باب الرِّيَاءِ فِي الصَّدَقَةِ لِقَوْلِهِ [264 البقرة]:
 
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} - إلى قوله - {وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {صَلْدًا} لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَالَ عِكْرِمَةُ {وَابِلٌ} مَطَرٌ شَدِيدٌ وَالطَّلُّ النَّدَى
قوله: "باب الرياء في الصدقة" قال الزين بن المنير: يحتمل أن يكون مراده إبطال الرياء للصدقة فيحمل على ما تمحض منها لحب المحمدة والثناء من الخلق بحيث لولا ذلك لم يتصدق بها. قوله: "لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} - إلى قوله: {وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} " قال الزين بن المنير: وجه الاستدلال من الآية أن الله تعالى شبه مقارنة المن والأذى للصدقة أو اتباعها بإنفاق الكافر المرائي الذي لا يجد بين يديه شيئا منه، ومقارنة الرياء من المسلم لصدقته أقبح من مقارنة الإيذاء، وأولى أن يشبه بإنفاق الكافر المرائي في إبطال إنفاقه اه. وقال ابن رشيد: اقتصر البخاري في هذه الترجمة على الآية، ومراده أن المشبه بالشيء يكون أخفى من المشبه به، لأن الخفي ربما شبه بالظاهر ليخرج من حيز الخفاء إلى الظهور. ولما كان الإنفاق رياء من غير المؤمن ظاهرا في إبطال الصدقة شبه به الإبطال بالمن والأذى، أي حالة هؤلاء في الإبطال كحالة هؤلاء، هذا من حيث الجملة، ولا يبعد أن يراعى حال التفضيل أيضا لأن حال المان شبيه بحال المرائي، لأنه لما من ظهر أنه لم يقصد وجه الله، وحال المؤذي يشبه حال الفاقد للإيمان من المنافقين لأن من يعلم أن للمؤذي ناصرا ينصره لم يؤذه، فعلم بهذا أن حالة المرائي أشد من حالة المان والمؤذي انتهى. ويتلخص أن يقال: لما كان المشبه به أقوى من المشبه، وإبطال الصدقة بالمن والأذى قد شبه بإبطالها بالرياء فيها كان أمر الرياء أشد. قوله: "وقاله ابن عباس: صلدا ليس عليه شيء" وصله ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هكذا في قوله: "فتركه صلدا" أي ليس عليه شيء. وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة في هذه الآية قال: "هذا مثل ضربه الله لأعمال الكفار يوم القيامة يقول: لا يقدرون على شيء مما كسبوا يومئذ كما ترك هذا المطر الصفا نقيا ليس عليه شيء"، ومن طريق أسباط عن السدي نحوه.
(3/277)

باب لايقبل الله صدقة من غلول ولا يفبل إلا من كسب طيب
...