باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [5 الليل]: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى
 
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}
اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقَ مَالٍ خَلَفًا
1442 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ عَنْ أَبِي الْحُبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا"
قوله: "باب قول الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} الآية" قال الزين بن المنير: أدخل هذه الترجمة بين أبواب الترغيب في الصدقة ليفهم أن المقصود الخاص بها الترغيب في الإنفاق في وجوه البر، وإن ذلك موعود عليه بالخلف في العاجل زيادة على الثواب الأجل. قوله: "اللهم أعط منفق مال خلفا" قال الكرماني: هو معطوف على الآية وحذف أداة العطف كثير، وهو مذكور على سبيل البيان للحسنى، أي تيسير الحسنى له إعطاء الخلف. قلت: قد أخرج الطبري من طرق متعددة عن ابن عباس في هذه الآية قال: أعطى مما عنده واتقى ربه وصدق بالخلف من الله تعالى. ثم حكى عن غيره أقوالا أخرى قال: وأشبهها بالصواب قول ابن عباس. والذي يظهر لي أن البخاري أشار بذلك إلى سبب نزول الآية المذكورة، وهو بين فيما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق قتادة "حدثني خالد العصري عن أبي الدرداء مرفوعا" نحو حديث أبي هريرة المذكور في الباب، وزاد في آخره: فأنزل الله في ذلك {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى - إلى قوله – لِلْعُسْرَى} وهو عند أحمد من هذا الوجه، لكن ليس فيه آخره. قوله: "منفق مال" بالإضافة ولبعضهم "منفقا مالا خلفا" ومالا مفعول منفق بدليل رواية الإضافة ولولاها احتمل أن يكون مفعول أعطى، والأول أولى من جهة أخرى وهي أن سياق الحديث للحض على إنفاق المال فناسب أن
(3/304)

يكون مفعول منفق، وأما الخلف فإبهامه أولى ليتناول المال والثواب: وغيرهما، وكم من متق مات قبل أن يقع له الخلف المالي فيكون خلفة الثواب المعد له في الآخرة، أو يدفع عنه من السوء ما يقابل ذلك. قوله: "حدثنا إسماعيل حدثني أخي" هو أبو بكر بن أبي أويس، وسليمان هو ابن بلال، وأبو الحباب بضم المهملة وموحدتين الأولى خفيفة وسماه مسلم في روايته سعيد بن يسار وهو عم معاوية الراوي عنه، ومزرد بضم الميم وفتح الزاي وتشديد الراء الثقيلة واسم أبي مزرد عبد الرحمن، وهذا الإسناد كله مدنيون. قوله: "ما من يوم" في حديث أبي الدرداء "م ا من يوم طلعت فيه الشمس إلا وبجنبتيها ملكان يناديان يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين: يا أيها الناس، هلموا إلى ربكم، إن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، ولا غربت شمسه إلا وبجنبتيها ملكان يناديان" فذكر مثل حديث أبي هريرة. قوله: "إلا ملكا" في حديث أبي الدرداء "إلا وبجنبتيها ملكان" والجنبة بسكون النون الناحية، وقوله: "خلفا" أي عوضا. قوله: "أعط ممسكا تلفا" التعبير بالعطية في هذه للمشاكلة، لأن التلف ليس بعطية. وأفاد حديث أبي هريرة أن الكلام المذكور موزع بينهما، فنسب إليهما في حديث أبي الدرداء نسبة المجموع إلى المجموع، وتضمنت الآية الوعد بالتيسير لمن ينفق في وجوه البر، والوعيد بالتعسير لعكسه. والتيسير المذكور أعم من أن يكون لأحوال الدنيا أو لأحوال الآخرة، وكذا دعاء الملك بالخلف يحتمل الأمرين، وأما الدعاء بالتلف فيحتمل تلف ذلك المال بعينه أو تلف نفس صاحب المال، والمراد به فوات أعمال البر بالتشاغل بغيرها. قال النووي: الإنفاق الممدوح ما كان في الطاعات وعلى العيال والضيفان والتطوعات. وقال القرطبي: وهو يعم الواجبات والمندوبات، لكن الممسك عن المندوبات لا يستحق هذا الدعاء إلا أن يغلب عليه البخل المذموم بحيث لا تطيب نفسه بإخراج الحق الذي عليه ولو أخرجه. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في قوله في حديث أبي موسى "طيبة بها نفسه" والله أعلم.
(3/305)