باب صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ
 
1988- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْرٌ مَوْلَى أُمِّ الْفَضْلِ أَنَّ
(4/236)

أُمَّ الْفَضْلِ حَدَّثَتْهُ ح و حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ صَائِمٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ بِصَائِمٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ فَشَرِبَهُ"
1989- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّاسَ شَكُّوا فِي صِيَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِحِلاَبٍ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الْمَوْقِفِ فَشَرِبَ مِنْهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ"
قوله: "باب صوم يوم عرفة" أي ما حكمه؟ وكأنه لم تثبت الأحاديث الواردة في الترغيب في صومه على شرطه وأصحها حديث أبي قتادة "أنه يكفر سنة آتية وسنة ماضية" أخرجه مسلم وغيره، والجمع بينه وبين حديثي الباب أن يحمل على غير الحاج أو على من لم يضعفه صيامه عن الذكر والدعاء المطلوب للحاج كما سيأتي تفصيل ذلك. قوله: "حدثني سالم" هو أبو النضر المذكور في الطريق الثانية وهو بكنيته أشهر، وربما جاء باسمه وكنيته معا فيقال حدثنا سالم أبو النضر، وإنما ساق البخاري الطريق الأولى مع نزولها لما فيها من التصريح بالتحديث في المواضع التي وقعت بالعنعنة في الطريق الثانية مع علوها، وما أكثر ما يحرص البخاري على ذلك في هذا الكتاب. قوله: "عمير مولى أم الفضل" هو عمير مولى ابن عباس، فمن قال مولى أم الفضل فباعتبار أصله ومن قال مولى ابن عباس فباعتبار ما آل إليه حاله، لأن أم الفضل هي والدة ابن عباس وقد انتقل إلى ابن عباس ولاء موالي أمه. وليس لعمير في البخاري سوى هذا الحديث، وقد أخرجه أيضا في الحج في موضعين وفي الأشربة في ثلاثة مواضع، وحديث آخر تقدم في التيمم. قوله: "أن ناسا تماروا" أي اختلفوا، ووقع عند الدار قطني في "الموطآت" من طريق أبي نوح عن مالك "اختلف ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم". قوله: "في صوم النبي صلى الله عليه وسلم" هذا يشعر بأن صوم يوم عرفة كان معروفا عندهم معتادا لهم في الحضر، وكأن من جزم بأنه صائم استند إلى ما ألفه من العبادة، ومن جزم بأنه غير صائم قامت عنده قرينة كونه مسافرا، وقد عرف نهيه عن صوم الفرض في السفر فضلا عن النفل. قوله: "فأرسلت" سيأتي في الحديث الذي يليه أن ميمونة بنت الحارث هي التي أرسلت، فيحتمل التعدد، ويحتمل أنهما معا أرسلتا فنسب ذلك إلى كل منهما لأنهما كانتا أختين فتكون ميمونة أرسلت بسؤال أم الفضل لها في ذلك لكشف الحال في ذلك ويحتمل العكس، وسيأتي الإشارة إلى تعيين كون ميمونة هي التي باشرت الإرسال. ولم يسم الرسول في طرق حديث أم الفضل، لكن روى النسائي من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس ما يدل على أنه كان الرسول بذلك، ويقوي ذلك أنه كان ممن جاء عنه أنه أرسل إما أمه وإما خالته. قوله: "وهو واقف على بعيره" زاد أبو نعيم في "المستخرج" من طريق يحيى بن سعيد عن مالك "وهو يخطب الناس بعرفة" وللمصنف في الأشربة من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة عن أبي النضر "وهو واقف عشية عرفة" ولأحمد والنسائي من طريق عبد الله بن عباس عن أمه أم الفضل "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر بعرفة". قوله: "فشربه" زاد في حديث
(4/237)

ميمونة "والناس ينظرون". قوله: "أخبرني عمرو" هو ابن الحارث، وبكير هو ابن عبد الله بن الأشج، ونصف إسناده الأول مصريون والآخر مدنيون، وقوله: "بحلاب" بكسر المهملة هو الإناء الذي يجعل فيه اللبن، وقيل الحلاب: اللبن المحلوب، وقد يطلق على الإناء ولو لم يكن فيه لبن. "تنبيه": روى الإسماعيلي حديث ابن وهب بثلاثة أسانيد: أحدها عنه عن مالك بإسناده، والثاني عنه عن عمرو بن الحارث عن سالم أبي النضر شيخ مالك فيه به، والثالث عن عمرو عن بكير به، واقتصر البخاري على أحد أسانيده اكتفاء برواية غيره كما سبق. واستدل بهذين الحديثين على استحباب الفطر يوم عرفة بعرفة، وفيه نظر لأن فعله المجرد لا يدل على نفي الاستحباب إذ قد يترك الشيء المستحب لبيان الجواز ويكون في حقه أفضل لمصلحة التبليغ، نعم روى أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة والحاكم من طريق عكرمة أن أبا هريرة حدثهم "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة" وأخذ بظاهره بعض السلف فجاء عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال: يجب فطر يوم عرفة للحاج، وعن ابن الزبير وأسامة ابن زيد وعائشة: أنهم كانوا يصومونه، وكان ذلك يعجب الحسن ويحكيه عن عثمان، وعن قتادة مذهب آخر قال: لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء، ونقله البيهقي في "المعرفة" عن الشافعي في القديم، واختاره الخطابي والمتولي من الشافعية. وقال الجمهور: يستحب فطره، حتى قال عطاء من أفطره ليتقوى به على الذكر كان له مثل أجر الصائم. وقال الطبري إنما أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة ليدل على الاختيار للحاج بمكة لكي لا يضعف عن الدعاء والذكر المطلوب يوم عرفة، وقيل إنما أفطر لموافقته يوم الجمعة وقد نهى عن إفراده بالصوم، ويبعده سياق أول الحديث، وقيل إنما كره صوم يوم عرفة لأنه يوم عيد لأهل الموقف لاجتماعهم فيه، ويؤيده ما رواه أصحاب السنن عن عقبة بن عامر مرفوعا: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام". وفي الحديث من الفوائد أن العيان أقطع للحجة وأنه فوق الخبر، وأن الأكل والشرب في المحافل مباح ولا كراهة فيه للضرورة، وفيه قبول الهدية من المرأة من غير استفصال منها هل هو من مال زوجها أو لا، ولعل ذلك من القدر الذي لا يقع فيه المشاحجة، قال المهلب: وفيه نظر لما تقدم من احتمال أنه من بيت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه تأسى الناس بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه البحث والاجتهاد في حياته صلى الله عليه وسلم، والمناظرة في العلم بين الرجال والنساء، والتحيل على الاطلاع على الحكم بغير سؤال. وفيه فطنة أم الفضل لاستكشافها عن الحكم الشرعي بهذه الوسيلة اللطيفة اللائقة بالحال، لأن ذلك كان في يوم حر بعد الظهيرة، قال ابن المنير في الحاشية: لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم ناول فضله أحدا، فلعله علم أنها خصته به، فيؤخذ منه مسألة التمليك المقيد. انتهى. ولا يخفى بعده ا هـ. وقد وقع في حديث ميمونة "فشرب منه" وهو مشعر بأنه لم يستوف شربه منه. وقال الزين بن المنير: لعل استبقاءه لما في القدح كان قصدا لإطالة زمن الشرب حتى يعم نظر الناس إليه ليكون أبلغ في البيان. وفيه الركوب في حال الوقوف، وقد تقدمت مباحثه في كتاب الحج، وترجم له في كتاب الأشربة "في الشرب في القدح وشرب الواقف على البعير".
(4/238)