باب كَمْ يَجُوزُ الْخِيَارُ
 
2107- حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ نَافِعًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ فِي بَيْعِهِمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونُ الْبَيْعُ خِيَارًا قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ"
[الحديث 2107- أطرافه في: 2109، 2111، 2112،02113، 2116]
2108- حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا وَزَادَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا بَهْزٌ قَالَ قَالَ هَمَّامٌ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي التَّيَّاحِ فَقَالَ كُنْتُ مَعَ أَبِي الْخَلِيلِ لَمَّا حَدَّثَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بِهَذَا الْحَدِيثِ"
قوله: "باب" بالتنوين "كم يجوز الخيار" والخيار بكسر الخاء اسم من الاختيار أو التخيير، وهو طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه، وهو خياران: خيار المجلس وخيار الشرط، وزاد بعضهم خيار النقيصة، وهو مندرج في الشرط فلا يزاد. والكلام هنا علي خيار الشرط والترجمة معقودة لبيان مقداره وليس في حديثي الباب بيان لذلك، قال ابن المنير: لعله أخذ من عدم تحديده في الحديث أنه لا يتقيد بل يفوض الأمر فيه إلى الحاجة لتفاوت السلع في ذلك. قلت: وقد روى البيهقي من طريق أبي علقمة الغروي عن نافع عن ابن عمر مرفوعا: "الخيار ثلاثة أيام" وهذا كأنه مختصر من الحديث الذي أخرجه أصحاب السنن من طريق محمد بن إسحاق عن نافع في قصة حبان بن منقذ وسأذكره بعد خمسة أبواب، وبه احتج للحنفية والشافعية في أن أمد الخيار ثلاثة أيام، وأنكر مالك التوقيت في خيار الشرط ثلاثة أيام بغير زيادة وإن كانت في الغالب يمكن الاختيار فيها، لكن لكل شيء أمد بحسبه يتخير فيه
(4/326)

، فللدابة مثلا والثوب يوم أو يومان وللجارية جمعة وللدار شهر. وقال الأوزاعي يمتد الخيار شهرا وأكثر بحسب الحاجة إليه. وقال الثوري: يختص الخيار بالمشتري ويمتد له إلى عشرة أيام وأكثر، ويقال إنه انفرد بذلك، وقد صح القول بامتداد الخيار عن عمر وغيره وسيأتي شيء منه في أبواب الملازمة، ويحتمل أن يكون مراد البخاري بقوله: "كم يجوز الخيار" أي كم يخير أحد المتبايعين الآخر مرة. وأشار إلى ما في الطريق الآتية بعد ثلاثة أبواب من زيادة همام "ويختار ثلاث مرار" لكن لما لم تكن الزيادة ثابتة أبقى الترجمة على الاستفهام كعادته. قوله: "حدثنا صدقة" هو ابن الفضل المروزي، وعبد الوهاب هو الثقفي، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري. قوله: "إن المتبايعين بالخيار" كذا للأكثر، وحكى ابن التين في رواية القابسي "إن المتبايعان" قال وهي لغة. وفي رواية أيوب عن نافع في الباب الذي يليه "البيعان" بتشديد التحتانية، والبيع بمعنى البائع كضيق وضائق وصين وصائن وليس كبين وبائن فإنهما متغايران كقيم وقائم، واستعمال البيع في المشتري إما على سبيل التغليب أو لأن كلا منهما بائع. قوله: "ما لم يتفرقا" في رواية النسائي: "يفترقا" بتقديم الفاء، ونقل ثعلب عن الفضل بن سلمة افترقا بالكلام وتفرقا بالأبدان، ورده ابن العربي بقوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} فإنه ظاهر في التفرق بالكلام لا أنه بالاعتقاد، وأجيب بأنه من لازمه في الغالب لأن من خالف آخر في عقيدته كان مستدعيا لمفارقته إياه ببدنه، ولا يخفى ضعف هذا الجواب، والحق حمل كلام المفضل على الاستعمال بالحقيقة، وإنما استعمل أحدهما في موضع الآخر اتساعا. قوله: "أو يكون البيع خيارا" سيأتي شرحه بعد باب. قوله: "قال نافع وكان ابن عمر الخ" هو موصول بالإسناد المذكور، وقد ذكره مسلم أيضا من طريق ابن جريج عن نافع، وهو ظاهر في أن ابن عمر كان يذهب إلى أن التفرق المذكور بالأبدان كما سيأتي. وفي الحديث ثبوت الخيار لكل من المتبايعين ما داما في المجلس وسيأتي بعد باب. قوله: "عن أبي الخليل" في رواية شعبة الآتية بعد باب "عن قتادة عن صالح أبي الخليل" وفي رواية أحمد عن غندر عن شعبة عن قتادة "سمعت أبا الخليل". قوله: "عن عبد الله بن الحارث" هو أبو نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، ولم ينسب في شيء من طرق حديثه في الصحيحين، لكن وقع لأحمد من طريق سعيد عن قتادة "عبد الله بن الحارث الهاشمي" ورواه ابن خزيمة والإسماعيلي عنه من وجه آخر عن شعبة فقال عن قتادة "سمعت أبا الخليل يحدث عن عبد الله ابن الحارث بن نوفل" وعبد الله هذا مذكور في الصحابة لأن ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأتى به فحنكه، وهو معدود من حيث الرواية في كبار التابعين، وقتادة وشيخه تابعيان أيضا، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وحديث آخر عن العباس في قصة أبي طالب. قوله: "وزاد أحمد حدثنا بهز" أي ابن أسد، وهذه الطريق وصلها أبو عوانة في صحيحه عن أبي جعفر الدارمي واسمه أحمد بن سعيد عن بهز به ولم أرها في مسند أحمد بن حنبل، وزعم بعضهم أنه أحمد المذكور، وستأتي هذه الزيادة من وجه آخر عن همام بعد ثلاثة أبواب بأوضح من سياقه. وفي صنيع همام فائدة طلب علو الإسناد لأن بينه وبين أبي الخليل في إسناده الأول رجلين وفي الثاني رجل واحد.
(4/327)