باب بَرَكَةِ السَّحُورِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ وَاصَلُوا وَلَمْ يُذْكَرْ السَّحُورُ
 
1922- حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جويرية عن نافع عن عبد الله رضي الله عنه ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل فواصل الناس فشق عليهم فنهاهم قالوا إنك تواصل قال لست كهيئتكم إني أظل أطعم وأسقى"
[الحديث 1922- طرفه في: 1962]
1923- حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً"
قوله: "باب بركة السحور من غير إيجاب لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واصلوا ولم يذكر السحور" بضم "يذكر" على البناء للمجهول، وللكشميهني والنسفي "ولم يذكر سحور" قال الزين بن المنير: الاستدلال على الحكم إنما يفتقر إليه إذا ثبت الاختلاف أو كان متوقعا، والسحور إنما هو أكل للشهوة وحفظ القوة، لكن لما جاء الأمر به احتاج أن يبين أنه ليس على ظاهره من الإيجاب، وكذا النهي عن الوصال يستلزم الأمر بالأكل قبل طلوع الفجر. انتهى. وتعقب بأن النهي عن الوصال إنما هو أمر بالفصل بين الصوم والفطر، فهو أعم من الأكل آخر الليل فلا يتعين السحور، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ندبية السحور. وقال ابن بطال: في هذه الترجمة غفلة من البخاري لأنه قد أخرج بعد هذا حديث أبي سعيد "أيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر" فجعل غاية الوصال السحر وهو وقت السحور، قال: والمفسر يقضي على المجمل، انتهى. وقد تلقاه جماعة بعده بالتسليم، وتعقبه ابن المنير في الحاشية بأن البخاري لم يترجم على عدم مشروعية السحور وإنما ترجم على عدم إيجابه. وأخذ من الوصال أن السحور ليس بواجب، وحيث نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال لم يكن على سبيل تحريم الوصال وإنما هو نهي إرشاد لتعليله إياه بالإشفاق عليهم، وليس في ذلك إيجاب للسحور، ولما ثبت أن النهي عن الوصال للكراهة فضد نهي الكراهة الاستحباب فثبت استحباب السحور، كذا قال. ومسألة الوصال مختلف فيها، والراجح عند الشافعية التحريم. والذي يظهر لي أن البخاري أراد بقوله: "لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه واصلوا الخ" الإشارة إلى حديث أبي هريرة الآتي بعد خمسة وعشرين بابا فيه بعد النهي عن الوصال أنه "واصل بهم يوما ثم يوما، ثم رأوا الهلال فقال: لو تأخر لزدتكم" فدل ذلك على أن السحور ليس بحتم، إذ لو كان حتما ما واصل بهم فإن الوصال يستلزم ترك السحور سواء قلنا الوصال حرام أو لا، وسيأتي الكلام على اختلاف العلماء في حكم الوصال وعلى حديث ابن عمر أيضا في الباب المشار إليه إن شاء الله تعالى. وقوله: "أظل" بفتح الهمزة والظاء القائمة المعجمة مضارع ظللت إذا عملت بالنهار، وسيأتي هناك بلفظ: "أبيت" وهو دال على أن استعمال أظل هنا ليس مقيدا بالنهار. قوله: "تسحروا
(4/139)

فإن في السحور بركة" هو بفتح السين وبضمها، لأن المراد بالبركة الأجر والثواب فيناسب الضم لأنه مصدر بمعنى التسحر، أو البركة لكونه يقوي على الصوم وينشط له ويخفف المشقة فيه فيناسب الفتح لأنه ما يتسحر به، وقيل البركة ما يتضمن من الاستيقاظ والدعاء في السحر، والأولى أن البركة في السحور تحصل بجهات متعددة، وهي اتباع السنة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوى به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل، والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة، وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام. قال ابن دقيق العيد: هذه البركة يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية فإن إقامة السنة يوجب الأجر وزيادته، ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية كقوة البدن على الصوم وتيسيره من غير إضرار بالصائم. قال: ومما يعلل به استحباب السحور المخالفة لأهل الكتاب لأنه ممتنع عندهم، وهذا أحد الوجوه المقتضية للزيادة في الأجور الأخروية. وقال أيضا: وقع للمتصوفة في مسألة السحور كلام من جهة اعتبار حكم الصوم وهي كسر شهوة البطن والفرج، والسحور قد يباين ذلك. قال: والصواب أن يقال ما زاد في المقدار حتى تنعدم هذه الحكمة بالكلية فليس بمستحب كالذي صنعه المترفون من التأنق في المآكل وكثرة الاستعداد لها، وما عدا ذلك تختلف مراتبه. "تكميل": يحصل السحور بأقل ما يتناوله المرء من مأكول ومشروب. وقد أخرج هذا الحديث أحمد من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ: "السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين " ولسعيد بن منصور من طريق أخرى مرسلة "تسحروا ولو بلقمة".
(4/140)