جماعة منهم الطيبي فقالوا‏:‏ في كون هذه الأفعال تنبئ عن التشبيه نوع خفاء والأظهر أن الفعل ينبئ عن حال التشبيه في القرب والبعد وأن الأداة محذوفة مقدرة لعدم استقامة المعنى بدونه‏.‏
ذكر أقسامه ينقسم التشبيه باعتبارات‏:‏ الأول باعتبار طرفيه إلى أربعة أقسام لأنهما إما حسيان أوعقليان أوالمشبه به حسي والمشبه عقلي أوعكسه‏.‏
مثال الأول والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم‏.‏
كأنهم أعجاز نخل منقعر ومثال الثاني ‏{‏ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة‏}‏ كذا مثل في البرهان وكأنه ظن أن التشبيه واقع في القسوة وهوغير ظاهر بل هوواقع بين القلوب والحجارة فهومن الأول‏.‏
ومثال الثالث مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح ومثال الرابع‏:‏ لم يقع في القرآن بل منعه الإمام أصلًا لأن العقل مستفاد من الحس فالمحسوس أصل للمعقول وبشبيهه به يستلزم جعل الأصل فرعًا والفرع أصلًا وهوغير جائز وقد اختلف في قوله تعالى هن لباس لكم وأنتم لباس لهن الثاني‏:‏ ينقسم باعتبار وجهه إلى مفرد ومركب والمركب أن ينتزع وجه الشبه من أمور مجموع بعضها إلى بعض كقوله ‏{‏كمثل الحمار يحمل أسفارًا‏}‏ فالتشبيه مركب من أحوال الحمار وهوحرمان الانتفاع بأبلغ نافع مع تحمل التعب في استصحابه وقوله ‏{‏إنما مثل الحياة الدنيا كما أنزلناه من السماء إلى قوله ‏{‏كأن لم تغن بالأمس‏}‏ فإن فيه عشر جمل وقع التركيب من مجموعها بحيث لوسقط منها شيء اختل التشبيه إذ التشبيه حال الدنيا في سرعة تقضيها وانقراض نعيمها واغترار الناس بها بحال ماء نزل من السماء وأنبت أنواع العشب وزين بزخرفها وجه الأرض كالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة حتى إذا طمع أهلها فيها وظنوا أنها مسلمة من الجوائح أتاها بأس الله فجأة فكأنها لم تكن بالأمس‏.‏وقال بعضهم‏:‏ وجه تشبيه الدنيا بالماء أمران‏.‏
أحدهما‏:‏ أن الماء إذا أخذت منه فوق حاجتك تضررت وإن أخذت قدر الحاجة انتفعت به فكذلك الدنيا‏.‏
والثاني‏:‏ أن الماء إذا طبقت عليه كفك لتحفظه لم يحصل فيه شيء فكذلك الدنيا‏.‏
وقوله ‏{‏مثل نوره كمشكاة فيها مصباح‏}‏ الآية فشبه نوره الذي يلقيه في قلب المؤمن بمصباح اجتمعت فيه أسباب الإضاءة إما بوضعه في مشكاة وهي الطاقة التي لا تنفذ وكونها لا تنفذ لتكون أجمع للبصر‏.‏
وقد جعل فيها مصباح في داخل زجاجة تشبه الكوكب الدري في صفائها ودهن المصباح من أصفى الأذهان وأقواها وقودًا لأنه من زيت شجرة في وسط السراج لا شرقية ولا غربية ولا تصيبها الشمس في أحد طرفي النهار بل تصيبها الشمس أعدل إصابة‏.‏
وهذا مثل ضربه للمؤمن‏.‏
ثم ضرب للكافر مثلين‏:‏ أحدهما كسراب بقيعة والآخر كظلمات في بحر لجي الخ‏.‏
وهوأيضًا تشبيه تركيب‏.‏
الثالث ينقسم باعتبار آخر إلى أقسام‏.‏
أحدها‏:‏ تشبيه ما تقع عليه الحاسة بما لا تقع اعتمادًا على معرفة النقيض والضد فإن إدراكهما أبلغ من إدراك الحاسة كقوله ‏{‏طلعها كأنه رؤوس الشياطين‏}‏ شبه بما لا يشك أنه منكر قبيح لما حصل في نفوس الناس من بشاعة صور الشياطين وإن لم ترها عيانًا‏.‏الثاني‏:‏ عكسه وهوتشبيه ما لا تقع عليه الحاسة بما تقع عليه كقوله ‏{‏والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة‏}‏ الآية‏.‏
أخرج ما لا يجس وهوالإيمان إلى ما يحس وهوالسراب والمعنى الجامع بطلان التوهم مع شدة الحاجة وعظم الفاقة‏.‏
الثالث‏:‏ إخراج ما لم تجر العادة به إلى ما جرت كقوله تعالى ‏{‏وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظله‏}‏ والجامع بينهما الارتفاع في الصورة‏.‏
الرابع‏:‏ إخراج ما لا يعلم بالبديهة إلى ما يعلم بها كقوله ‏{‏وجنة عرضها كعرض السماء والأرض‏}‏ والجامع العظم وفائدته التشويق إلى الجنة بحسن الصفة وإفراط السعة‏.‏
الخامس‏:‏ إخراج ما لا قوة له في الصفة إلى ماله قوة فيها كقوله تعالى ‏{‏وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام‏}‏ والجامع فيهما العظم والفائدة إبانة القدرة على تسخير الأجسام العظام في ألطف ما يكون من الماء وما في ذلك من انتفاع الخلق بحمل الأثقال وقطعها الأقطار البعيدة في المسافة القريبة وما يلازم ذلك من تسخير الرياح للإنسان فتضمن الكلام بناء عظيمًا من الفخر وتعداد النعم على هذه الأوجه الخمسة تجري تشبيهات القرآن‏.‏
السادس‏:‏ ينقسم باعتبار آخر إلى مؤكد وهوما حذفت فيه الأداة نحو ‏{‏وهي تمر مر السحاب‏}‏ أي مثل مر السحاب ‏{‏وأزواجه أمهاتهم‏}‏‏.‏
وجنة عرضها السموات والأرض ومرسل وهوما لم تحذف كالآيات السابقة والمحذوفة الأداة أبلغ لأنه نزل فيه الثاني منزلة الأول تجوزا‏.‏
قاعدة الأصل دخول أداة التشبيه على المشبه به وقد تدخل على المشبه إما لقصد المبالغة فتقلب التشبيه وتجعل المشبه هو الأصل نحو ‏{‏قالوا إنما البيع مثل الربا‏}‏ كأن الأصل أن يقولوا‏:‏ إنما الربا مثل البيع لأن الكلام في الربا لا في البيع فعدلوا عن ذلك وجعلوا الربا أصلًا ملحقًا به البيع في الجواز وأنه الخليق بالحل ومنه قوله تعالى أفمن لا يخلق فإن الظاهر العكس لأن الخطاب لعبدة الأوثان الذين سموها آلهة تشبيهًا بالله سبحانه وتعالى فجعلوا غير الخالق مثل الخالق فخولف في خطابهم لأنهم بالغوا في عبادتهم وغلوحتى صارت عندهم أصلًا في العبادة فجاء الرد على وفق ذلك‏.‏
وإما لوضوح الحال نحو وليس الذكر كالأنثى فإن الأصل وليس الأنثى كالذكر وإنما عدل عن الأصل لأن المعنى‏:‏ وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت‏.‏وقيل لمراعاة الفواصل لأن قبله إني وضعتها أنثى‏.‏
وقد تدخل على غيرهما اعتمادًا على فهم المخاطب نحو ‏{‏كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم‏}‏ الآية المراد كونوا أنصار الله خالصين في الانقياد كشأن مخاطبي عيسى إذ قالوا‏.‏
قاعدة القاعدة في المدح تشبيه الأدنى بالأعلى وفي الذم تشبيه الأعلى بالأدنى لأن الذم مقام الأدنى والأعلى طارئ عليه فيقال في المدح الحصى كالياقوت وفي الذم ياقوت كالزجاج وكذا في السلب ومنه يا نساء النبي لستن كأحد من النساء أي في النزول لا في العلو أم نجعل المتقين كالفجار أي في سوء الحال‏:‏ أي لا نجعلهم كذلك‏.‏
نعم أورد على ذلك مثل نوره كمشكاة فإنه شبه في الأعلى بالأدنى لا في مقام السلب‏.‏
وأجيب بأنه للتقريب إلى أذهان المخاطبين إذ لا أعلى من نوره فيشبه به‏.‏
فائدة قال ابن أبي الأصبع‏:‏ لم يقع في القرآن تشبيه شيئين بشيئين ولا أكثر من ذلك إنما وقع فيه تشبيه واحد بواحد‏.‏فصل زوج المجاز بالتشبيه فتولد بينهما الاستعارة فهي مجاز علاقته المشابهة أويقال في تعريفها‏:‏ اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي والأصح أنها مجاز لغوي لأنها موضوعة للمشبه به لا للمشبه ولا الأعم منهما فأسد في قولك‏:‏ رأيت أسدا يرمي موضوع للسبع لا للشجاع‏.‏
ولا لمعنى أعم منهما كالحيوان الجريء مثلًا ليكون إطلاقه عليهما حقيقة كإطلاق الحيوان عليهما‏.‏
وقيل مجاز عقلي بمعنى أن التصرف فيها في أمر عقلي لا لغوي لأنها لا تطلق على المشبه إلا بعد إدعاء دخوله في جنس المشبه به فكان استعمالها فيما وضعت له فيكون حقيقة لغوية ليس فيها غير نقل الاسم وحده وليس نقل الاسم المجرد استعارة لأنه لا بلاغة فيه بدليل الأعلام المنقولة فلم يبق إلا أن يكون مجازًا عقليًا‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ حقيقة الاستعارة أن تستعار الكلمة من شيء معروف بها إلى شيء لم يعرف بها وحكمة ذلك إظهار الخفي وإيضاح الظاهر الذي ليس بجلي أوحصول المبالغة أوالمجموع‏.‏
مثال إظهار الخفي ‏{‏وإنه في أم الكتاب‏}‏ فإن حقيقته‏:‏ وأنه في أصل الكتاب فاستعير لفظ الأم للأصل لأن الأولاد تنشأ من الأم كإنشاء الفروع من الأصول وحكمة ذلك تمثيل ما ليس بمرئي حتى يصير مرئيًا فينتقل السامع من حد السماع إلى حد العيان وذلك أبلغ في البيان‏.‏
ومثال إيضاح ما ليس بجلي ليصير جليًا ‏{‏واخفض لهما جناح الذل‏}‏ فإن المراد أمر الولد بالذل لوالديه رحمة فاستعير للذل أولًا جانب ثم للجانب جناحًا وتقديره الاستعارة القريبة‏:‏ واخفض لهما جانب الذل‏:‏ أي اخفض جانبك ذلًا وحكمة الاستعارة في هذا جعل ما ليس بمرئي مرئيًا لأجل حسن البيان ولما كان المراد خفض جانب الولد للوالدين بحيث لا يبقي الولد من الذل لهما والاستكانة ممكنًا احتيج في الاستعارة إلى ما هوأبلغ من الأولى فاستعير لفظ الجناح لما فيه من المعاني التي لا تحصل من خفض الجانب لأن من يميل جانبه إلى جهة السفل أدنى ميل الصدق عليه أنه خفض جانبه والمراد خفض بلصق الجند بالأرض ولا يحصل ذلك إلا بذكر الجناح كالطائر‏.‏
ومثال المبالغة ‏{‏وفجرنا الأرض عيونًا‏}‏ وحقيقته‏:‏ وفجرنا عيون الأرض ولوعبر بذلك لم يكن فيه من المبالغة ما في الأول المشعر بأن الأرض كلها صارت عيونًا‏.‏
فرع أركان الاستعارة ثلاثة‏:‏ مستعار وهولفظ المشبه به‏.‏
ومستعار منه وهومعنى لفظ المشبه‏.‏
ومستعار له وهوالعني الجامع‏.‏
وأقسامها كثيرة باعتبارات‏.‏
فتنقسم باعتبار الأركان الثلاثة إلى خمسة أقسام‏.‏
أحدها‏:‏ استعارة محسوس لمحسوس بوجه محسوس نحو ‏{‏واشتعل الرأس شيبًا‏}‏ فالمستعار منه هو النار والمستعار له الشيب والوجه هو الانبساط ومشابهة ضوء النار لبياض الشيء وكل ذلك محسوس وهوأبلغ مما لوز قيل اشتعل شيب الرأس لإفادته عموم الشيب لجميع الرأس ومثله وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض أصل الموج حركة الماء فاستعمل في تركتهم على سبيل الاستعارة والجامع سرعة الاضطراب وتتابعه في الكثرة ‏{‏والصبح إذا تنفس‏}‏ استعير خروج النفس شيئًا فشيئًا لخروج النور من المشرق عند انشقاق الفجر قليلًا قليلًا بجامع التتابع على طريق التدريج وكل ذلك محسوس‏.‏
الثاني‏:‏ استعارة محسوس لمحسوس بوجه عقلي‏.‏
قال ابن أبي الأصبع‏:‏ وهي ألطف من الأولى نحو ‏{‏وآية لهم الليل نسلخ منه النهار‏}‏ فالمستعار منه السلخ الذي هوكشط الجلد عن الشاة والمستعار له كشف الضوء عن مكان الليل وهما حسيان والجامع ما يعقل من ترتب أمر على آخر وحصوله عقب حصوله كترتب ظهور اللحم على الكشط وظهور الظلمة على كشف الضوء عن مكان الليل والترتب أمر عقلي ومثله فجعلناها حصيدًا أصل الحصيد النبات والجامع الهلاك وهوأمر عقلي‏.‏
الثالث‏:‏ استعارة معقول لمعقول بوجه عقلي‏.‏
وقال ابن أبي الأصبع‏:‏ وهي ألطف الاستعارات نحو ‏{‏من بعثنا من مرقدنا‏}‏ المستعار منه الرقاد‏:‏ أي النوم والمستعار له الموت والجامع عدم ظهور الفعل والكل عقلي ومثله ‏{‏ولما سكت عن موسى الغضب‏}‏ المستعار السكوت والمستعار منه الساكت والمستعار له الغضب‏.‏
الرابع‏:‏ استعارة محسوس بوجه عقلي أيضًا نحو ‏{‏مستهم البأساء والضراء‏}‏ استعير المس وهوحقيقة في الأجسام وهومحسوس لمقاساة الشدة والجامع اللحوق وهما عقليان بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فالقذف والدمغ مستعاران وهما محسوسان والحق والباطل مستعار لهما وهما معقولان ‏{‏ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس‏}‏ استعير الحبل المحسوس للعهد وهومعقول ‏{‏فاصدع بما تؤمر‏}‏ استعير الصدع وهوكسر الزجاجة وهومحسوس للتبليغ وهومعقول والجامع التأثير وهوأبلغ من بلغ وإن كان بمعناه لأن تأثير الصدع أبلغ من تأثير التبليغ فقد لا يؤثر التبليغ والصدع يؤثر جزمًا واخفض لهما جناح الذل فكأنه قيل‏:‏ ستعمل الذل الذي يرفعك عند الله‏.‏وكذا قوله ‏{‏يخوضون في آياتنا‏}‏ ‏{‏فنبذوه وراء ظهورهم‏}‏ ‏{‏أفمن أسس بنيانه على تقوى‏}‏ ‏{‏ويبغونها عوجًا‏}‏ ‏{‏لتخرج الناس من الظلمات إلى النور‏}‏ ‏{‏فجعلناه هباء منثورا‏}‏ ‏{‏في كل واد يهيمون‏}‏ ‏{‏ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك‏}‏ كلها من استعارة المحسوس للمعقول والجامع عقلي‏.‏
الخامس‏:‏ استعارة معقول لمحسوس والجامع عقلي أيضًا نحو ‏{‏إنا لما طغى الماء‏}‏ المستعار منه التكثير وهوعقلي والمستعار له كثرة الماء وهوحسي والجامع الاستعلاء وهوعقلي أيضًا ومثله تكاد تميز من الغيظ ‏{‏وجعلنا آية النهار مبصرة‏}‏ وتنقسم باعتبار اللفظ إلى أصلية وهي ما كان اللفظ المستعار فيها اسم جنس كآية بحبل من الله من الظلمات إلى النور في كل واد ‏.‏
وتبعية وهي ما كان اللفظ فيها غير اسم جنس كالفعل والمشتقات كسائر الآيات السابقة وكالحروف نحو ‏{‏فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًا‏}‏ شبه ترتب العداوة والحزن على الالتقاط بترتب علقة الغاية عليه ثم استعير في المشبه اللام الموضوعة للمشبه به‏.‏
وتنقسم باعتبار آخر إلى مرشحة ومجردة ومطلقة‏.‏
فالأولى وهي أبلغها‏:‏ أن تقترن بما يلائم المستعار منه نحو أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم ااستعير الاشتراء لاستبدال والاختبار ثم قرن بما يلائمه من الربح والتجارة‏.‏
الثانية‏:‏ أن تقرن بما يلائم المستعار له نحو ‏{‏فأذاقها الله لباس الجوع والخوف‏}‏ استعير اللباس للجوع ثم قرن بما يلائم المستعار له من الإذاقة ولوأراد الترشيح لقال فكساها لكن التجريد هنا أبلغ لما في لفظ الإذاقة من المبالغة في الألم باطنًا‏.‏
والثالثة‏:‏ لا تقرن بواحد منهما وتنقسم باعتبار آخر إلى تحقيقية وتخيلية ومكنية وتصريحية‏.‏
فلا أولى‏:‏ ما تحقق معناها حسًا نحو ‏{‏فأذاقها الله‏}‏ الآية أوعقلًا نحو ‏{‏وأنزلنا إليكم نورًا مبينًا‏}‏ أي بيانًا واضحًا وحجة لامعة ‏{‏اهدنا الصراط المستقيم‏}‏ أي الدين الحق فإن كلًا منها يتحقق عقلًا‏.‏
والثانية‏:‏ أن يضمر التشبيه في النفس فلا يصرح بشيء من أركانه سوى المشبه ويدل على ذلك التشبيه المضمر في النفس بان يثبت للمشبه أمر مختص بالمشبه به ويسمى ذلك التشبيه المضمر استارة بالكناية وكنيها عنها لأنه لم يصرح به بل دل عليه بذكر خواصه ويقابله التصريحية ويسمى إثبات ذلك الأمر المختص بالمشبه به للمشبه استعارة تخييلية لأنه قد استعير للمشبه ذلك الأمر المختص بالمشبه به وبه يكون كمال المشبه به وقوامه في وجه الشبه لتخيل أن المشبه من جنس المشبه به‏.‏
ومن أمثلة ذلك الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه شبه الميثاق بالحبل وأضمر في النفس فلم يصرح بشيء من أركان التشبيه سوى العهد المشبه ودل عليه بإثبات النقض الذي هومن خواص المشبه به وهوالحبل وكذا واشتعل الرأس شيبًا طوى ذكر المشبه به وهوالنار ودل عليه بلازمه وهوالاشتعال ‏{‏فأذاقها الله‏}‏ الآية شبه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من طعم المر فأوقع عليه الإذاقة ختم الله على قلوبهم شبهها في أن لا تقبل الحق بالشيء الموثوق في المختوم ثم أثبت لها الختم جدارًا يريد أن ينقض شبه ميلانه للسقوط بانحراف الحي فأثب له الإرادة التي هي من خواص العقلاء‏.‏
ومن التصريحية آية مستهم البأساة ‏{‏من بعثنا من مرقدنا‏}‏ وتنقسم باعتبار آخر إلى وفاقية بأن يكون اجتماعهما في شيء ممكنًا نحو ‏{‏أو من كان ميتًا فأحييناه‏}‏ أي ضالًا فهديناه استعير الإحياء من جعل الشي حيا للهداية التي بمعنى الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب والإحياء والهداية مما يمكن اجتماعهما في شيء‏.‏
وعنادية وهي ما لا يمكن اجتماعهما كاستعارة اسم المعدوم للموجود لعدم نفعه واجتماع الوجود والعدم في شيء ممتنع‏.‏
ومن العنادية التهكمية والتمليحية وهما ما استعمل في ضد أونقيض نحو فبشرهم بعذاب أليم أي أنذرهم استعيرت البشارة وهي الإخبار بما يسر للإنذار الذي هوضده بإدخال جنسها على سبيل التهكم والاستهزاء نحو إنك لأنت الحليم الرشيد عنوا الغوي السفيه تهكمًا ذق إنك أنت العزيز الكريم وتنقسم باعتبار آخر إلى تمثيلية وهي أن يكون وجه الشبه فيها منتزعًا من متعدد نحو واعتصموا بحبل الله جميعًا شبه استظهار العبد بالله ووثوقه بحمايته والنجاة من المكاره باستمساك الواقع في مهواة بحبل وثيق مدلى من مكان مرتفع يأمن انقطاعه‏.‏
تنبيه قد تكون الاستعارة بلفظين نحوقوارير قوارير من فضة‏:‏ يعني تلك الأواني ليست من الزجاج ولا من الفضة بل في صفاء القارورة وبياض الفضة فصب عليهم ربهم سوط عذاب فائدة أنكر قوم الاستعارة بناء على إنكارهم المجاز وقوم إطلاقها في القرآن لأن فيها إيهامًا للحاجة ولأن لم يرد في ذلك إذن من الشرع وعليه القاضي عبد الوهاب المالكي‏.‏
وقال الطرطوشي‏:‏ إن أطلق المسلمون الاستعارة فيه أطلقناها وإن امتنعوا امتنعنا ويكون هذا من قبيل أن الله عالم والعلم هو العقل ثم لا نصفه به لعدم التوقيف أه‏.‏
فائدة ثانية تقدم أن التشبيه من أعلى أنواع البلاغة وأشرفها واتفق البلغاء على أن الاستعارة أبلغ منه لأنه مجاز وهوحقيقة والمجاز أبلغ فإذا الاستعارة أعلى مراتب الفصاحة وكذا الكناية أبلغ من التصريح والاستعارة أبلغ من الكناية كما قال في عروس الأفراح‏:‏ إنه الظاهر لأنها كالجامعة بين كناية واستعارة ولأنها مجاز قطعًا
وفي الكناية خلاف‏.‏
وأبلغ أنواع الاستعارة التمثيلية كما يؤخذ من الكشاف ويليها المكنية صرح به الطيبي لاشتمالها على المجاز العقلي والترشيحية أبلغ من المجردة والمطلقة والتخييلية أبلغ من التحقييقية والمراد بالأبلغية إفادة زيادة التأكيد والمبالغة في كمال التشبيه لا زيادة في المعنى لا توجد في غير ذلك‏.‏
خاتمة من المهم تحرير الفرق بين الاستعارة والتشبيه المحذوف الأداة نحوزيد أسد
قال الزمخشري في قوله تعالى صم بكم عمي فإن قلت‏:‏ هل يسمى ما في الآية استعارة قلت‏:‏ نختلف فيه والمحققون على تسميته تشبيهًا بليغًا لا استعارة لأن المستعار له مذكور وهم المنافقون وإنما تطلق الاستعارة حيث يطوى ذكر المستعار له ويجعل الكلام خلوًا عنه صالحًا لأن يراد المنقول عنه والمنقول له دلالة الحال أوفحوى الكلام‏.‏
ومن ثم ترى المفلقين السحرة يتناسون التشبيه ويضربون عنه صفحًا وعلله السكاكي بأن من شرط الاستعارة إمكان حمل الكلام على الحقيقة في الظاهر وتناسي التشبيه وزيد أسد لا يمكن كونه حقيقة فلا يجوز أن يكون استعارة وتابعه صاحب الإيضاح‏.‏
قال في عروس الأفراح‏:‏ وما قالاه ممنوع وليس من شرط الاستعارة صلاحية الكلام لصرفه إلى الحقيقة في الظاهر‏.‏قال‏:‏ بل لوعكس ذلك وقيل لا بد من عدم صلاحيته لكان أقرب لأن الاستعارة مجاز لا بد له من قرينة فإن لم تكن قرينة امتنع صرفه إلى الاستعارة وصرفناه إلى حقيقته وإنما نصرفه إلى الاستعارة بقرينة إما لفظية أومعنوية نحوزيد أسد فالإخبار به عن زيد قرينة صارفة عن إرادة حقيقته قال‏:‏ والذي نختاره في نحوزيد أسد قسمان‏:‏ تارة يقصد به التشبيه فتكون أداة مقدرة‏.‏
وتارة يقصد به الاستعارة فلا تكون مقدرة ويكون الأسد مستعملًا في حقيقته‏.‏
وذكر زيد‏:‏ والإخبار عنه بما لا يصلح له حقيقة قرينة صارفة إلى الاستعارة دالة عليها فإن قامت قرينة على حذف الأداة صرنا إليه وإن لم تقم فنحن بين إضمار واستعارة والاستعارة أولى فيصار إليها‏.‏
وممن صرح بهذا الفرق عبد اللطيف البغدادي في قوانين البالغة وكذا قال حازم‏:‏ الفرق بينهما أن الاستعارة وإن كان فيها معنى التشبيه فتقدير حرف التشبيه لا يجوز فيها والتشبيه بغير حرف على خلاف ذلك لأن تقدير حرف التشبيه واجب فيه‏.‏

*******************