باب فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ
 
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ {ومَا أَدْرَاكَ} فَقَدْ أَعْلَمَهُ وَمَا قَالَ {وَمَا يُدْرِيكَ} فَإِنَّهُ لَمْ يُعْلِمْهُ
2014- حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَفِظْنَاهُ وَإِنَّمَا حَفِظَ مِنَ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ"
: "باب فضل ليلة القدر. وقال الله تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} إلى آخر السورة" ثبت في رواية أبي ذر قبل الباب بسملة. وفي رواية غيره: "وقول الله عز وجل" أي وتفسير قول الله، وساق في رواية كريمة السورة كلها. ومناسبة ذلك للترجمة من جهة أن نزول القرآن في زمان بعينه يقتضي فضل ذلك الزمان، والضمير في قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} للقرآن لقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} ومما تضمنته السورة من فضل ليلة القدر تنزل الملائكة فيها، وسيأتي في التفسير ذكر الاختلاف في سبب نزولها وغير ذلك من تفسيرها. واختلف في المراد بالقدر الذي أضيفت إليه الليلة فقيل: المراد به التعظيم كقوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} والمعنى أنها ذات قدر لنزول القرآن فيها، أو لما يقع فيها من تنزل الملائكة، أو لما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة، أو أن الذي يحييها يصير ذا قدر. وقيل القدر هنا التضييق كقوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} ومعنى التضييق فيها إخفاؤها عن العلم بتعيينها، أو لأن الأرض تضيق فيها عن الملائكة. وقيل القدر هنا بمعنى القدر بفتح الدال الذي هو مؤاخي القضاء، والمعنى أنه يقدر فيها أحكام تلك السنة لقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} وبه صدر النووي كلامه فقال: قال العلماء سميت ليلة القدر لما تكتب فيها الملائكة من الأقدار لقوله تعالى:
{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} ورواه عبد الرزاق وغيره من المفسرين بأسانيد صحيحة عن مجاهد وعكرمة وقتادة وغيرهم. وقال التوربشتي: إنما جاء القدر بسكون الدال، وإن كان الشائع في القدر الذي هو مؤاخي القضاء فتح الدال ليعلم أنه لم يرد به ذلك وإنما أريد به تفصيل ما جرى به القضاء وإظهاره وتحديده في تلك السنة لتحصيل ما يلقى إليهم فيها مقدارا بمقدار. قوله: "قال ابن عيينة الخ" وصله محمد بن يحيى بن أبي عمر في "كتاب الإيمان" له من رواية أبي حاتم الرازي عنه قال: حدثنا سفيان بن عيينة، فذكره بلفظ: كل شيء في القرآن وما أدراك فقد أخبره به، وكل شيء فيه وما يدرك فلم يخبره به. انتهى. وعزاه مغلطاي فيما قرأت بخطه لتفسير ابن عيينة رواية سعيد ابن عبد الرحمن عنه، وقد راجعت منه نسخة بخط الحافظ الضياء فلم أجده فيه، ومقصود ابن عيينة أنه صلى الله عليه وسلم كان يعرف تعيين ليلة القدر، وقد تعقب
(4/255)

هذا الحصر بقوله تعالى: {لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} فإنها نزلت في ابن أم مكتوم، وقد علم صلى الله عليه وسلم بحاله وأنه ممن تزكى ونفعته الذكرى. قوله: "حفظناه من الزهري أيما حفظ" برفع أي وما زائدة وهو مبتدأ وخبره محذوف تقديره حفظ ومن الزهري متعلق بحفظناه، وروى بنصب أيما على أنه مفعول مطلق لحفظ المقدر. قوله: "من صام رمضان" تقدم في الباب قبله من رواية مالك عن الزهري بسنده بلفظ: "قام" بدل صام، وتقدم الكلام عليه، وزاد ابن عيينة في روايته هنا "ومن قام ليلة القدر الخ". قوله: "تابعه سليمان بن كثير عن الزهري" وصله الذهلي في "الزهريات" وقد تقدم شرحه في الباب قبله، وسنذكر بقية الكلام على ليلة القدر قريبا.
(4/256)