باب مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ أَوْ أَرْضًا مَزْرُوعَةً أَوْ بِإِجَارَةٍ
 
2203- قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ و قَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُخْبِرُ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ أَيُّمَا نَخْلٍ بِيعَتْ قَدْ أُبِّرَتْ لَمْ يُذْكَرْ الثَّمَرُ فَالثَّمَرُ لِلَّذِي أَبَّرَهَا وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْحَرْثُ سَمَّى لَهُ نَافِعٌ هَذه الثَّلاَثَ"
[الحديث 2203- أطرافه في: 2204، 2206، 2379، 2716]
2204- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ"
قوله: "باب من باع نخلا قد أبرت أو أرضا مزروعة أو بإجارة" أي أخذ شيئا مما ذكر بإجارة. والنخل اسم جنس يذكر ويؤنث والجمع نخيل، وقوله أبرت بضم الهمزة وكسر الموحدة مخففا على المشهور ومشددا والراء مفتوحة يقال أبرت النخل آبره أبرا بوزن أكلت الشيء آكله أكلا، ويقال أبرته بالتشديد أؤبرة تأبيرا، بوزن
(4/401)

علمته أعلمه تعليما والتأبير التشقيق والتلقيح ومعناه شق طلع النخلة الأنثى ليذر فيه شيء من طلع النخلة الذكر، والحكم مستمر بمجرد التشقيق ولو لم يضع فيه شيئا. وروى مسلم من حديث طلحة قال: "مررت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم على رءوس النخل فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قالوا: يلقحونه يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح" ؛ الحديث. قوله: "وقال لي إبراهيم" يعني ابن وموسى الرازي، وهشام شيخه هو ابن يوسف الصنعاني. قوله: "أيما نخل" هكذا رواه ابن جريج عن نافع موقوفا، قال البيهقي: ونافع يروي حديث النخل عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وحديث العبد عن ابن عمر عن عمر موقوفا. قلت: وقد أسند المؤلف حديث العبد مرفوعا كما سيأتي التنبيه عليه في كتاب الشرب، ونذكر هناك إن شاء الله تعالى ما وقع لصاحب "العمدة" وشارحيها من الوهم فيه، وحديث الحارث لم يروه غير ابن جريج، والرواية الموصولة ذكرها مالك والليث كما تراه في هذا الباب وفي الباب الذي يلي الباب الذي بعده، ووصل مالك والليث وغيرهما عن نافع عن ابن عمر قصة النخل دون غيرها. واختلف على نافع وسالم في رفع ما عدا النخل: فرواه الزهري عن سالم عن أبيه مرفوعا في قصة النخل والعبد معا هكذا أخرجه الحفاظ عن الزهري، وخالفهم سفيان بن حسين فزاد فيه ابن عمر عن عمر مرفوعا لجميع الأحاديث أخرجه النسائي، وروى مالك والليث وأيوب وعبيد الله بن عمر وغيرهم عن نافع عن ابن عمر قصة النخل، وعن ابن عمر عن عمر قصة العبد موقوفة، كذلك أخرجه أبو داود من طريق مالك بالإسنادين معا، وسيأتي في الشرب من طريق مالك في قصة العبد موقوفة. وجزم مسلم والنسائي والدار قطني بترجيح رواية نافع المفصلة على رواية سالم، ومال على بن المديني والبخاري وابن عبد البر إلى ترجيح رواية سالم، وروى عن نافع القصتين أخرجه النسائي من طريق عبد ربه بن سعيد عنه وهو وهم، وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع قال: ما هو إلا عن عمر شأن العبد؛ وهذا لا يدفع قول من صحح الطريقين وجوز أن يكون الحديث عند نافع عن ابن عمر على الوجهين. قوله: "وكذلك العبد والحرث" يشير بالعبد إلى حديث: "من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع" وصورة تشبيهه بالنخل من جهة الزوائد في كل منهما، وأما الحرث فقال القرطبي: أبار كل شيء بحسب ما جرت العادة أنه إذا فعل فيه نبتت الثمرة، ثمرته وانعقدت فيه، ثم قد يعبر به عن ظهور الثمرة وعن انعقادها وإن لم يفعل فها شيء. قوله: "من باع نخلا قد أبرت" في رواية نافع الآتية بعد يسير "أيما رجل أبر نخلا ثم باع أصلها الخ" وقد استدل بمنطوقه على أن من باع نخلا وعليها ثمرة مؤبرة لم تدخل الثمرة في البيع بل تستمر على ملك البائع، وبمفهومه على أنها إذا كانت غير موبرة أنها تدخل في البيع وتكون للمشتري وبذلك قال جمهور العلماء، وخالفهم الأوزاعي وأبو حنيفة فقالا: تكون للبائع قبل التأبير وبعده، وعكس ابن أبي ليلى فقال: تكون للمشتري مطلقا. وهذا كله عند إطلاق بيع النخل من غير تعرض للثمرة، فإن شرطها المشتري بأن قال اشتريت النخل بثمرتها كانت للمشتري، وإن شرطها البائع لنفسه قبل التأبير كانت له. وخالف مالك فقال: لا يجوز شرطها للبائع. فالحاصل أنه يستفاد من منطوقه حكمان ومن مفهومه حكمان أحدهما بمفهوم الشرط والآخر بمفهوم الاستثناء، قال القرطبي: القول بدليل الخطاب يعني بالمفهوم في هذا ظاهر لأنه لو كان حكم غير المؤبرة حكم المؤبرة لكان تقييده بالشرط لغوا لا فائدة فيه."تنبيه": لا يشترط في التأبير أن يؤبره أحد، بل لو تأبر بنفسه لم يختلف الحكم عند جميع القائلين به. قوله: "إلا أن يشترط المبتاع" المراد بالمبتاع المشترى بقرينة الإشارة إلى البائع بقوله من باع، وقد استدل بهذا
(4/402)

الإطلاق على أنه يصح اشتراط بعض الثمرة كما يصح اشتراط جميعها وكأنه قال إلا أن يشترط المبتاع شيئا من ذلك وهذه هي النكتة في حذف المفعول. وانفرد ابن القاسم فقال: لا يجوز له شرط بعضها، واستدل به على أن المؤبر يخالف في الحكم غير المؤبر. وقال الشافعية. لو باع نخلة بعضها مؤبر وبعضها غير مؤبر فالجميع للبائع، وإن باع نخلتين فكذلك يشترط اتحاد الصفقة، فإن أفرد فلكل حكمه. ويشترط كونهما في بستان واحد، فإن تعدد فلكل حكمه. ونص أحمد على أن الذي يؤبر للبائع والذي لا يؤبر للمشتري؛ وجعل المالكية الحكم للأغلب. وفي الحديث جواز التأبير وأن الحكم المذكور مختص بإناث النخل دون ذكوره وأما ذكوره فللبائع نظرا إلى المعنى، ومن الشافعية من أخذ بظاهر التأبير فلم يفرق بين أنثى وذكر، واختلفوا فيما لو باع نخلة وبقيت ثمرتها له ثم خرج طلع آخر من تلك النخلة فقال ابن أبي هريرة: هو للمشتري لأنه ليس للبائع إلا ما وجد دون ما لم يوجد؛ وقال الجمهور: هو للبائع لكونه من ثمرة المؤبرة دون غيرها. ويستفاد من الحديث أن الشرط الذي لا ينافي مقتضى العقد لا يفسد البيع فلا يدخل في النهي عن بيع وشرط، واستدل الطحاوي بحديث الباب على جواز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها؛ واحتج به لمذهبه الذي حكيناه في ذلك. وقد تعقبه البيهقي وغيره بأنه يستدل بالشيء في غير ما ورد فيه حتى إذا جاء ما ورد فيه استدل بغيره عليه كذلك، فيستدل لجواز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها بحديث التأبير، ولا يعمل بحديث التأبير، بل لا فرق عنده كما تقدم في البيع قبل التأبير وبعده فإن الثمرة في ذلك للمشتري سواء شرطها البائع لنفسه أو لم يشترطها، والجمع بين حديث التأبير وحديث النهي عن بيع الثمرة قبل بدو الصلاح سهل بأن الثمرة في بيع النخل تابعة للنخل وفي حديث النهي مستقلة، وهذا واضح جدا، والله أعلم بالصواب.
(4/403)