باب آكِلِ الرِّبَا وَشَاهِدِهِ وَكَاتِبِهِ
 
وَقَوْل الله تَعَالَى[275 البقرة]: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ} إلى آخرالأية
2084- حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت ثم لما نزلت آخر البقرة قرأهن النبي صلى الله عليه وسلم عليهم في المسجد ثم حرم التجارة في الخمر"
2085- حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جرير بن حازم حدثنا أبو رجاء عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان فقلت ما هذا فقال الذي رأيته في النهر آكل الربا"
قوله: "باب آكل الربا وشاهده وكاتبه" أي بيان حكمهم، والتقدير باب إثم أو ذم. في رواية الإسماعيلي: "وشاهديه" بالتثنية. قوله: "قول الله تعالى: { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ} إلى آخر الآية" وهو قوله: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} روى الطبري من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ
(4/313)

الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} قال: ذاك حين يبعث من قبره . ومن طريق سعيد عن قتادة قال: تلك علامة أهل الربا يوم القيامة، يبعثون وبهم خبل . وأخرجه الطبري من حديث أنس نحوه مرفوعا. وقيل معناه أن الناس يخرجون من الأجداث سراعا، لكن آكل الربا يربو الربا في بطنه فيريد الإسراع فيسقط فيصير بمنزلة المتخبط من الجنون. وذكر الطبري في قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا} أنهم لما قيل لهم هذا ربا لا يحل قالوا: لا فرق إن زدنا الثمن في أول البيع أو عند محله، فأكذبهم الله تعالى. قال الطبري: إنما خص الآكل بالذكر لأن الذين نزلت فيهم الآيات المذكورة كانت طعمتهم من الربا، وإلا فالوعيد حاصل لكل من عمل به سواء أكل منه أم لا. ثم ساق البخاري في الباب حديثين: أحدهما حديث عائشة "لما نزلت آخر البقرة قرأهن النبي صلى الله عليه وسلم ثم حرم التجارة في الخمر" وقد تقدم الكلام عليه في أبواب المساجد من كتاب الصلاة، ويأتي الكلام على تحريم التجارة في الخمر في أواخر البيوع. ثانيهما حديث سمرة في المنام الطويل، وقد تقدم بطوله في كتاب الجنائز، واقتصر منه هنا على قصة آكل الربا. وقال ابن التين: ليس في حديثي الباب ذكر لكاتب الربا وشاهده، وأجيب بأنه ذكرهما على سبيل الإلحاق لإعانتهما للآكل على ذلك، وهذا إنما يقع على من واطأ صاحب الربا عليه فأما من كتبه أو شهد القصة ليشهد بها على ما هي عليه ليعمل فيها بالحق فهذا جميل القصد لا يدخل في الوعيد المذكور، وإنما يدخل فيه من أعان صاحب الربا بكتابته وشهادته فينزل منزلة من قال: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا} وأيضا فقد تضمن حديث عائشة نزول آخر البقرة ومن جملة ما فيه قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} وفيه {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} وفيه {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} فأمر بالكتابة والإشهاد في البيع الذي أحله، فأفهم النهي عن الكتابة والإشهاد في الربا الذي حرمه، ولعل البخاري أشار إلى ما ورد في الكاتب والشاهد صريحا، فعند مسلم وغيره من حديث جابر "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم في الإثم سواء" ولأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة من طريق عبد الرحمن بن عبد الله ابن مسعود عن أبيه "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه" وفي رواية الترمذي بالتثنية. وفي رواية النسائي من وجه آخر عن ابن مسعود "آكل الربا وموكله وشاهداه وكاتبه ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم".
(4/314)