باب طُولِ الْقِيَامِ فِي صَلاَةِ اللَّيْلِ
 
1135 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سَوْءٍ. قُلْنَا: وَمَا هَمَمْتَ؟ قَالَ: هَمَمْتُ أَنْ أَقْعُدَ وَأَذَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
1136 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ لِلتَّهَجُّدِ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ.
قوله: "باب طول القيام في صلاة الليل" كذا للأكثر، وللحموي والمستملي: "طول الصلاة في قيام الليل" وحديث الباب موافق لهذا لأنه دال على طول الصلاة لا على طول القيام بخصوصه، إلا أن طول الصلاة يستلزم طول القيام لأن غير القيام كالركوع مثلا لا يكون أطول من القيام كما عرف بالاستقراء من صنيعه صلى الله عليه وسلم، ففي حديث الكسوف "فركع نحواً من قيامه" وفي حديث حذيفة الذي سأذكره نحوه، ومضى حديث عائشة قريباً أن السجدة تكون قريباً من خمسين آية، ومن المعلوم في غير هذه الرواية أنه كان يقرأ بما يزيد على ذلك. قوله: "عن عبد الله" هو: ابن مسعود. قوله: "بأمر سوء" بإضافة أمر إلى سوء. وفي الحديث: دليل على اختيار النبي صلى الله عليه وسلم تطويل صلاة الليل، وقد كان ابن مسعود قوياً محافظاً على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وما هم بالقعود إلا بعد طول كثير ما اعتاده. وأخرج مسلم، من حديث جابر، "أفضل الصلاة طول القنوت" فاستدل به على ذلك. ويحتمل أن يراد بالقنوت في حديث جابر: الخشوع، وذهب كثير من الصحابة وغيرهم إلى أن كثرة الركوع والسجود أفضل، ولمسلم، من حديث ثوبان، "أفضل الأعمال كثرة السجود" والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال. وفي الحديث: أن مخالفة الإمام في أفعاله معدودة في العمل السيء. وفيه: تنبيه على فائدة معرفة ما بينهم من الأحوال وغيرها، لأن أصحاب ابن مسعود ما عرفوا مراده من قوله: "هممت بأمر سوء" حتى استفهموه عنه، ولم ينكر عليهم استفهامهم عن ذلك. وروى مسلم، من حديث حذيفة، أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ البقرة وآل عمران والنساء في ركعة، وكان إذا مر بآية فيها تسبيح سبح أو سؤال سأل أو تعوذ تعوذ، ثم ركع نحواً مما قام، ثم قام نحواً مما ركع، ثم سجد نحواً مما قام. وهذا إنما يتأتى في نحو من ساعتين، فلعله صلى الله عليه وسلم أحيا تلك الليلة كلها. وأما ما يقتضيه حاله في غير هذه الليلة فإن في أخبار عائشة أنه كان يقوم قدر ثلث الليل، وفيها أنه كان لا يزيد على إحدى عشرة ركعة، فيقتضي ذلك تطويل الصلاة والله أعلم.
" تنبيه ": ذكر الدارقطني أن سليمان بن حرب تفرد برواية هذا الحديث، عن شعبة حكاه عنه البرقاني، وهو من الأفراد المقيدة، فإن مسلماً، أخرج هذا الحديث من طريق أخرى عن الأعمش. قوله: "عن خالد بن عبد الله" هو: الواسطي، وحصين هو: ابن عبد الرحمن الواسطي أيضاً، وقد تقدم حديث حذيفة في الطهارة. واستشكل ابن بطال دخوله في هذا الباب فقال: لا مدخل له هنا لأن التسوك في صلاة الليل لا يدل على طول الصلاة. قال: ويمكن أن يكون ذلك من غلط الناسخ فكتبه في غير موضعه، أو أن البخاري أعجلته المنية قبل تهذيب كتابه، فإن فيه مواضع مثل هذا تدل على ذلك. وقال ابن المنير: يحتمل أن يكون أشار إلى أن استعمال السواك يدل على ما يناسبه من إكمال الهيئة والتأهب، وهو دليل طول القيام إذ التخفيف لا يتهيأ له
(3/19)

هذا التهيؤ الكامل. وقد قال ابن رشيد: الذي عندي أن البخاري إنما أدخله لقوله: "إذا قام للتهجد" أي إذا قام لعادته، وقد تبينت عادته في الحديث الآخر، ولفظ التهجد مع ذلك مشعر بالسهر، ولا شك أن في التسوك عونا على دفع النوم فهو مشعر بالاستعداد للإطالة. وقال البدر بن جماعة: يظهر لي أن البخاري أراد بهذا الحديث استحضار حديث حذيفة الذي أخرجه مسلم، يعني المشار إليه قريبا، قال: وإنما لم يخرجه لكونه على غير شرطه، فأما أن يكون أشار إلى أن الليلة واحدة، أو نبه بأحد حديثي حذيفة على الآخر. وأقر بها توجيه ابن رشيد. ويحتمل أن يكون بيض الترجمة لحديث حذيفة فضم الكاتب الحديث إلى الحديث الذي قبله وحذف البياض.
(3/20)