باب مَنْ تَطَوَّعَ فِي السَّفَرِ فِي غَيْرِ دُبُرِ الصَّلَوَاتِ وَقَبْلَهَا
 
وَرَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ
1103- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ مَا أَخْبَرَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الضُّحَى غَيْرُ أُمِّ هَانِئٍ ذَكَرَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ اغْتَسَلَ فِي بَيْتِهَا فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فَمَا رَأَيْتُهُ صَلَّى صَلاَةً أَخَفَّ مِنْهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ "
[الحديث1103-طرفاه في:4292.1176]
1104- وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى السُّبْحَةَ بِاللَّيْلِ فِي السَّفَرِ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ "
1105- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ يُومِئُ بِرَأْسِهِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ "
قوله: "باب من تطوع في السفر في غير دبر الصلاة" هذا مشعر بأن نفي التطوع في السفر محمول على ما بعد الصلاة خاصة فلا يتناول ما قبلها ولا ما لا تعلق له بها من النوافل المطلقة كالتهجد والوتر والضحى وغير ذلك، والفرق بين ما قبلها وما بعدها أن التطوع قبلها لا يظن أنه منها لأنه ينفصل عنها بالإقامة وانتظار الإمام غالبا ونحو ذلك، بخلاف ما بعدها فإنه في الغالب يتصل بها فقد يظن أنه منها."فائدة" نقل النووي تبعا لغيره أن العلماء اختلفوا في التنفل في السفر على ثلاثة أقوال: المنع مطلقا، والجواز مطلقا، والفرق بين الرواتب والمطلقة، وهو مذهب ابن عمر كما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن مجاهد قال: "صحبت ابن عمر من المدينة إلى مكة، وكان يصلي تطوعا على دابته حيثما توجهت به، فإذا كانت الفريضة نزل فصلى".وأغفلوا قولا رابعا وهو الفرق بين الليل والنهار في المطلقة، وخامسا وهو ما فرغنا من تقريره.قوله: "وركع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر ركعتي الفجر" قلت: ورد ذلك في حديث أبي قتادة عند مسلم في قصة النوم عن صلاة الصبح ففيه: "ثم صلى ركعتين قبل الصبح ثم صلى الصبح كما كان يصلي " وله من حديث أبي هريرة في هذه القصة أيضا: "ثم دعا بماء فتوضأ ثم صلى سجدتين - أي ركعتين - ثم أقيمت الصلاة فصلى صلاة الغداة " الحديث.ولابن خزيمة والدار قطني من طريق سعيد بن المسيب عن بلال في هذه القصة
(2/578)

" فأمر بلالا فأذن، ثم توضأ فصلوا ركعتين، ثم صلوا الغداة " ونحوه للدار قطني من طريق الحسن عن عمران بن حصين، قال صاحب الهدى: لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها في السفر، إلا ما كان من سنة الفجر. قلت: ويرد على إطلاقه ما رواه أبو داود والترمذي من حديث البراء بن عازب قال: "سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفرا فلم أره ترك ركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر " وكأنه لم يثبت عنده، لكن الترمذي استغربه ونقل عن البخاري أنه رآه حسنا، وقد حمله بعض العلماء على سنة الزوال لا على الراتبة قبل الظهر، والله أعلم. قوله: "ما أخبرنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى غير أم هانئ" هذا لا يدل على نفي الوقوع، لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى إنما نفى ذلك عن نفسه، وأما قول ابن بطال: لا حجة في قول ابن أبي ليلى، وترد عليه الأحاديث الواردة في أنه صلى الضحى وأمر بها، ثم ذكر منها جملة، فلا يرد على ابن أبي ليلى شيء منها، وسيأتي الكلام على صلاة الضحى في باب مفرد في أبواب التطوع، والمقصود هنا أنه صلى الله عليه وسلم صلاها يوم فتح مكة، وقد تقدم في حديث ابن عباس أنه كان حينئذ يقصر الصلاة المكتوبة، وكان حكمه حكم المسافر. قوله: "وقال الليث حدثني يونس" قد تقدم قبل ببابين موصولا من رواية الليث عن عقيل، ولكن لفظ الروايتين مختلف، ورواية يونس هذه وصلها الذهلي في الزهريات عن أبي صالح عنه. قوله: "يومئ برأسه" هو تفسير لقوله: "يسبح " أي يصلي إيماء، وقد تقدم في " باب الإيماء على الدابة " من وجه آخر عن ابن عمر، لكن هناك ذكره موقوفا ثم عقبه بالمرفوع، وهذا ذكر مرفوعا ثم عقبه بالموقوف، وفائدة ذلك مع أن الحجة قائمة بالمرفوع أن يبين أن العمل استمر على ذلك ولم يتطرق إليه نسخ ولا معارض ولا راجح، وقد اشتملت أحاديث الباب على أنواع ما يتطوع به سوى الراتبة التي بعد المكتوبة، فالأول لما قبل المكتوبة، والثاني لما له وقت مخصوص من النوافل كالضحى، والثالث لصلاة الليل، والرابع لمطلق النوافل. وقد جمع ابن بطال بين ما اختلف عن ابن عمر في ذلك بأنه كان يمنع التنفل على الأرض ويقول به على الدابة. وقال النووي تبعا لغيره: لعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الرواتب في رحله ولا يراه ابن عمر، أو لعله تركها في بعض الأوقات لبيان الجواز ا هـ. وما جمعنا به تبعا للبخاري فيما يظهر أظهر، والله أعلم.
(2/579)