باب مَوْتِ الْفجاءةِ الْبَغْتَةِ
 
1388 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا قَالَ: "نَعَمْ"
[الحديث 1388 – طرفه في: 2760]
قوله: "باب موت الفجاءة، البغتة" قال ابن رشيد: هو مضبوط بالكسر على البدل، ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هي البغتة، ووقع في رواية الكشميهني: "بغتة". والفجاءة بضم الفاء وبعد الجيم مد ثم همز، ويروى بفتح ثم سكون بغير مد، وهي الهجوم على من لم يشعر به. وموت الفجأة وقوعه بغير سبب من مرض وغيره، قال ابن رشيد: مقصود المصنف والله أعلم الإشارة إلى أنه ليس بمكروه، لأنه لم يظهر منه كراهيته لما أخبره الرجل بأن أمه افتلتت نفسها، وأشار إلى ما رواه أبو داود بلفظ: "موت الفجأة أخذة أسف" وفي إسناده مقال، فجرى على عادته في الترجمة بما لم يوافق شرطه، وإدخال ما يومئ إلى ذلك ولو من طرف خفي انتهى. والحديث المذكور أخرجه أبو داود من حديث عبيد بن خالد السلمي ورجاله ثقات، إلا أن راويه رفعه مرة ووقفه أخرى. وقوله: "أسف" أي غضب وزنا ومعنى، وروي بوزن فاعل أي غضبان، ولأحمد من حديث أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بجدار مائل فأسرع وقال: أكره موت الفوات" قال ابن بطال: وكان ذلك - والله أعلم - لما في موت الفجأة من خوف حرمان الوصية، وترك الاستعداد للمعاد بالتوبة وغيرها من الأعمال الصالحة. وقد روى ابن أبي الدنيا في "كتاب الموت" من حديث أنس نحو حديث عبيد بن خالد وزاد فيه: "المحروم من حرم وصيته" انتهى. وفي "مصنف ابن أبي شيبة" عن عائشة وابن مسعود "موت الفجأة راحة للمؤمن وأسف على الفاجر"
(3/254)

وقال ابن المنير لعل البخاري أراد بهذه الترجمة أن من مات فجأة فليستدرك ولده من أعمال البر ما أمكنه مما يقبل النيابة، كما وقع في حديث الباب. وقد نقل عن أحمد وبعض الشافعية كراهة موت الفجأة، ونقل النووي عن بعض القدماء أن جماعة من الأنبياء والصالحين ماتوا كذلك، قال النووي: وهو محبوب للمراقبين. قلت: وبذلك يجتمع القولان. قوله: "حدثنا محمد بن جعفر" أي ابن أبي كثير المدني. قوله: "أن رجلا" هو سعد بن عبادة، واسم أمه عمرة، وسيأتي حديثه والكلام عليه في الوصايا إن شاء الله تعالى. قوله: "افتلتت" بضم المثناة وكسر اللام أي سلبت، على ما لم يسم فاعله، يقال افتلت فلان أي مات فجأة وافتلتت نفسه كذلك، وضبطه بعضهم بفتح السين إما على التمييز، وإما على أنه مفعول ثان، والفلتة والافتلات ما وقع بغتة من غير روية، وذكره ابن قتيبة بالقاف وتقديم المثناة وقال: هي كلمة تقال لمن فتله الحب ولمن مات فجأة، والمشهور في الرواية بالفاء. والله أعلم.
(3/255)