باب الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ
 
1928- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ ضَحِكَتْ"
1929- حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن هشام بن أبي عبد الله حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن زينب بنت أم سلمة عن أمها رضي الله عنها قالت ثم بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخميلة إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي فقال ما لك أنفست قلت نعم فدخلت معه في الخميلة وكانت هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسلان من إناء واحد وكان يقبلها وهو صائم"
قوله، "باب القبلة للصائم" أي بيان حكمها. قوله، "حدثني يحيى" هو القطان، وهشام هو ابن عروة، وقد أحال المصنف بالمتن على طريق مالك عن هشام وليس بين لفظهما مخالفة، فقد أخرجه النسائي من طريق يحيى القطان بلفظ: "قال إني لم أر القبلة بعض أزواجه وهو صائم" وزاد الإسماعيلي من طريق عمرو بن علي بن يحيى قال هشام "قال إني لم أر القبلة تدعو إلى خير"، ورواه سعيد بن منصور عن يعقوب بن عبد الرحمن عن هشام بلفظ: "كان يقبل بعض أزواجه وهو صائم ثم ضحكت"، فقال عروة لم أر القبلة تدعو إلى خير، وكذا ذكره مالك في "الموطأ" عن هشام عقب الحديث، لكن لم يقل فيه ثم ضحكت. وقوله ثم ضحكت يحتمل ضحكها التعجب ممن خالف في هذا، وقيل تعجبت من نفسها إذ تحدث بمثل هذا مما يستحيي من ذكر النساء مثله للرجال، ولكنها ألجأتها الضرورة في تبليغ العلم إلى ذكر ذلك، وقد يكون الضحك خجلا لإخبارها عن نفسها بذلك، أو تنبيها على أنها صاحبة القصة ليكون أبلغ في الثقة بها، أو سرورا بمكانها من النبي صلى الله عليه وسلم وبمنزلتها منه ومحبته لها. وقد روى ابن أبي شيبة عن شريك عن هشام في هذا الحديث: "فضحكت، فظننا أنها هي" وروى النسائي من طريق طلحة بن عبد الله التيمي عن عائشة قالت: "أهوى إلي النبي صلى الله عليه وسلم ليقبلني فقلت إني صائمة، فقال وأنا صائم، فقبلني" وهذا يؤيد ما قدمناه أن النظر في ذلك لمن لا يتأثر بالمباشرة والتقبيل، لا للتفرقة بين الشاب والشيخ، لأن عائشة كانت شابة، نعم لما كان الشاب مظنة لهيجان الشهوة فرق من فرق. وقال المازري: ينبغي أن يعتبر حال المقبل فإن أثارت منه القبلة الإنزال حرمت عليه لأن الإنزال يمنع منه الصائم فكذلك ما أدى إليه، وإن كان عنها المذي فمن رأى القضاء منه قال يحرم في حقه، ومن رأى أن لا قضاء قال يكره، وإن لم تؤد القبلة إلى شيء فلا معنى للمنع منها إلا على القول بسد الذريعة. قال: ومن بديع ما روي في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للسائل عنها "أرأيت لو تمضمضت" فأشار إلى فقه بديع، وذلك أن المضمضة لا تنقض الصوم وهي أول الشرب ومفتاحه، كما أن القبلة من دواعي الجماع ومفتاحه، والشرب يفسد الصوم كما يفسده الجماع، وكما ثبت عندهم أن أوائل الشرب لا يفسد الصيام فكذلك أوائل الجماع ا هـ.
والحديث الذي أشار إليه أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عمر، قال النسائي منكر، وصححه ابن خزيمة وابن
(4/152)

حبان والحاكم وقد سبق الكلام على حديث أم سلمة في كتاب الحيض، والغرض منه هنا قولها "وكان يقبلها وهو صائم" وقد ذكرنا شاهده من رواية عمر بن أبي سلمة في الباب الذي قبله. وقال النووي: القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته لكن الأولى له تركها، وأما من حركت شهوته فهي حرام في حقه على الأصح وقيل مكروهة، وروى ابن وهب عن مالك إباحتها في النفل دون الفرض. قال النووي: ولا خلاف أنها لا تبطل الصوم إلا إن أنزل بها. "تنبيه": روى أبو داود وحده من طريق مصدع بن يحيى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها ويمص لسانها وإسناده ضعيف، ولو صح فهو محمول على من لم يبتلع ريقه الذي خالط ريقها، والله أعلم.
(4/153)