باب فَضْلِ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ
 
1519 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال " سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال إيمان بالله ورسوله قيل ثم ماذا قال جهاد في سبيل الله قيل ثم ماذا قال حج مبرور"
1520 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ أَخْبَرَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ "عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلاَ نُجَاهِدُ قَالَ لاَ لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ"
(3/381)

[الحديث 1520 – أطرافه في: 1861, 2784, 2875, 2876]
1521 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ "مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"
[الحديث 1521 – أطرافه في: 1819, 1820]
قوله: "باب فضل الحج المبرور" قال ابن خالويه: المبرور المقبول. وقال غيره: الذي لا يخالطه شيء من الإثم، ورجحه النووي. وقال القرطبي: الأقوال التي ذكرت في تفسيره متقاربة المعنى، وهي أنه الحج الذي وفيت أحكامه ووقع موقعا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل والله أعلم. وقد تقدم في ذلك أقوال أخر مع مباحث الحديث الأول في "باب من قال إن الإيمان هو العمل" من كتاب الإيمان، منها أنه يظهر بآخره فإن رجع خيرا مما كان عرف أنه مبرور. ولأحمد والحاكم من حديث جابر "قالوا يا رسول الله ما بر الحج؟ قال إطعام الطعام وإفشاء السلام" وفي إسناده ضعف، فلو ثبت لكان هو المتعين دون غيره. قوله: "حدثنا عبد الرحمن بن المبارك" هو العيشي بالتحتانية والشين المعجمة بصري وليس أخا لعبد الله بن المبارك المروزي الفقيه المشهور، وشيخه خالد هو ابن عبد الله الواسطي. قوله: "نرى الجهاد أفضل العمل" وهو بفتح النون أي نعتقد ونعلم، وذلك لكثرة ما يسمع من فضائله في الكتاب والسنة. وقد رواه جرير عن صهيب عند النسائي بلفظ: "فإني لا أرى عملا في القرآن أفضل من الجهاد". قوله: "لكن أفضل الجهاد" اختلف في ضبط "لكن" فالأكثر بضم الكاف خطاب للنسوة، قال القابسي: وهو الذي تميل إليه نفسي. وفي رواية الحموي لكن بكسر الكاف وزيادة ألف قبلها بلفظ الاستدراك، والأول أكثر فائدة لأنه يشتمل على إثبات فضل الحج وعلى جواب سؤالها عن الجهاد، وسماه جهادا لما فيه من مجاهدة النفس، وسيأتي بقية الكلام في أواخر كتاب الحج في "باب حج النساء" إن شاء الله تعالى. والمحتاج إليه هنا كونه جعل الحج أفضل الجهاد. قوله: "سمعت أبا حازم" هو سلمان، وأما أبو حازم سلمة بن دينار صاحب سهل بن سعد فلم يسمع من أبي هريرة، وسيار أبو الحكم الراوي عنه بتقديم المهملة وتشديد التحتانية. قوله: "من حج لله" في رواية منصور عن أبي حازم الآتية قبيل جزاء الصيد " من حج هذا البيت" ولمسلم من طريق جريح عن منصور " من أتى هذا البيت" وهو يشمل الحج والعمرة. وقد أخرجه الدارقطني من طريق الأعمش عن أبي حازم بلفظ: " من حج أو اعتمر " لكن في الإسناد إلى الأعمش ضعف. قوله: "فلم يرفث " الرفث الجماع، ويطلق على التعريض به وعلى الفحش في القول. وقال الأزهري: الرفث اسم جامع لكل ما يريده الرجل من المرأة، وكان ابن عمر يخصه بما خوطب به النساء. وقال عياض: هذا من قول الله تعالى: {لا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} والجمهور على أن المراد به في الآية الجماع انتهى. والذي يظهر أن المراد به في الحديث ما هو أعم من ذلك، وإليه نحا القرطبي، وهو المراد بقوله في الصيام "فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث" . "فائدة": فاء الرفث مثلثة في الماضي والمضارع والأفصح الفتح في الماضي والضم في المستقبل والله أعلم. قوله: "ولم يفسق" أي لم يأت بسيئة ولا معصية، وأغرب ابن الأعرابي فقال: إن لفظ الفسق لم يسمع في الجاهلية ولا في أشعارهم وإنما هو إسلامي، وتعقب بأنه كثر استعماله في القرآن وحكايته عمن قبل الإسلام. وقال غيره: أصله انفسقت الرطبة إذا خرجت فسمي الخارج عن الطاعة فاسقا. قوله: "رجع كيوم ولدته أمه" أي بغير ذنب،
(3/382)

وظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات، وهو من أقوى الشواهد لحديث العباس بن مرداس المصرح بذلك، وله شاهد من حديث ابن عمر في تفسير الطبري، قال الطيبي: الفاء في قوله: "فلم يرفث" معطوف على الشرط، وجوابه رجع أي صار، والجار والمجرور خبر له، ويجوز أن يكون حالا أي صار مشابها لنفسه في البراءة عن الذنوب في يوم ولدته أمه اهـ. وقد وقع في رواية الدارقطني المذكورة "رجع كهيئته يوم ولدته أمه" . وذكر لنا بعض الناس أن الطيبي أفاد أن الحديث إنما لم يذكر فيه الجدال كما ذكر في الآية على طريق الاكتفاء بذكر البعض وترك ما دل عليه ما ذكر، ويحتمل أن يقال إن ذلك يختلف بالقصد لأن وجوده لا يؤثر في ترك مغفرة ذنوب الحاج إذا كان المراد به المجادلة في أحكام الحج فيما يظهر من الأدلة، أو المجادلة بطريق التعميم فلا يؤثر أيضا فإن الفاحش منها داخل في عموم الرفث والحسن منها ظاهر في عدم التأثير، والمستوي الطرفين لا يؤثر أيضا.
(3/383)