باب: أَوْقَافِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْضِ الْخَرَاجِ وَمُزَارَعَتِهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ
 
وَقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لِعُمَرَ تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ لاَ يُبَاعُ وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ فَتَصَدَّقَ بِهِ
2334- حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْلاَ: آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فَتَحْتُ قَرْيَةً إِلاَّ قَسَمْتُهَا بَيْنَ أَهْلِهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ"
[الحديث 2334- أطرافه في: 3125 ، 4235 ، 4236]
قوله: "باب أوقاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأرض الخراج ومزارعتهم ومعاملتهم" ذكر فيه طرفا من حديث عمر في وقف أرض خيبر، وذكر قول عمر: لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا قسمتها.وأخذ المصنف صدر الترجمة من الحديث الأول ظاهر، ويؤخذ أيضا من الحديث الثاني لأن بقية الكلام محذوف تقديره: لكن النظر لآخر المسلمين يقتضي أن لا أقسمها بل أجعلها وقفا على المسلمين. وقد صنع ذلك عمر في أرض السواد.وأما قوله: "وأرض الخراج الخ" فيؤخذ من الحديث الثاني، فإن عمر لما وقف السواد ضرب على من به من أهل الذمة الخراج فزارعهم وعاملهم، فبهذا يظهر مراده من هذه الترجمة ودخولها في أبواب المزارعة.وقال ابن بطال: معنى هذه الترجمة أن الصحابة كانوا يزارعون أوقاف النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته على ما كان عامل عليه يهود خيبر.وقوله: "وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لعمر الخ" قال ابن التين: ذكر الداودي أن هذا اللفظ غير محفوظ، وإنما أمره أن يتصدق بثمره ويوقف أصله.قلت: وهذا الذي رده هو معني ما ذكره البخاري، وقد وصل البخاري اللفظ الذي علقه هنا في كتاب الوصايا من طريق صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر قال: "تصدق عمر بمال له" فذكر الحديث وفيه: "تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره". قوله: "أخبرنا عبد الرحمن" و ابن مهدي.قوله: "عن مالك" وقع للإسماعيلي من طريق عن عبد الرحمن بن مهدي "حدثنا مالك".قوله: "قال عمر" في رواية عبد الله بن إدريس
(5/17)

عن مالك عن الإسماعيلي: "سمعت عمر يقول". قوله: "ما فتحت" بضم الفاء على البناء للمجهول و "قرية" بالرفع وبفتح الفاء ونصب قرية على المفعولية. قوله: "إلا قسمتها" زاد ابن إدريس في روايته: "ما افتتح المسلمون قرية من قرى الكفار إلا قسمتها سهمانا". قوله: "كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر" زاد ابن إدريس في روايته: "لكن أردت أن تكون جزية تجري عليهم" وسيأتي الكلام على هذه اللفظة في غزوة خيبر من كتاب المغازي. وروى البيهقي من وجه آخر عن ابن وهب عن مالك في هذه القصة سبب قول عمر هذا ولفظه: "لما فتح عمر الشام قام إليه بلال فقال: لتقسمنها أو لنضاربن عليها بالسيف، فقال عمر "فذكره. قال ابن التين: تأول عمر قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} فرأى أن للآخرين أسوة بالأولين فخشي لو قسم ما يفتح أن تكمل الفتوح فلا يبقى لمن يجيء بعد ذلك حظ في الخراج، فرأى أن توقف الأرض المفتوحة عنوة ويضرب عليها خراجا يدوم نفعه للمسلمين.وقد اختلف نظر العلماء في قسمة الأرض المفتوحة عنوة على قولين شهيرين، كذا قال. وفي المسألة أقوال أشهرها ثلاثة: فعن مالك تصير وقفا بنفس الفتح، وعن أبي حنيفة والثوري يتخير الإمام بين قسمتها ووقفيتها، وعن الشافعي يلزمه قسمتها إلا أن يرضى بوقفيتها من غنمها، وسيأتي بقية الكلام عليه في أواخر الجهاد إن شاء الله تعالى.
(5/18)