باب اسْتِئْجَارُ الرَّجُلِ الصَّالِحِوَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} وَالْخَازِنُ الأَمِينُ وَمَنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ مَنْ أَرَادَهُ
 
2260- حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن أبي بردة قال أخبرني جدي أبو بردة عن أبيه أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم الخازن الأمين الذي يؤدي ما أمر به طيبة نفسه أحد المتصدقين"
2261- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعِي رَجُلاَنِ مِنْ الأَشْعَرِيِّينَ فَقُلْتُ مَا عَمِلْتُ أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَلَ فَقَالَ لَنْ أَوْ لاَ نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ"
[الحديث 2261- أطرافه في: 3038، 4341، 4343، 4344، 6124، 6923، 7149، 7756، 7157، 7172]
(4/439)

قوله: "باب استئجار الرجل الصالح، وقول الله تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} في رواية أبي ذر "وقال الله" وأشار بذلك إلى قصة موسى عليه السلام مع ابنة شعيب، وقد روى ابن جرير من طريق شعيب الجبئي بفتح الجيم والموحدة بعدها همزة مقصورا أنه قال: اسم المرأة التي تزوجها موسى صفورة واسم أختها ليا، وكذا روي من طريق ابن إسحاق إلا أنه قال: اسم أختها شرقا وقيل ليا. وقال غيره إن اسمهما، صفورا وعبرا، وأنهما كانتا توأما، وذكر ابن جرير اختلافا في أن أباهما هل هو شعيب النبي أو ابن أخيه أو آخر اسمه يثرون أو يثرى أقوال لم يرجح منها شيئا. وروي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} قال: قوي فيما ولي أمين فيما استودع. وروي من طريق ابن عباس ومجاهد في آخرين أن أباها سألها عما رأت من قوته وأمانته فذكرت قوته في حال السقي وأمانته في غض طرفه عنها وقوله لها امشي خلفي ودليني على الطريق، وهذا أخرجه البيهقي بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب وزاد فيه: "فزوجه وأقام موسى معه يكفيه1 ويعمل له في رعاية غنمه". قوله: "والخازن الأمين ومن لم يستعمل من أراده" ثم أورد في الباب من طريق أبي موسى الأشعري حديث الخازن الأمين أحد المتصدقين، وحديثه الآخر في قصة الرجلين اللذين جاءا يطلبان من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعملهما، والأول قد مضى الكلام عليه في الزكاة، والثاني سيأتي شرحه مستوفى في كتاب الأحكام. قال الإسماعيلي: ليس في الحديثين جميعا معنى الإجارة. وقال الداودي: ليس حديث الخازن الأمين من هذا الباب لأنه لا ذكر للإجارة فيه. وقال ابن التين: وإنما أراد البخاري أن الخازن لا شيء له في المال وإنما هو أجير. وقال ابن بطال إنما أدخله في هذا الباب لأن من استؤجر على شيء فهو أمين فيه، وليس عليه في شيء منه ضمان إن فسد أو تلف إلا إن كان ذلك بتضييعه ا هـ. وقال الكرماني: دخول هذا الحديث في باب الإجارة للإشارة إلى أن خازن مال الغير كالأجير لصاحب المال، وأما دخول الحديث الثاني في الإجارة فظاهر من جهة أن الذي يطلب العمل إنما يطلبه غالبا لتحصيل الأجرة التي شرعت للعامل، والعمل المطلوب يشمل العمل على الصدقة في جمعها وتفرقتها في وجهها وله سهم منها كما قال الله تعالى: { وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} فدخوله في الترجمة من جهة طلب الرجلين أن يستعملهما النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة أو غيرها ويكون لهما على ذلك أجرة معلومة. قوله: "ومعي رجلان من الأشعريين، قال فقلت ما علمت أنهما يطلبان العمل" كذا وقع مختصرا، وسيأتي في استتابة المرتدين بهذا الإسناد بعينه تاما وفيه: "ومعي رجلان من الأشعريين وكلاهما سأل أي للعمل، فقلت: والذي بعثك ما اطلعت على ما في أنفسهما ولا علمت أنهما يطلبان العمل" الحديث. قوله: "قال لن - أو لا - نستعمل على عملنا من أراده" هكذا ثبت في جميع الروايات التي وقفت عليها، وهو شك من الراوي هل قال لن أو قال لا، وحكى ابن التين أنه ضبط في بعض النسخ "أولى" بضم الهمزة وفتح الواو وتشديد اللام مع كسرها فعل مستقبل من الولاية، قال القطب الحلبي: فعلى هذه الرواية يكون لفظ: "نستعمل" زائدا ويكون تقدير الكلام لن أولى على عملنا. وقد وقع هذا الحديث في الأحكام من طريق بريد بن عبد الله عن أبي بردة بلفظ: "إنا لا نولي على عملنا" وهو يعضد هذا التقرير والله أعلم. قال المهلب: لما كان طلب العمالة دليلا على الحرص ابتغى أن يحترس من الحريص
ـــــــ
1 في نسخة "يكريه " نبه عليه في طبعة بولاق
(4/440)

فلذلك قال صلى الله عليه وسلم: "لا نستعمل على عملنا من أراده" وظاهر الحديث منع تولية من يحرص على الولاية إما على سبيل التحريم أو الكراهة، وإلى التحريم جنح القرطبي، ولكن يستثنى من ذلك من تعين عليه.
(4/441)