باب صَوْمِ الدَّهْرِ
 
1976- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَقُولُ وَاللَّهِ لاَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلاَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ فَقُلْتُ لَهُ قَدْ قُلْتُهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي قَالَ فَإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ وَصُمْ مِنْ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ قُلْتُ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ قُلْتُ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَم وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ فَقُلْتُ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ"
قوله: "باب صوم الدهر" أي هل يشرع أو لا؟ قال الزين بن المنير: لم ينص على الحكم لتعارض الأدلة واحتمال أن يكون عبد الله بن عمرو خص بالمنع لما اطلع النبي صلى الله عليه وسلم عليه من مستقبل حاله، فيلتحق به من في معناه ممن يتضرر بسرد الصوم، ويبقى غيره على حكم الجواز لعموم الترغيب في مطلق الصوم كما سيأتي في الجهاد من حديث أبي سعيد مرفوعا: "من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار" . قوله: "فإنك لا تستطيع ذلك" يحتمل أن يريد به الحالة الراهنة لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم من أنه يتكلف ذلك ويدخل به على نفسه المشقة ويفوت به ما هو أهم من ذلك، ويحتمل أن يريد به ما سيأتي بعد إذا كبر وعجز كما اتفق له سواء، وكره أن يوظف على نفسه شيئا من العبادة ثم يعجز عنه فيتركه لما تقرر من ذم من فعل ذلك. قوله: "وصم من الشهر ثلاثة أيام" بعد قوله: "فصم وأفطر" بيان لما أجمل من ذلك وتقرير له على ظاهره، إذ الإطلاق يقتضي المساواة. قوله: "مثل صيام الدهر" يقتضي أن المثلية لا تستلزم التساوي من كل جهة لأن المراد به هنا أصل التضعيف دون التضعيف الحاصل من الفعل، ولكن يصدق على فاعل ذلك أنه صام الدهر مجازا. قوله بعد ذكر صيام داود "لا أفضل من ذلك" ليس فيه نفي المساواة صريحا، لكن قوله في الرواية الماضية في قيام الليل من طريق عمرو بن أوس عن عبد الله بن عمرو "أحب الصيام إلى الله
(4/220)

صيام داود "يقتضي ثبوت الأفضلية مطلقا، ورواه الترمذي من وجه آخر عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو بلفظ: "أفضل الصيام صيام داود"، وكذلك رواه مسلم من طريق أبي عياض عن عبد الله، ومقتضاه أن تكون الزيادة على ذلك من الصوم مفضلة، وسأذكر بسط ذلك في الباب الذي بعده إن شاء الله تعالى.
(4/221)