باب إِذَا أُحْصِرَ الْمُعْتَمِرُ ب
 
قوله: "إن صددت عن البيت" هذا الكلام قاله جوابا لقول من قال له. إنا نخاف أن يحال بينك وبين البيت، كما أوضحته الرواية التي بعد هذه. قوله: "كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم" في رواية موسى بن عقبة" فقال: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، إذن اصنع كما صنع" زاد في رواية الليث عن نافع في "باب طواف القارن" "كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ونحوه في رواية أيوب عن نافع في "باب طواف القارن". قوله: "فأهل" يعني ابن عمر، والمراد أنه رفع صوته بالإهلال والتلبية، زاد في رواية جويرية التي بعد هذه "فقال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فحال كفار قريش دون البيت، فنحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه وحلق رأسه". قوله: "من أجل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أهل بعمرة عام الحديبية". قال النووي: معناه أنه أراد إن صددت عن البيت وأحصرت تحللت من العمرة كما تحلل النبي صلى الله عليه وسلم من العمرة. وقال عياض: يحتمل أن المراد أهل بعمرة كما أهل النبي صلى الله عليه وسلم بعمرة، ويحتمل أنه أراد الأمرين أي من الإهلال والإحلال وهو الأظهر.وتعقبه النووي، وليس هو بمردود. قوله: "بعمرة" زاد في رواية جويرية "من ذي الحليفة" وفي رواية أيوب الماضية "فأهل بالعمرة من الدار" والمراد بالدار المنزل الذي نزله بذي الحليفة، ويحتمل أن يحمل على الدار التي بالمدينة ويجمع بأنه أهل بالعمرة من داخل بيته، ثم أعلن بها وأظهرها بعد أن استقر بذي الحليفة. قوله: "عام الحديبية" سيأتي بيان ذلك وشرحه في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى، وأورده المصنف بعد بابين عن إسماعيل - وهو ابن أبي أويس - عن مالك فزاد فيه: "ثم إن عبد الله بن عمر نظر في أمره فقال: ما أمرهما إلا واحد" أي الحج والعمرة فيما يتعلق بالإحصار والإحلال، فالتفت إلى أصحابه فذكر القصة. وبين في رواية جويرية أن ذلك وقع بعد أن سار ساعة، وهو يؤيد الاحتمال الأول الماضي في أن المراد بالدار المنزل الذي نزله بذي الحليفة. ووقع في رواية الليث "أشهدكم أني قد أوجبت عمرة. ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال: ما شأن الحج والعمرة إلا واحد". ولو كان إيجابه العمرة من داره التي بالمدينة لكان ما بينها وبين ظاهر البيداء أكثر من ساعة.قوله: "فلم يحل منهما حتى حل يوم النحر" زاد في رواية الليث "فنحر وحلق" ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول. وهذا ظاهره أنه اكتفى بطواف القدوم عن طواف الإفاضة، وهو مشكل. ووقع في رواية إسماعيل المذكورة "ثم طاف لهما طوافا واحدا ورأى أن ذلك مجزئ عنه" وقد تقدم البحث في ذلك في آخر "باب طواف القارن".قوله: في رواية جويرية "أشهدكم أني قد أوجبت" أي ألزمت نفسي ذلك، وكأنه أراد تعليم من يريد الاقتداء به، وإلا فالتلفظ ليس بشرط.قوله: "وإن حيل بيني وبينه" أي البيت - أي منعت من الوصول إليه لأطوف - تحللت بعمل العمرة، وهذا يبين أن المراد بقوله: "ما أمرهما إلا واحد" يعني الحج والعمرة في جواز التحلل منهما بالإحصار أو في إمكان الإحصار عن كل منهما، ويؤيد الثاني قوله في رواية يحيى القطان المذكورة بعد قوله ما أمرهما إلا واحد "إن حيل بيني وبين العمرة حيل بيني وبين الحج" فكأنه رأى أولا أن الإحصار عن الحج أشد من الإحصار عن العمرة لطول زمن الحج وكثرة أعماله فاختار الإهلال بالعمرة، ثم رأى أن الإحصار بالحج يفيد التحلل عنه بعمل العمرة فقال:"ما أمرهما إلا واحد".وفيه أن الصحابة كانوا يستعملون القياس ويحتجون به.وفي هذا الحديث من الفوائد أن من أحصر بالعدو بأن منعه عن المضي في نسكه
(4/6)

حجا كان أو عمرة جاز له التحلل بأن ينوي ذلك وينحر هديه ويحلق رأسه أو يقصر منه. وفيه جواز إدخال الحج على العمرة وهو قول الجمهور، لكن شرطه عند الأكثر أن يكون قبل الشروع في طواف العمرة، وقيل إن كان قبل مضي أربعة أشواط صح، وهو قول الحنفية، وقيل بعد تمام الطواف وهو قول المالكية، ونقل عبد البر أن أبا ثور شذ فمنع إدخال الحج على العمرة قياسا على منع إدخال العمرة على الحج. وفيه أن القارن يقتصر على طواف واحد، وقد تقدم البحث فيه في بابه.وفيه أن القارن يهدي، وشذ ابن حزم فقالا: لا هدي على القارن.وفيه جواز الخروج إلى النسك في الطريق المظنون خوفه إذا رجى السلامة، قاله ابن عبد البر.قوله في رواية موسى بن إسماعيل "أن بعض بني عبد الله" قد تقدم اسمه في الرواية التي قبلها وأنه سالم بن عبد الله أو أخوه عبيد الله أو عبد الله، ولم يظهر لي من الذي تولى مخاطبته منهم. "تنبيه" وقع في رواية القعنبي عن مالك في أول أحاديث الباب في آخر قصة ابن عمر زيادة وهي "وأهدى شاة" قال ابن عبد البر: هي زيادة غير محفوظة، لأن ابن عمر كان يفسر ما استيسر من الهدي بأنه بدنة دون بدنة أو بقرة دون بقرة فكيف يهدي شاة. قوله: "حدثنا محمد" كذا في جميع الروايات غير منسوب، فجزم الحاكم بأنه محمد بن يحيى الذهلي، وأبو مسعود بأنه محمد بن مسلم بن وارة، وذكر الكلاباذي عن ابن أبي سعيد أنه أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي، وذكر أنه رآه في أصل عتيق، ويؤيده أن الحديث وجد من حديثه عن يحيى بن صالح المذكور، كذلك أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طريق أبي حاتم، ورواية البخاري عنه في باب الذبح فإنه روى عنه البخاري.قلت: ويحتمل أن يكون هو محمد بن إسحاق الصغاني فقد وجدت الحديث من روايته عن يحيى بن صالح كما سأذكره.قوله: "عن عكرمة قال فقال ابن عباس" هكذا رأيته في جميع النسخ وهو يقتضي سبق كلام يعقبه قوله: "فقال ابن عباس" ولم ينبه عليه أحد من شراح هذا الكتاب ولا بينه الإسماعيلي ولا أبو نعيم لأنهما اقتصرا من الحديث على ما أخرجه البخاري، وقد بحثت عنه إلى أن يسر الله بالوقوف عليه، فقرأت في "كتاب الصحابة" لابن السكن قال: "حدثني هارون بن عيسى حدثنا الصغاني هو محمد بن إسحاق أحد شيوخ مسلم حدثنا يحيى بن صالح حدثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير قال: سألت عكرمة فقال: قال عبد الله بن رافع مولي أم سلمة إنها سألت الحجاج بن عمرو الأنصاري عمن حبس وهو محرم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عرج أو كسر أو حبس فليجزئ مثلها وهو في حل " قال فحدثت به أبا هريرة فقال: صدق، وحدثته ابن عباس فقال: قد أحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق ونحر هديه وجامع نساءه حتى اعتمر عاما قابلا"، فعرف بهذا السياق القدر الذي حذفه البخاري من هذا الحديث، والسبب في حذفه أن الزائد ليس على شرطه لأنه قد اختلف في حديث الحجاج بن عمرو على يحيى بن أبي كثير عن عكرمة مع كون عبد الله بن رافع ليس من شرط البخاري فأخرجه أصحاب السنن وابن خزيمة والدار قطني والحاكم من طرق عن الحجاج الصواف عن يحيى عن عكرمة عن الحجاج به.وقال في آخر "قال عكرمة فسألت أبا هريرة وابن عباس فقالا صدق".ووقع في رواية يحيى القطان وغيره في سياقه "سمعت الحجاج" وأخرجه أبو داود والترمذي من طريق معمر عن يحيى عن عكرمة عن عبد الله بن رافع عن الحجاج قال الترمذي: وتابع معمرا على زيادة عبد الله بن رافع معاوية بن سلام، وسمعت محمدا يعني البخاري يقول: رواية معمر ومعاوية أصح، انتهى.فاقتصر البخاري على ما هو من شرط كتابه، مع أن الذي حذفه ليس بعيدا من الصحة، فإنه إن كان عكرمة سمعه من الحجاج بن عمرو فذاك، وإلا فالواسطة بينهما
(4/7)

- وهو عبد الله بن رافع - ثقة وإن كان البخاري لم يخرج له.وبهذا الحديث احتج من قال: لا فرق بين الإحصار بالعدو وبغيره كما تقدمت الإشارة إليه، واستدل به على أن من تحلل بالإحصار وجب عليه قضاء ما تحلل منه وهو ظاهر الحديث. وقال الجمهور: لا يجب، وبه قال الحنفية.وعن أحمد روايتان. وسيأتي البحث فيه بعد بابين إن شاء الله تعالى؟
(4/8)