باب الْكَيْلِ عَلَى الْبَائِعِ وَالْمُعْطِي
 
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى[المطففين] : {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} يَعْنِي كَالُوا لَهُمْ وَوَزَنُوا لَهُمْ كَقَوْلِهِ [الشعراء 72] {يَسْمَعُونَكُمْ} يَسْمَعُونَ لَكُمْ.
وَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اكْتَالُوا حَتَّى تَسْتَوْفُوا وَيُذْكَرُ عَنْ
(4/343)

عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ إِذَا بِعْتَ فَكِلْ وَإِذَا ابْتَعْتَ فَاكْتَلْ"
2126- حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه"
2127-حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَاسْتَعَنْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غُرَمَائِهِ أَنْ يَضَعُوا مِنْ دَيْنِهِ فَطَلَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَفْعَلُوا فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبْ فَصَنِّفْ تَمْرَكَ أَصْنَافًا الْعَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ وَعَذْقَ زَيْدٍ عَلَى حِدَةٍ ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَيَّ فَفَعَلْتُ ثُمَّ أَرْسَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ فَجَلَسَ عَلَى أَعْلاَهُ أَوْ فِي وَسَطِهِ ثُمَّ قَالَ كِلْ لِلْقَوْمِ فَكِلْتُهُمْ حَتَّى أَوْفَيْتُهُمْ الَّذِي لَهُمْ وَبَقِيَ تَمْرِي كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ وَقَالَ فِرَاسٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ حَدَّثَنِي جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّاهُ وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ وَهْبٍ عَنْ جَابِرٍ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "جُذَّ لَهُ فَأَوْفِ لَهُ"
[الحديث2127- أطرافه في: 2395، 2396، 2405، 2601، 2709، 2781، 3580، 4053، 6250]
قوله: "باب الكيل على البائع والمعطى" أي مؤنة الكيل على المعطى بائعا كان أو موفى دين أو غير ذلك. ويلتحق بالكيل في ذلك الوزن فيما يوزن من السلع وهو قول فقهاء الأمصار، وكذلك مؤنة وزن الثمن على المشتري إلا نقد الثمن فهو على البائع على الأصح عند الشافعية. قوله: "وقول الله عز وجل: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} يعني كالوا لهم أو وزنوا لهم" هو تفسير أبي عبيدة في "المجاز" وبه جزم الفراء وغيره، وخالفهم عيسى بن عمر فكان يقف على كالوا وعلى وزنوا ثم يقول هم. وزيفه الطبري، والجمهور أعربوه على حذف الجار ووصل الفعل. وقال بعضهم: يحتمل أن يكون على حذف المضاف وهو المكيل مثلا أي كالوا مكيلهم وقوله كقوله يسمعونكم أى يسمعون لكم. ومعنى الترجمة أن المرء يكيل له غيره إذا اشترى ويكيل هو إذا باع. قوله: "وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكتالوا حتى تستوفوا" هذا طرف من حديث وصله النسائي وابن حبان من حديث طارق بن عبد الله المحاربي قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين" فذكر الحديث وفيه: "فلما أظهر الله الإسلام خرجنا إلى المدينة، فبينا نحن قعود إذ أتى رجل عليه ثوبان ومعنا جمل أحمر فقال: أتبيعون الجمل؟ قلنا نعم، فقال بكم؟ قلنا بكذا وكذا صاعا من تمر، قال: قد أخذت، فأخذ بخطام الجمل ثم ذهب حتى توارى، فلما كان العشاء أتانا رجل فقال أنا رسول رسول الله إليكم وهو يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر حتى تشبعوا وتكتالوا حتى تستوفوا ففعلنا، ثم قدمنا فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب" فذكر الحديث. ومطابقته للترجمة أن الاكتيال يستعمل لما يأخذه المرء لنفسه كما يقال اشتوى إذا اتخذ الشواء واكتسب إذا حصل الكسب، ويفسر ذلك حديث عثمان المذكور بعده. قوله: "ويذكر عن عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إذا بعت فكل، وإذا ابتعت فاكتل" وصله الدار قطني من طريق عبيد الله بن المغيرة المصري عن منقذ مولى ابن سراقة عن عثمان بهذا، ومنقذ مجهول الحال، لكن له طريق أخرى أخرجها أحمد وابن ماجة والبزار
(4/344)

من طريق موسى بن وردان عن سعيد ابن المسيب عن عثمان به، وفيه ابن لهيعة ولكنه من قديم حديثه. لأن ابن عبد الحكم أورده في "فتوح مصر" من طريق الليث عنه، وأشار ابن التين إلى أنه لا يطابق الترجمة قال: لأن معنى قوله: "إذا بعت فكل" أى فأوف "وإذا ابتعت فاكتل" أي فاستوف، قال والمعنى أنه إذا أعطى أو أخذ لا يزيد ولا ينقص، أي لا لك ولا عليك انتهى. لكن في طريق الليث زيادة تساعد ما أشار إليه البخاري ولفظه: "إن عثمان قال: كنت أشتري التمر من سوق بني قينقاع ثم أجلبه إلى المدينة ثم أفرغه لهم وأخبرهم بما فيه من المكيلة فيعطوني ما رضيت به من الربح فيأخذونه ويأخذونه بخبري. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال، فظهر أن المراد بذلك تعاطى الكيل حقيقة لا خصوص طلب عدم الزيادة والنقصان، وله شاهد مرسل أخرجه ابن أبي شيبة من طريق الحكم قال: "قدم لعثمان طعام" فذكر نحوه بمعناه. ثم أورد المصنف حديث ابن عمر "من باع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه:" وسيأتي الكلام عليه بعد أبواب، وحديث جابر في قصة دين أبيه، وسيأتي الكلام عليه وعلى ما اختلف من ألفاظه وطرقه في "علامات النبوة" إن شاء الله تعالى: والغرض منه قوله فيه: "ثم قال كل القوم" فإنه مطابق لقوله في الترجمة "الكيل على المعطى". وقوله فيه: "صنف تمرك أصنافا" أي اعزل كل صنف منه وحده، وقوله فيه: "وعذق ابن زيد" العذق بفتح العين النخلة وبكسرها العرجون والذال فيهما معجمة، وابن زيد شخص نسب إليه النوع المذكور من التمر. وأصناف تمر المدينة كثيرة جدا، فقد ذكر الشيخ أبو محمد الجويني في "الفروق" أنه كان بالمدينة فبلغه أنهم عدوا عند أميرها صنوف التمر الأسود خاصة فزادت على الستين، قال: والتمر الأحمر أكثر من الأسود عندهم. قوله: "وقال فراس عن الشعبي الخ" هو طرف من الحديث المذكور، وصله المؤلف في آخر أبواب الوصايا بتمامه وفيه اللفظ المذكور. قوله: "وقال هشام عن وهب عن جابر قال النبي صلى الله عليه وسلم: "جذ له فأوف له" وهذا أيضا طرف من حديثه المذكور، وقد وصله المؤلف في الاستقراض بتمامه، وهشام المذكور هو ابن عروة، ووهب هو ابن كيسان. وقوله: "جذ" بلفظ الأمر من الجذاذ بالجيم والذال المعجمة وهو قطع العراجين، وبين في هذه الطريق قدر الدين وقدر الذي فضل بعد وفائه، وقد تضمن قوله: "فأوف له" معنى قوله: "كل للقوم".
(4/345)

باب مايستحب من الكيل
...