باب بَيْعِ التَّصَاوِيرِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا رُوحٌ وَمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ
 
2225- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَخْبَرَنَا عَوْفٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبَّاسٍ إِنِّي إِنْسَانٌ إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لاَ أُحَدِّثُكَ إِلاَّ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "سَمِعْتُهُ يَقُولُ مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ فَقَالَ وَيْحَكَ إِنْ أَبَيْتَ إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ سَمِعَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ مِنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ هَذَا الْوَاحِدَ"
[الحديث 2225- طرفاه في: 5963، 7042]
قوله: "باب بيع التصاوير التي ليس فيها روح؛ وما يكره من ذلك" أي من الاتخاذ أو البيع أو الصنعة أو ما هو أعم من ذلك، والمراد بالتصاوير الأشياء التي تصور. ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث ابن عباس مرفوعا: "من صور صورة فإن الله معذبه" الحديث، وجه الاستدلال به على كراهية البيع وغيره واضح، وسعيد بن أبي الحسن راويه عن ابن عباس هو أخو الحسن البصري وهو أسن منه ومات قبله وليس له في البخاري موصولا سوى هذا الحديث، وسيأتي الكلام عليه مستوفي في كتاب اللباس إن شاء الله تعالى. قوله: "فربا الرجل" بالراء والموحدة أي انتفخ، قال الخليل: ربا الرجل أصابه نفس في جوفه وهو الربو والربوة؛ وقيل معناه ذعر وامتلأ خوفا. وقوله ربوة بضم الراء وبفتحها. قوله: "فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح" كذا في الأصل بخفض "كل" على أنه بدل كل من بعض؛ وقد جوزه بعض النحاة. ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أي عليك بمثل الشجر، أو على حذف واو العطف أي وكل شيء، ومثله قولهم في التحيات الصلوات إذ المعنى والصلوات،
(4/416)

وبهذا الأخير جزم الحميدي في جمعه، وكذا ثبت في رواية مسلم والإسماعيلي بلفظ: "فاصنع الشجر وما لا نفس له" ولأبي نعيم من طريق هوذة عن عوف "فعليك بهذا الشجر وكل شيء ليس فيه روح" بإثبات واو العطف. وقال الطيبي قوله: "كل شيء" هو بيان للشجر لأنه لما منعه عن التصوير وأرشده إلى الشجر كان غير واف بمقصوده ولأنه قصد كل ما لا روح فيه ولم يقصد خصوص الشجر، وقوله كل بالخفض ويجوز النصب. قوله: "قال أبو عبد الله" هو المصنف. قوله: "سمع سعيد بن أبي عروبة من النضر بن أنس هذا الواحد" أي الحديث، سقطت هذه الزيادة من رواية النسفي هنا، وأشار بذلك إلى ما أخرجه في اللباس من طريق عبد الأعلى عن سعيد عن النضر عن ابن عباس بمعناه، وسأذكر ما بين الروايتين من التغاير هناك إن شاء الله تعالى. ثم وجدت في نسخة الصغاني قبل قوله: "سمع سعيد" ما نصه "قال أبو عبد الله: وعن محمد عن عبدة عن سعيد بن أبي عروبة سمعت النضر بن أنس قال: كنت عند ابن عباس "بهذا الحديث وبعده" قال أبو عبد الله سمع سعيد الخ" فزال الإشكال بهذا، ولم أجد هذا في شيء من نسخ البخاري إلا في نسخة الصغاني، ومحمد المذكور هو ابن سلام، وعبدة هو ابن سليمان.
(4/417)

باب تَحْرِيمِ التِّجَارَةِ فِي الْخَمْرِ
وَقَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَرَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ
2226- حدثنا مسلم حدثنا شعبة عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها ثم لما نزلت آيات سورة البقرة عن آخرها خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال حرمت التجارة في الخمر"
قوله: "باب تحريم التجارة في الخمر" تقدم نظير هذه الترجمة في أبواب المساجد لكن بقيد المسجد، وهذه أعم من تلك. قوله: "وقال جابر حرم النبي صلى الله عليه وسلم الخمر" سيأتي موصولا بعد ستة أبواب، ونذكر تحرير المسألة هناك إن شاء الله تعالى. ثم أورد حديث عائشة بلفظ: "حرمت التجارة في الخمر" وقد تقدم في "بأب أكل الربا" من هذا الوجه أتم سياقا، ولأحمد والطبراني من حديث تميم الداري مرفوعا: "إن الخمر حرام شراؤها وثمنها".
(4/417)

باب إِثْمِ مَنْ بَاعَ حُرًّا
2227- حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ
[الحديث 2227- طرفه في: 2270]
قوله: "باب إثم من باع حرا" أي عالما متعمدا، والحر الظاهر أن المراد به من بني آدم، ويحتمل أن يكون أعم من ذلك فيدخل مثل الموقوف. قوله: "حدثنا بشر بن مرحوم" هو بشر بن عبيس بمهملة ثم موحدة مصغرا بن مرحوم بن عبد العزيز ابن مهران العطار فنسب إلى جده، وهو شيخ بصري ما أخرج عنه من الستة إلا البخاري، وقد أخرج حديثه هذا في الإجارة عن شيخ آخر وافق بشرا في روايته له عن شيخهما. قوله: "حدثنا يحيى بن سليم" بالتصغير هو الطائفي نزيل مكة مختلف في توثيقه، وليس له في البخاري موصولا سوى هذا الحديث،
(4/417)

باب امر النبي اليهود بيع أراضيهم حين أجلاهم
...
باب أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودَ بِبَيْعِ أَرَضِيهِمْ حِينَ أَجْلاَهُمْ
فِيهِ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قوله: "باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم اليهود ببيع أرضيهم" كذا في رواية أبي ذر بفتح الراء وكسر الضاد المعجمة جمع أرض وهو جمع شاذ لأنه جمع جمع السلامة ولم يبق مفرده سالما لأن الراء في المفرد ساكنة وفي الجمع محركة. قوله: "حين أجلاهم" أي من المدينة. قوله: "فيه المقبري عن أبي هريرة" يشير إلى ما أخرجه في الجهاد في "باب إخراج اليهود من جزيرة العرب من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: "بينا نحن في المسجد إذ خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: انطلقوا إلى اليهود - وفيه - فقال إني أريد أن أجليكم، فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه" وهذه القصة
(4/418)

وقعت لبني النضير كما سيأتي بيان ذلك في موضعه، وكأن المصنف أخذ بيع الأرض من عموم بيع المال، وقد تقدم في أبواب الخيار في قصة عثمان وابن عمر إطلاق المال على الأرض، وغفل الكرماني عن الإشارة إلى هذا الحديث فقال: إنما ذكر البخاري هذا الحديث بهذه الصيغة مقتضبا لكونه لم يثبت الحديث المذكور على شرطه والصواب أنه اكتفى هنا بالإشارة إليه لاتحاد مخرجه عنده ففر من تكرار الحديث على صورته بغير فائدة زائدة كما هو الغالب من عادته.
(4/419)

باب بيع العبيد و الحيوان نسيئة
...
باب بَيْعِ الْعَبِيدِ وَالْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً
وَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ يُوفِيهَا صَاحِبَهَا بِالرَّبَذَةِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ يَكُونُ الْبَعِيرُ خَيْرًا مِنْ الْبَعِيرَيْنِ وَاشْتَرَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ فَأَعْطَاهُ أَحَدَهُمَا وَقَالَ آتِيكَ بِالْآخَرِ غَدًا رَهْوًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ لاَ رِبَا فِي الْحَيَوَانِ الْبَعِيرُ بِالْبَعِيرَيْنِ وَالشَّاةُ بِالشَّاتَيْنِ إِلَى أَجَلٍ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ لاَ بَأْسَ بَعِيرٌ بِبَعِيرَيْنِ نَسِيئَةً
2228- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ فَصَارَتْ إِلَى دَحْيَةَ الْكَلْبِيِّ ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
قوله: "باب بيع والعبد والحيوان بالحيوان نسيئة" التقدير بيع العبد بالعبد نسيئة والحيوان بالحيوان نسيئة وهو من عطف العام على الخاص، وكأنه أراد بالعبد جنس من يستعبد فيدخل فيه الذكر والأنثى ولذلك ذكر قصة صفية، أو أشار إلى إلحاق حكم الذكر بحكم الأنثى في ذلك لعدم الفرق، قال ابن بطال: اختلفوا في ذلك فذهب الجمهور إلى الجواز، لكن شرط مالك أن يختلف الجنس، ومنع الكوفيون وأحمد مطلقا لحديث سمرة المخرج في السنن ورجاله ثقات إلا أنه اختلف في سماع الحسن من سمرة، وفي الباب عن ابن عباس عند البزار والطحاوي ورجاله ثقات أيضا إلا أنه اختلف في وصله وإرساله فرجح البخاري وغير واحد إرساله، وعن جابر عند الترمذي وغيره وإسناده لين، وعن جابر بن سمرة عند عبد الله في زيادات المسند، وعن ابن عمر عند الطحاوي والطبراني، واحتج للجمهور بحديث عبد الله بن عمرو "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشا - وفيه - فابتاع البعير بالبعيرين بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أخرجه الدار قطني وغيره وإسناده قوي، واحتج البخاري هنا بقصة صفية واستشهد بآثار الصحابة. قوله: "واشترى ابن عمر راحلة بأربعة أبعرة...الحديث" وصل مالك والشافعي عنه عن نافع عن ابن عمر بهذا ورواه ابن أبي شيبة من طريق أبي بشر عن نافع "أن ابن عمر اشترى ناقة بأربعة أبعرة بالربذة فقال لصاحب الناقة: اذهب فانظر فإن رضيت فقد وجب البيع" وقوله: "راحلة" أي ما أمكن ركوبه من الإبل ذكرا أو أنثى، وقوله: "مضمونة" صفة راحلة أي تكون في ضمان البائع حتى يوفيها أي يسلمها للمشتري، والربذة بفتح الراء والموحدة والمعجمة مكان معروف بين مكة والمدينة. قوله: "وقال ابن عباس قد يكون البعير خيرا من البعيرين" وصله الشافعي من طريق طاوس أن ابن عباس سئل عن بعير ببعيرين فقاله. قوله: "واشترى رافع بن خديج بعيرا ببعيرين
(4/419)

فأعطاه أحدهما وقال: آتيك بالآخر غدا رهوا إن شاء الله" وصله عبد الرزاق من طريق مطرف بن عبد الله عنه، وقوله: "رهوا" بفتح الراء وسكون الهاء أي سهلا، والرهو السير السهل، والمراد به هنا أن يأتيه به سريعا من غير مطل. قوله: "وقال ابن المسيب: لا ربا في الحيوان البعير بالبعيرين والشاة بالشاتين إلى أجل" أما قول سعيد فوصله مالك عن ابن شهاب عنه "لا ربا في الحيوان" ووصله ابن أبي شيبة من طريق أخرى عن الزهري عنه "لا بأس بالبعير بالبعيرين نسيئة". قوله: "وقال ابن سيرين: لا بأس ببعير ببعيرين ودرهم بدرهم نسيئة" كذا في معظم الروايات، ووقع في بعضها ودرهم بدرهمين نسيئة وهو خطأ والصواب درهم بدرهم، وقد وصله عبد الرزاق من طريق أيوب عنه بلفظ: "لا بأس بعير ببعيرين ودرهم بدرهم نسيئة، فإن كان أحد البعيرين نسيئة فهو مكروه" وروى سعيد بن منصور من طريق يونس عنه أنه كان لا يرى بأسا بالحيوان يدا بيد أو الدراهم نسيئة، ويكره أن تكون الدراهم نقدا والحيوان نسيئة. قوله: "كان في السبي صفية فصارت إلى دحية ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم" كذا أورده مختصرا وأشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه مما يناسب ترجمته أنه صلى الله عليه وسلم عوض دحية عنها بسبعة أرؤس، وهو عند مسلم من طريق حماد بن ثابت، وللمصنف من وجه آخر كما سيأتي "فقال لدحية خذ جارية من السبي غيرها" قال ابن بطال: ينزل تبديلها بجارية غير معينة يختارها منزلة بيع جارية بجارية نسيئة، وسيأتي الكلام على قصة صفية هذه مستوفى في غزوة خيبر إن شاء الله تعالى.
(4/420)