باب طَوَافِ الْقَارِنِ
 
1638 - حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن بن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال: "من كان معه هدي فليهل بالحج والعمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما" فقدمت مكة وأنا حائض فلما قضينا حجنا أرسلني مع عبد الرحمن إلى التنعيم فاعتمرت
(3/493)

فقال صلى الله عليه وسلم: " هذه مكان عمرتك" فطاف الذين أهلوا بالعمرة ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة طافوا طوافا واحدا"
1639 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ "أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا دَخَلَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَظَهْرُهُ فِي الدَّارِ فَقَالَ إِنِّي لاَ آمَنُ أَنْ يَكُونَ الْعَامَ بَيْنَ النَّاسِ قِتَالٌ فَيَصُدُّوكَ عَنْ الْبَيْتِ فَلَوْ أَقَمْتَ فَقَالَ قَدْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أسوة حَسَنَةٌ} ثُمَّ قَالَ أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ مَعَ عُمْرَتِي حَجًّا قَالَ ثُمَّ قَدِمَ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا"
[الحديث 1639 – أطرافه في: 1640, 1693, 1708, 1729, , 1807,1806, 1808, 1810, 1812, 1813, 4183, 4184, 4185]
1640 - حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع "أن بن عمر رضي الله عنهما أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير فقيل له إن الناس كائن بينهم قتال وإنا نخاف أن يصدوك فقال {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} إذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال ما شأن الحج والعمرة إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت حجا مع عمرتي وأهدى هديا اشتراه بقديد ولم يزد على ذلك فلم ينحر ولم يحل من شيء حرم منه ولم يحلق ولم يقصر حتى كان يوم النحر فنحر وحلق ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول وقال بن عمر رضي الله عنهما كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم"
قوله: "باب طواف القارن" أي هل يكتفي بطواف واحد أو لا بد من طوافين، أورد فيه حديث عائشة في حجة الوداع وفيه: "وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا" وحديث ابن عمر في حجة عام نزل الحجاج بابن الزبير أورده من وجهين في كل منهما أنه: جمع بين الحج والعمرة أهل بالعمرة أولا ثم أدخل عليها الحج وطاف لهما طوافا واحدا كما في الطريق الأولى، وفي الطريق الثانية: ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول، وفي هذه الرواية رفع احتمال قد يؤخذ من الرواية الأولى أن المراد بقوله طوافا واحدا أي طاف لكل منهما طوافا يشبه الطواف الذي للآخر، والحديثان ظاهران في أن القارن لا يجب عليه إلا طواف واحد كالمفرد، وقد رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن نافع عن ابن عمر أصرح من سياق حديثي الباب في الرفع ولفظه: "عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من جمع بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعي واحد" وأعله الطحاوي بأن الدراوردي أخطأ فيه وأن الصواب أنه موقوف، وتمسك في تخطئته بما رواه أيوب والليث وموسى بن عقبة وغير واحد عن نافع نحو سياق ما في الباب من أن ذلك وقع لابن عمر وأنه قال: "أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك" لا أنه روى
(3/494)

هذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم اهـ، وهو تعليل مردود فالدراوردي صدوق، وليس ما رواه مخالفا لما رواه غيره، فلا مانع من أن يكون الحديث عند نافع على الوجهين. واحتج الحنفية بما روي عن علي أنه "جمع بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل" وطرقه عن علي عند عبد الرزاق والدارقطني وغيرهما ضعيفة، وكذا أخرج من حديث ابن مسعود بإسناد ضعيف نحوه. وأخرج من حديث ابن عمر نحو ذلك وفيه الحسن بن عمارة وهو متروك، والمخرج في الصحيحين وفي السنن عنه من طرق كثيرة الاكتفاء بطواف واحد. وقال البيهقي إن ثبتت الرواية أنه طاف طوافين فيحمل على طواف القدوم وطواف الإفاضة، وأما السعي مرتين فلم يثبت. وقال ابن حزم: لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم لا عن أحد من أصحابه في ذلك شيء أصلا. قلت: لكن روى الطحاوي وغيره مرفوعا1 عن علي وابن مسعود ذلك بأسانيد لا بأس بها إذا اجتمعت، ولم أر في الباب أصح من حديثي ابن عمر وعائشة المذكورين في هذا الباب، وقد أجاب الطحاوي عن حديث ابن عمر بأنه اختلف عليه في كيفية إحرام النبي صلى الله عليه وسلم وإن الذي يظهر من مجموع الروايات عنه أنه صلى الله عليه وسلم أحرم أولا بحجة ثم فسخها فصيرها عمرة ثم تمتع بها إلى الحج، كذا قال الطحاوي مع جزمه قبل ذلك بأنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا. وهب أن ذلك كما قال فلم لا يكون قول ابن عمر "هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي أمر من كان قارنا أن يقتصر على طواف واحد، وحديث ابن عمر المذكور ناطق بأنه صلى الله عليه وسلم كان قارنا فإنه مع قوله فيه تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف فعل القران حيث قال: "بدأ فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج": وهذا من صور القران، وغايته أنه سماه تمتعا لأن الإحرام عنده بالعمرة في أشهر الحج كيف كان يسمى تمتعا. ثم أجاب عن حديث عائشة بأنها أرادت بقولها" وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا لهما طوافا واحدا" يعني الذين تمتعوا بالعمرة إلى الحج لأن حجتهم كانت مكية، والحجة المكية لا يطاف لها إلا بعد عرفة، قال: والمراد بقولها "جمعوا بين الحج والعمرة" جمع متعة لا جمع قران انتهى. وإني لكثير التعجب منه في هذا الموضع كيف ساغ له هذا التأويل، وحديث عائشة مفصل للحالتين فإنها صرحت بفعل من تمتع ثم من قرن حيث قالت: "فطاف الذين أهلوا بالعمرة ثم حلوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى" فهؤلاء أهل التمتع ثم قالت: "وأما الذين جمعوا إلخ" فهؤلاء أهل القران، وهذا أبين من أن يحتاج إلى إيضاح والله المستعان. وقد روى مسلم من طريق أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: "لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا" ومن طريق طاوس عن عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: يسعك طوافك لحجك وعمرتك" وهذا صريح في الإجزاء وإن كان العلماء اختلفوا فيما كانت عائشة محرمة به، قال عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل قال: "حلف طاوس ما طاف أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجه وعمرته إلا طوافا واحدا" وهذا إسناد صحيح، وفيه بيان ضعف ما روي عن علي وابن مسعود من ذلك، وقد روى آل بيت علي عنه مثل الجماعة، قال جعفر بن محمد الصادق عن أبيه أنه كان يحفظ عن علي "للقارن طواف واحد" خلاف ما يقول أهل العراق، ومما يضعف ما روي عن علي من ذلك أن أمثل طرقه عنه رواية عبد الرحمن بن أذينة عنه وقد ذكر فيها أنه "يمتنع على من ابتدأ الإهلال بالحج أن يدخل عليه العمرة، وأن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين" والذين احتجوا بحديثه
ـــــــ
1 في هامش طبعة بولاق: في نسخة "موقوفا"
(3/495)

لا يقولون بامتناع إدخال العمرة على الحج، فإن كانت الطريق صحيحة عندهم لزمهم العمل بما دلت عليه وإلا فلا حجة فيها. وقال ابن المنذر: احتج أبو أيوب1 من طريق النضر بأنا أجزنا جميعا للحج والعمرة سفرا واحدا وإحراما واحدا وتلبية واحدة فكذلك يجزي عنهما طواف واحد وسعي واحد لأنهما خالفا في ذلك سائر العبادات. وفي هدا القياس مباحث كثيرة لا نطيل بها. واحتج غيره بقوله صلى الله عليه وسلم: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" وهو صحيح كما سلف فدل على أنها لا تحتاج بعد أن دخلت فيه إلى عمل آخر غير عمله، والحق أن المتبع في ذلك السنة الصحيحة وهي مستغنية عن غيرها، وقد تقدم الكلام على بقية حديث عائشة، وسيأتي الكلام على حديث ابن عمر في أبواب المحصر إن شاء الله تعالى، وننبه هناك على اختلاف الرواية فيه. قوله: "لا آمن" كذا للأكثر بالمد وفتح الميم الخفيفة أي أخاف، وللمستملي: "لا أيمن" بياء ساكنة بين الهمزة والميم فقبل إنها إمالة، وقيل لغة تميمية وهي عندهم بكسر الهمزة. قوله: "فإن حيل" كذا للأكثر، وللكشميهني: "وأن يحل" بضم الياء وفتح المهملة واللام ساكنة، وقوله في الطريق الثانية "بطوافه الأول" أي الذي طافه يوم النحر للإفاضة، وتوهم بعضهم أنه أراد طواف القدوم فحمله على السعي. وقال ابن عبد البر: فبه حجة لمالك في قوله أن طواف القدوم إذا وصل بالسعي يجزئ عن طواف الإفاضة لمن تركه جاهلا أو نسيه حتى رجع إلى بلده وعليه الهدي، قال: ولا أعلم أحدا قال به غيره وغير أصحابه، وتعقب بأنه إن حمل قوله: "طوافه الأول" على طواف القدوم فإنه أجزأ عن طواف الإفاضة كان ذلك دالا على الإجزاء مطلقا ولو تعمده لا بقيد الجهل والنسيان لا إذا حملنا قوله طوافه الأول على طواف الإفاضة يوم النحر أو على السعي، ويؤيد التأويل الثاني حديث جابر عند مسلم: "لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا طوافه الأول" وهو محمول على ما حمل عليه حديث ابن عمر المذكور والله أعلم.
"تنبيه": وقع هنا عقب الطريق الثانية لحديث ابن عمر المذكور في نسخة الصغاني تعلية السند المذكور لبعض الرواة ولفظه: قال أبو إسحاق حدثنا قتيبة ومحمد بن رمح قالا حدثنا الليث مثله، وأبو إسحاق هذا إن كان هو المستملي فقد سقط بينه وبين قتيبة وابن رمح رجل وإن كان غيره فيحتمل أن يكون إبراهيم بن معفل النسفي الراوي عن البخاري والله أعلم.
ـــــــ
1 في هامش طبعة بولاق: في نسخة "أبو ثور"
(3/496)