باب مَا جَاءَ فِي الْجَنَائِزِ وَمَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ب
 
1237 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي فَأَخْبَرَنِي أَوْ قَالَ بَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ"
[الحديث 1237 – أطرفه في: 1408, 2388, 3222, 5827, 6268, 6443, 7487]
1238 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا شَقِيقٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ وَقُلْتُ أَنَا مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ"
[الحديث 1238 – طرفاه في: 4497, 6683]
قوله: "أتاني آت" سماه في التوحيد من طريق شعبة عن واصل "جبريل" وجزم بقوله: "فبشرني" وزاد الإسماعيلي من طريق مهدي في أوله قصة قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له، فلما كان في بعض الليل تنحى فلبث طويلا، ثم أتانا فقال" فذكر الحديث. وأورده المصنف في اللباس من طريق أبي الأسود عن أبي ذر قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ" فدل على أنها رؤيا منام. قوله: "من أمتي" أي من أمة الإجابة، ويحتمل أن يكون أعم من ذلك أي أمة الدعوة وهو متجه. قوله: "لا يشرك بالله شيئا" أورده المصنف في اللباس بلفظ: "ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك" الحديث. إنما لم يورده المصنف هنا جريا على عادته في إيثار الخفي على الجلي، وذلك أن نفي الشرك يستلزم إثبات التوحيد، ويشهد له استنباط عبد الله بن مسعود في ثاني
(3/110)

حديثي الباب من مفهوم قوله: "من مات يشرك بالله دخل النار" وقال القرطبي: معنى نفي الشرك أن لا يتخذ مع الله شريكا في الإلهية، لكن هذا القول صار بحكم العرف عبارة عن الإيمان الشرعي. قوله: "فقلت وإن زنى أو سرق" قد يتبادر إلى الذهن أن القائل ذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم والمقول له الملك الذي بشره به، وليس كذلك، بل القائل هو أبو ذر والمقول له هو النبي صلى الله عليه وسلم كما بينه المؤلف في اللباس. وللترمذي "قال أبو ذر يا رسول الله" ويمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قاله مستوضحا وأبو ذر قاله مستبعدا، وقد جمع بينهما في الرقاق من طريق زيد بن وهب عن أبي ذر. قال الزين بن المنير: حديث أبي ذر من أحاديث الرجاء التي أفضى الاتكال عليها ببعض الجهلة إلى الإقدام على الموبقات، وليس هو على ظاهره فإن القواعد استقرت على أن حقوق الآدميين لا تسقط بمجرد الموت على الإيمان، ولكن لا يلزم من عدم سقوطها أن لا يتكفل الله بها عمن يريد أن يدخله الجنة، ومن ثم رد صلى الله عليه وسلم على أبي ذر استبعاده. ويحتمل أن يكون المراد بقوله: "دخل الجنة" أي صار إليها إما ابتداء من أول الحال وإما بعد أن يقع ما يقع من العذاب، نسأل الله العفو والعافية. وفي هذا الحديث: " من قال لا إله إلا الله نفعته يوما من الدهر، أصابه قبل ذلك ما أصابه" وسيأتي بيان حاله في كتاب الرقاق. وفي الحديث أن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار، وأن الكبائر لا تسلب اسم الإيمان، وأن غير الموحدين لا يدخلون الجنة. والحكمة في الاقتصار على الزنا والسرقة الإشارة إلى جنس حق الله تعالى وحق العباد، وكأن أبا ذر استحضر قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" لأن ظاهره معارض لظاهر هذا الخبر، لكن الجمع بينهما على قواعد أهل السنة بحمل هذا على الإيمان الكامل ويحمل حديث الباب على عدم التخليد في النار. قوله: "على رغم أنف أبي ذر"1 بفتح الراء وسكون المعجمة ويقال بضمها وكسرها، وهو مصدر رغم بفتح الغين وكسرها مأخوذ من الرغم وهو التراب، وكأنه دعا عليه بأن يلصق أنفه بالتراب. قوله: "حدثنا عمر بن حفص" أي ابن غياث، وشقيق هو أبو وائل، وعبد الله هو ابن مسعود، وكلهم كوفيون. قوله: "من مات يشرك بالله" في رواية أبي حمزة عن الأعمش في تفسير البقرة "من مات وهو يدعو من دون الله ندا" وفي أوله "قال النبي صلى الله عليه وسلم كلمة وقلت أنا أخرى"، ولم تختلف الروايات في الصحيحين في أن المرفوع الوعيد والموقوف الوعد. وزعم الحميدي في "الجمع" وتبعه مغلطاي في شرحه ومن أخذ عنه أن في رواية مسلم من طريق وكيع وابن نمير بالعكس بلفظ: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، وقلت أنا من مات يشرك بالله شيئا دخل النار " وكأن سبب الوهم في ذلك ما وقع عند أبي عوانة والإسماعيلي من طريق وكيع بالعكس، لكن بين الإسماعيلي أن المحفوظ عن وكيع كما في البخاري، قال: وإنما المحفوظ أن الذي قلبه أبو عوانة2 وحده وبذلك جزم ابن خزيمة في صحيحه، والصواب رواية الجماعة، وكذلك أخرجه أحمد من طريق عاصم وابن خزيمة من طريق يسار3 وابن حبان من طريق المغيرة كلهم عن شقيق، وهذا هو الذي يقتضيه النظر لأن جانب الوعيد ثابت بالقرآن وجاءت السنة على وفقه فلا يحتاج إلى استنباط، بخلاف جانب الوعد فإنه في محل البحث إذ لا يصح حمله على ظاهره كما تقدم. وكأن ابن مسعود لم يبلغه حديث جابر الذي أخرجه مسلم بلفظ: "قيل: يا رسول الله
ـــــــ
1 قول الشارح "قوله على رغم أنف أبي ذر" ليست في النسخ التي بأيدينا في هذا الباب. اهـ مصححه
2 في نسخة "أبو معاوية"
3 في نسخة "سيار"
(3/111)

ما الموجبتان؟ قال: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار" وقال النووي: الجيد أن يقال سمع ابن مسعود اللفظتين من النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه في وقت حفظ إحداهما وتيقنها ولم يحفظ الأخرى فرفع المحفوظة وضم الأخرى إليها، وفي وقت بالعكس، قال: فهذا جمع بين روايتي ابن مسعود وموافقته لرواية غيره في رفع اللفظتين انتهى. وهذا الذي قال محتمل بلا شك، لكن فيه بعد مع اتحاد مخرج الحديث، فلو تعدد مخرجه إلى ابن مسعود لكان احتمالا قريبا مع أنه يستغرب من انفراد راو من الرواة بذلك دون رفقته وشيخهم ومن فوقه، فنسبة السهو إلى شخص ليس بمعصوم أولى من هذا التعسف. "فائدة": حكى الخطيب في "المدرج "أن أحمد بن عبد الجبار رواه عن أبي بكر بن عياش عن عاصم مرفوعا كله وأنه وهم في ذلك، وفي حديث ابن مسعود دلالة على أنه كان يقول بدليل الخطاب، ويحتمل أن يكون أثر ابن مسعود أخذه من ضرورة انحصار الجزاء في الجنة والنار، وفيه إطلاق الكلمة على الكلام الكثير وسيأتي البحث فيه في الأيمان والنذور.
(3/112)