باب مَا يُذْكَرُ مِنْ صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِفْطَارِهِ
 
1971- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَا صَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ وَيَصُومُ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ لاَ وَاللَّهِ لاَ يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ لاَ وَاللَّهِ لاَ يَصُومُ"
1972- حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ مِنْ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لاَ يَصُومَ مِنْهُ وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لاَ يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا وَكَانَ لاَ تَشَاءُ تَرَاهُ مِنْ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلاَّ رَأَيْتَهُ وَلاَ نَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتَهُ وَقَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسًا فِي الصَّوْمِ"ح
1973- حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ صِيَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَاهُ مِنْ الشَّهْرِ صَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ وَلاَ مُفْطِرًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ وَلاَ مِنْ اللَّيْلِ
(4/215)

قَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ وَلاَ نَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ وَلاَ مَسِسْتُ خَزَّةً وَلاَ حَرِيرَةً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ شَمِمْتُ مِسْكَةً وَلاَ عَبِيرَةً أَطْيَبَ رَائِحَةً مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
قوله: "باب ما يذكر من صوم النبي صلى الله عليه وسلم" أي التطوع "وإفطاره" أي في خلل صيامه. قال الزين بن المنبر: لم يضف المصنف الترجمة التي قبل هذه للنبي صلى الله عليه وسلم وأطلقها ليفهم الترغيب للأمة في الاقتداء به في إكثار الصوم في شعبان، وقصد بهذه شرح حال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. ثم ذكر البخاري في الباب حديثين: الأول حديث ابن عباس. قوله: "عن أبي بشر" هو جعفر بن أبي وحشية. قوله: "عن سعيد بن جبير" في رواية شعبة عن أبي بشر "حدثني سعيد بن جبير" أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه، ولمسلم من طريق عثمان بن حكيم "سألت سعيد بن جبير عن صيام رجب فقال: سمعت ابن عباس". قوله: "ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا قط غير رمضان" في رواية شعبة عند مسلم: "ما صام شهرا متتابعا" وفي رواية أبي داود الطيالسي "شهرا تاما منذ قدم المدينة غير رمضان". قوله: "ويصوم" في رواية مسلم من الطريق التي أخرجها البخاري "وكان يصوم". قوله: "حتى يقول القائل لا والله لا يفطر" في رواية شعبة "حتى يقولوا ما يريد أن يفطر". الحديث الثاني حديث أنس. قوله: "حدثني محمد بن جعفر" أي ابن أبي كثير المدني، وحميد هو الطويل. قوله: "حتى نظن" بنون الجمع وبالتحتانية على البناء للمجهول، ويجوز بالمثناة على المخاطبة، ويؤيده قوله بعد ذلك "إلا رأيته" فإنه روي بالضم والفتح معا. قوله: "أن لا يصوم" بفتح الهمزة ويجوز في يصوم النصب والرفع. قوله: "وقال سليمان عن حميد أنه سأل أنسا في الصوم" كنت أظن أن سليمان هذا هو ابن بلال لكن لم أره بعد التتبع التام من حديثه فظهر لي أنه سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر، وقد وصل المصنف حديثه عقب هذا وفيه: "سألت أنسا عن صيام النبي صلى الله عليه وسلم:" فذكر الحديث أتم من طريق محمد بن جعفر، لكن تقدم بعض هذا الحديث في الصلاة وقال فيه: "تابعه سليمان وأبو خالد الأحمر" فهذا يدل على التعدد، ويحتمل أن تكون الواو مزيدة كما تقدمت الإشارة إليه. الحديث: قوله: "ما كنت أحب أن أراه من الشهر صائما إلا رأيته" يعني أن حاله في التطوع بالصيام والقيام كان يختلف، فكان تارة يقوم من أول الليل وتارة في وسطه وتارة من آخره، كما كان يصوم تارة من أول الشهر وتارة من وسطه وتارة من آخره، فكان من أراد أن يراه وقت من أوقات الليل قائما أو في وقت من أوقات الشهر صائما فراقبه المرة بعد المرة فلا بد أن يصادفه قام أو صام على وفق ما أراد أن يراه، هذا معنى الخبر، وليس المراد أنه كان يسرد الصوم ولا أنه كان يستوعب الليل قياما. ولا يشكل على هذا قول عائشة في الباب قبله "وكان إذا صلى صلاة دوام عليها" وقوله في الرواية الأخرى الآتية بعد أبواب "كان عمله ديمة" لأن المراد بذلك ما اتخذه راتبا لا مطلق النافلة، فهذا وجه الجمع بين الحديثين وإلا فظاهرهما التعارض والله أعلم. قوله: "حدثني محمد" كذا للأكثر ولأبي ذر "هو ابن سلام". قوله: "ولا مسست" بكسر المهملة الأولى على الأفصح، وكذا شممت بكسر الميم الأولى وفتحها لغة حكاها الفراء، ويقال في مضارعه أشمه وأمسه بالفتح فيهما على الأفصح وبالضم على اللغة المذكورة. قوله: "من رائحة" كذا للأكثر وللكشميهني: "من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم". وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان على أكمل الصفات خلقا وخلقا فهو كل الكمال وجل الجلال وجملة الجمال عليه أفضل الصلاة والسلام، وسيأتي شرح ما تضمنه هذا الحديث في "باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم: "في أوائل السيرة النبوية
(4/216)

إن شاء الله تعالى مستوفى. وفي حديثي الباب استحباب التنفل بالصوم في كل شهر، وأن صوم النفل المطلق لا يختص بزمان إلا ما نهى عنه، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يصم الدهر ولا قام الليل كله، وكأنه ترك ذلك لئلا يقتدي به فيشق على الأمة، وإن كان قد أعطي من القوة ما لو التزم ذلك لاقتدر عليه، لكنه سلك من العبادة الطريقة الوسطى: فصام وأفطر، وقام ونام، أشار إلى ذلك المهلب. وفي حديث ابن عباس الحلف على الشيء وإن لم يكن هناك من ينكره مبالغة في تأكيده في نفس السامع.
(4/217)