باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين
 
...
الأركان كلها، فقال معاوية: إنما استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذين الركنين اليمانيين، فقال ابن عباس: ليس من أركانه شيء مهجور" قال عبد الله بن أحمد في العلل سألت أبي عنه فقال: قلبه شعبة، وقد كان شعبة يقول: الناس يخالفونني في هذا، ولكنني سمعته من قتادة هكذا انتهى. وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة على الصواب أخرجه أحمد أيضا، وكذا أخرجه من طريق مجاهد عن ابن عباس نحو، وروى الشافعي من طريق محمد بن كعب القرظي "إن ابن عباس كان يمسح الركن اليماني والحجر، وكان ابن الزبير يمسح الأركان كلها ويقول: ليس شيء من البيت مهجورا، فيقول ابن عباس {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ، ولفظ رواية مجاهد المذكورة عن ابن عباس أنه "طاف مع معاوية، فقال معاوية: ليس شيء من البيت مهجورا، فقال له ابن عباس {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} فقال معاوية: صدقت" وبهذا يتبين ضعف من حمله على التعدد، وأن اجتهاد كل منهما تغير إلى ما أنكره على الآخر، وإنما قلت ذلك لأن مخرج الحديثين واحد وهو قتادة عن أبي الطفيل؛ وقد جزم أحمد بأن شعبة قلبه فسقط التجويز العقلي. قوله: "إنه" الهاء للشأن. قوله: "لا يستلم هذان الركنان" كذا للأكثر على البناء للمجهول، وللحموي والمستملي: "لا نستلم هذين الركنين" بفتح النون ونصب هذين الركنين على المفعولية. قوله: "وكان ابن الزبير يستلمهن كلهن" وصله ابن أبي شيبة من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير أنه رأى أباه يستلم الأركان كلها وقال: "إنه ليس شيء منه مهجورا" وأخرج الشافعي نحوه عنه من وجه آخر كما تقدم، وفي "الموطأ" عن هشام بن عروة بن الزبير أن أباه "كان إذا طاف بالبيت يستلم الأركان كلها"، وأخرجه سعيد بن منصور عن الدراوردي عن هشام بلفظ: "إذا بدأ استلم الأركان كلها وإذا ختم". ثم أورد المصنف حديث ابن عمر قال: "لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين" وقد تقدم قول ابن عمر "إنما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم استلام الركنين الشاميين لأن البيت لم يتمم عل قواعد إبراهيم" وعلى هذا المعنى حمل ابن التين تبعا لابن القصار استلام ابن الزبير لهما لأنه لما عمر الكعبة أتم البيت على قواعد إبراهيم انتهى، وتعقب ذلك بعض الشراح بأن ابن الزبير طاف مع معاوية واستلم الكل، ولم يقف على هذا الأثر وإنما وقع ذلك لمعاوية مع ابن عباس، وأما ابن الزبير فقد أخرج الأزرقي في "كتاب مكة" فقال: إن ابن الزبير لما فرغ من بناء البيت وأدخل فيه من الحجر ما أخرج منه ورد الركنين على قواعد إبراهيم خرج إلى التنعيم واعتمر وطاف بالبيت واستلم الأركان الأربعة، فلم يزل البيت على بناء ابن الزبير إذا طاف الطائف استلم الأركان جميعها حتى قتل ابن الزبير. وأخرج من طريق ابن إسحاق قال: بلغني أن آدم لما حج استلم الأركان كلها، وأن إبراهيم وإسماعيل لما فرغا من بناء البيت طافا به سبعا يستلمان الأركان. وقال الداودي: ظن معاوية أنهما ركنا البيت الذي وضع عليه من أول، وليس كذلك، لما سبق من حديث عائشة، والجمهور على ما دل عليه حديث ابن عمر، وروى ابن المنذر وغيره استلام جميع الأركان أيضا عن جابر وأنس والحسن والحسين من الصحابة وعن سويد بن غفلة من التابعين. وقد يشعر ما تقدم في أوائل الطهارة من حديث عبيد بن جريج أنه قال لابن عمر "رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها" فذكر منها "ورأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين" الحديث بأن الذين رآهم عبيد بن جريج من الصحابة والتابعين كانوا لا يقتصرون في الاستلام على الركنين اليمانيين. وقال بعض أهل العلم: اختصاص الركنين مبين بالسنة ومستند التعميم القياس، وأجاب الشافعي عن قول من قال ليس شيء من البيت مهجورا بأنا لم ندع استلامهما هجرا للبيت،
(3/474)

وكيف يهجره وهو يطوف به، ولكنا نتبع السنة فعلا أو تركا، ولو كان ترك استلامهما هجرا لهما لكان ترك استلام ما بين الأركان هجرا لها ولا قائل به، ويؤخذ منه حفظ المراتب وإعطاء كل ذي حق حقه وتنزيل كل أحد منزلته. " فائدة ": في البيت أربعة أركان، الأول له فضيلتان: كون الحجر الأسود فيه، وكونه على قواعد إبراهيم. وللثاني الثانية فقط، وليس للآخرين شيء منهما، فلذلك يقبل الأول ويستلم الثاني فقط ولا يقبل الآخران ولا يستلمان، هذا على رأي الجمهور. واستحب بعضهم تقبيل الركن اليماني أيضا. "فائدة أخرى": استنبط بعضهم من مشروعية تقبيل الأركان جواز تقبيل كل من يستحق التعظيم من آدمي وغيره، فأما تقبيل يد الآدمي فيأتي في كتاب الأدب، وأما غيره فنقل عن الإمام أحمد أنه سئل عن تقبيل منبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيل قبره فلم ير به بأسا، واستبعد بعض اتباعه صحة ذلك، ونقل عن ابن أبي الصيف اليماني أحد علماء مكة من الشافعية جواز تقبيل المصحف وأجزاء الحديث وقبور الصالحين1 وبالله التوفيق.
ـــــــ
1 الأحكام التي تنسب إلى الدين لا بد من ثبوتها في نصوص الدين, وكل ما لم يكن عليه الأمر في زمن التشريع وفي نصوص التشريع فهو مردود على من يزعمه. وتقدم قول الإمام الشافعي "ولكنا نتبع السنة فعلا أو تركا" وهو مقتضى قول أمير المؤمنين عمر فيما خاطب به الحجر الأسود برقم 1597و1610.هذه هي النصوص, وسيأتي قول الحافظ عن ابن عمر في جوابه لمن سأله عن اسنلام الحجر"أمره إذا سمع الحديث أن يأخذ به ويتقي الرأي,.والخروج عن هذه الطريقة تغيير للدين وخروج به إلى غير ما أراده الله.
(3/475)