باب التِّجَارَةِ فِي الْبَحْرِ
 
وَقَالَ مَطَرٌ لاَ بَأْسَ بِهِ وَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ إِلاَّ بِحَقٍّ ثُمَّ تَلاَ [14النحل] {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} وَالْفُلْكُ السُّفُنُ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ سَوَاءٌ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَمْخَرُ السُّفُنُ الرِّيحَ وَلاَ تَمْخَرُ الرِّيحَ مِنْ السُّفُنِ إِلاَّ الْفُلْكُ الْعِظَامُ
2063- وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ خَرَجَ إِلَى الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ وَسَاقَ الْحَدِيثَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بِهَ"
قوله: "باب التجارة في البحر" أي إباحة ركوب البحر للتجارة، وفي بعض النسخ "وغيره:" فإن ثبت قوى قول من قرأ: { الْبِرَّ } فيما سبق بباب بضم أوله أو بالزاي. قوله: "وقال مطر الخ" هو مطر الوراق البصري مشهور في التابعين، ووقع في رواية الحموي وحده "وقال مطرف" وهو تصحيف، وبأنه الوراق وصفه المزي والقطب وآخرون. وقال الكرماني: الظاهر أنه ابن الفضل المروزي شيخ البخاري، وكأن ظهور ذلك له من حيث أن الذين أفردوا رجال البخاري كالكلاباذي لم يذكروا فيهم الوراق المذكور لأنهم لم يستوعبوا من علق لهم، وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن شوذب عن مطر الوراق أنه كان لا يرى بركوب البحر بأسا ويقول: ما ذكره الله تعالى في القرآن إلا بحق، ووجه حمل مطر ذلك على الإباحة أنها سيقت في مقام الامتنان، وتضمن ذلك الرد على من منع ركوب البحر، وسيأتي بسط ذلك في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى. قوله: "الفلك السفن الواحد والجمع سواء" هو قول أكثر أهل اللغة، ويدل عليه قوله تعالى: {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُون} وقوله: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} فذكره في الإفراد والجمع بلفظ واحد، وقيل إن الفلك بالضم والإسكان جمع فلك بفتحتين مثل أسد وأسد. وقال صاحب "المحكم" السفينة فعيلة بمعنى فاعلة سميت سفينة لأنها تسفن وجه الماء أي تفسره، والجمع سفن وسفائن وسفين. قوله: "وقال مجاهد الخ" وصله الفريابي في تفسيره، وكذلك عبد بن حميد من وجه آخر، قال عياض: ضبطه الأكثر بنصب السفن وعكسه الأصيلي، والصواب الأول عند بعضهم بناء على أن الريح الفاعل وهي التي تصرف السفينة في الإقبال والإدبار، وضبط الأصيلي صواب وهو ظاهر القرآن إذ جعل الفعل للسفينة فقال: {مَوَاخِرَ فِيهِ} وقوله: "تمخر" بفتح المعجمة أي تشق يقال مخرت السفينة إذا شقت الماء بصوت، وقيل المخر الصوت نفسه، وكأن مجاهدا أراد أن شق السفينة للبحر بصوت إنما هو بواسطة الريح، ومعنى قوله: "ولا تمخر الخ" أن الصوت لا يحصل إلا من كبار السفن، أو لا يحصل من الصغار غالبا. قوله: "وقال
(4/299)

الليث الخ" هو طرف من حديث ساقه بتمامه في كتاب الكفالة كما سيأتي، وسنذكر الكلام عليه ثم، ووجه تعلقه بالترجمة ظاهر من جهة أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يرد في شرعنا ما ينسخه، ولا سيما إذا ذكره صلى الله عليه وسلم مقررا له أو في سياق الثناء على فاعله أو ما أشبه ذلك، ويحتمل أن يكون مراد المصنف بإيراد هذا أن ركوب البحر لم يزل متعارفا مألوفا من قديم الزمان، فيحمل على أصل الإباحة حتى يرد دليل على المنع. قوله في آخره "حدثني عبد الله بن صالح حدثنا الليث به" فيه التصريح بوصل المعلق المذكور، ولم يقع ذلك في أكثر الروايات في الصحيح، ولا ذكره أبو ذر إلا في هذا الموضع، وكذا وقع في رواية أبي الوقت.
(4/300)