باب الْمَيِّتِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ
 
1379 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ فَيُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
[الحديث 1379 – طرفاه في: 3240, 6515]
قوله: "باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي" أورد فيه حديث ابن عمر "أن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي" قال ابن التين: يحتمل أن يريد بالغداة والعشي غداة واحدة وعشية واحدة يكون العرض فيها. ومعنى قوله: "حتى يبعثك الله" أي لا تصل إليه إلى يوم البعث. ويحتمل أن يريد كل غداة وكل عشي، وهو محمول على أنه يحيا منه جزء ليدرك ذلك فغير ممتنع أن تعاد الحياة إلى جزء من الميت أو أجزاء وتصح مخاطبته والعرض عليه انتهى. والأول موافق للأحاديث المتقدمة قبل بابين في سياق المسألة وعرض المقعدين على كل أحد. وقال القرطبي: يجوز أن يكون هذا العرض على الروح فقط، ويجوز أن يكون عليه مع جزء من البدن. قال: والمراد بالغداة والعشي وقتهما وإلا فالموتى لا صباح عندهم ولا مساء. قال: وهذا في حق المؤمن والكافر واضح، فأما المؤمن المخلط فمحتمل في حقه أيضا، لأنه يدخل الجنة في الجملة، ثم هو مخصوص بغير الشهداء لأنهم أحياء وأرواحهم تسرح في الجنة. ويحتمل أن يقال: إن فائدة العرض في حقهم تبشير أرواحهم باستقرارها في الجنة مقترنة بأجسادها، فإن فيه قدرا زائدا على ما هي فيه الآن. قوله: "إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة" اتحد فيه الشرط والجزاء لفظا ولا بد فيه من تقدير، قال التوربشتي: التقدير إن كان من أهل الجنة فمقعده من مقاعد أهل الجنة يعرض عليه. وقال الطيبي: الشرط والجزاء إذا اتحدا لفظا دل على الفخامة، والمراد أنه يرى بعد البعث من كرامة الله ما ينسيه هذا المقعد انتهى. ووقع عند مسلم بلفظ: "إن كان من أهل الجنة فالجنة" أي فالمعروض الجنة. وفي هذا الحديث إثبات عذاب القبر، وأن الروح لا تفنى بفناء الجسد لأن العرض لا يقع إلا على حي. وقال ابن عبد البر: استدل به على أن الأرواح على أفنية القبور1. قال: والمعنى عندي أنها قد تكون على أفنية قبورها لا أنها لا تفارق الأفنية، بل هي كما قال مالك إنه بلغه أن الأرواح تسرح حيث شاءت. قوله: "حتى يبعثك الله يوم القيامة" في رواية مسلم عن يحيى بن مالك " حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة " وحكى ابن عبد البر فيه الاختلاف بين أصحاب مالك، وأن الأكثر رووه كرواية البخاري وأن ابن القاسم رواه كرواية مسلم، قال. والمعنى حتى يبعثك الله إلى ذلك المقعد. ويحتمل أن يعود الضمير إلى الله. فإلى الله ترجع الأمور، والأول
ـــــــ
1 ما قاله اين عبد البر ومالك في الأرواح ضعيف مخالف لظاهر القرآن الكريم, وقد دل ظاهر القرآان على أن الأرواح ممسكة عند الله سبحانه وينالها من العذب والنعيم ما شاء الله من ذلك, ولا مانع من عرض العذاب والنعيم عليها وإحساس البدن أو ما بقي منه بما شاء الله من ذلك كما هو قول أهل السنة, والدليل المشار إليه قوله تعالى {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} . وقد دلت الأحاديث على إعادتها إلى الجسد بعد الدفن عند السؤال, ولا مانع من إعادتها إليه فيما يشاء الله من الأوقات كوقت السلام عليه. وثبت في الحديث الصحيح أن أرواح المؤمنين في شكل طيور تعلق بشجرة الجنة, وأرواح الشهداء في أجواف طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت..الحديث. والله أعلم
(3/243)

أظهر اهـ. ويؤيده رواية الزهري عن سالم عن أبيه بلفظ: "ثم يقال: هذا مقعدك الذي تبعث إليه يوم القيامة " أخرجه مسلم. وقد أخرج النسائي رواية ابن القاسم لكن لفظه كلفظ البخاري.
(3/244)

باب كلام الميت في الجنازة
...