باب مَوْعِظَةِ الْمُحَدِّثِ عِنْدَ الْقَبْرِ وَقُعُودِ أَصْحَابِهِ حَوْلَهُ
 
{يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ} الأَجْدَاثُ الْقُبُورُ {بُعْثِرَتْ} أُثِيرَتْ بَعْثَرْتُ حَوْضِي أَيْ جَعَلْتُ أَسْفَلَهُ أَعْلاَهُ الإِيفَاضُ الإِسْرَاعُ وَقَرَأَ الأَعْمَشُ {إِلَى نُصُبٍ} إِلَى شَيْءٍ مَنْصُوبٍ يَسْتَبِقُونَ إِلَيْهِ وَالنُّصْبُ وَاحِدٌ وَالنَّصْبُ مَصْدَرٌ يَوْمُ الْخُرُوجِ مِنْ الْقُبُورِ {يَنْسِلُونَ} يَخْرُجُونَ
1362 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ حَدَّثَنِي جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ "كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَأَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ: " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلاَّ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَإِلاَ قَدْ كُتِبَ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ؟ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ قَالَ: أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ ثُمَّ قَرَأَ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} الآيَةَ"
[الحديث 1362 – أطرافه في: 4945, 4946, 4947, 4948, 4949, 6217, 6605, 7552]
قوله: "باب موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله" كأنه يشير إلى التفصيل بين أحوال القعود، فإن كان لمصلحة تتعلق بالحي أو الميت لم يكره، ويحمل النهي الوارد عن ذلك على ما يخالف ذلك. قوله:" {يَخْرُجُونَ مِنَ
(3/225)

الأَجْدَاثِ} : الأجداث القبور" أي المراد بالأجداث في الآية القبور. وقد وصله ابن أبي حاتم وغيره من طريق قتادة والسدي وغيرهما، واحدها جدث بفتح الجيم والمهملة. قوله: {بُعْثِرَتْ} : أثيرت. بعثرت حوضي: جعلت أسفله أعلاه" هذا كلام أبي عبيدة في "كتاب المجاز". وقال السدي: بعثرت أي حركت، فخرج ما فيها. رواه ابن أبي حاتم. قوله: "الإيفاض" بياء تحتانية ساكنة قبلها كسرة وبفاء ومعجمة "الإسراع" كذا قال الفراء في "المعاني". وقال أبو عبيدة: يوفضون أي يسرعون. قوله: "وقرأ الأعمش: إلى نصب" يعني بفتح النون كذا للأكثر. وفي رواية أبي ذر بالضم، والأول أصح. وكذا ضبطه الفراء عن الأعمش في "كتاب المعاني" وهي قراءة الجمهور. وحكى الطبراني أنه لم يقرأه بالضم ألا الحسن البصري. وقد حكى الفراء عن زيد بن ثابت ذلك، ونقلها غيره عن مجاهد وأبي عمران الجوني. وفي "كتاب السبعة" لابن مجاهد: قرأها ابن عامر بضمتين، يعني بلفظ الجمع. وكذا قرأها حفص عن عاصم. ومن هنا يظهر سبب تحصيص الأعمش بالذكر لأنه كوفي، وكذا عاصم ففي انفراد حفص عن عاصم بالضم شذوذ. قال أبو عبيدة: النصب بالفتح هو العلم الذي نصبوه ليعبدوه، ومن قرأ نصب بالضم فهي جماعة مثل رهن ورهن. قوله: "يوفضون إلى شيء منصوب: يستبقون" قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا مسلم بن إبراهيم عن قرة عن الحسن في قوله: {إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} أي يبتدرون أيهم يستلمه أول. قوله: "والنصب واحد والنصب مصدر" كذا وقع فيه، والذي في "المعاني للفراء" النصب والنصب واحد وهو مصدر والجمع الأنصاب. وكأن التغيير من بعض النقلة. قوله: "يوم الخروج من قبورهم" أي خروج أهل القبور من قبورهم. قوله: "وينسلون يخرجون" كذا أورده عبد بن حميد وغيره عن قتادة، وسيأتي له معنى آخر إن شاء الله تعالى. وفي نسخة الصغاني بعد قوله: {يَخْرُجُونَ} : من النسلان. وهذه التفاسير أوردها لتعلقها بذكر القبر استطرادا، ولها تعلق بالموعظة أيضا. وقال الزين بن المنير: مناسبة إيراد هذه الآيات في هذه الترجمة للإشارة إلى أن المناسب لمن قعد عند القبر إن يقصر كلامه على الإنذار بقرب المصير إلى القبور ثم إلى النشر لاستيفاء العمل. ثم أورد المصنف حديث علي بن أبي طالب أورده المصنف مرفوعا: "ما من نفس منفوسة إلا كتب مكانها من الجنة والنار" الحديث. وسيأتي مبسوطا في تفسير {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ، وهو أصل عظيم في إثبات القدر. وقوله فيه: "اعملوا" جرى مجرى أسلوب الحكيم، أي الزموا ما يجب على العبد من العبودية، ولا تتصرفوا في أمر الربوبية. وعثمان شيخه هو ابن أبي شيبة، وجرير هو ابن عبد الحميد. وموضع الحاجة منه "فقعد وقعدنا حوله". وقوله: "فقال رجل" هو عمر أو غيره كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
(3/226)