باب: من رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة، مقسوما كان أو غير مقسوم
 
وَقَالَ عُثْمَانُ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلاَءِ الْمُسْلِمِينَ" فَاشْتَرَاهَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
2351- حدّثنا سعيدُ بنُ أبي مريمَ حدثَنا أبو غَسانَ قال: أبو حازم عن سَهلِ بنِ سعد
(5/29)

رضي الله عنه قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فشرب منه ، وعن يمينه غلام أصغر القوم والأشياخ عن يساره ، فقال ياغلام اتأذن لي أن أعطيه الأشياخ ؟ فقال: ما كنت لأورث بفضلي منك أحداً يارسول الله فأعطاه إياه"
[الحديث 2351 - أطرافه في: 2366 ، 2451 ، 2605 ، 5620]
2352- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: "حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا حُلِبَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ دَاجِنٌ - وَهِوَ فِي دَارِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - وَشِيبَ لَبَنُهَا بِمَاءٍ مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي فِي دَارِ أَنَسٍ فَأَعْطَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَدَحَ فَشَرِبَ مِنْهُ حَتَّى إِذَا نَزَعَ الْقَدَحَ عنْ فِيهِ وَعَن يَسَارِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعَنْ يَمِينِهِ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ عُمَرُ – وَخَافَ أَنْ يُعْطِيَهُ الأَعْرَابِيَّ – أَعْطِ أَبَا بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدَكَ ، فَأَعْطَاهُ الأَعْرَابِيَّ الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ: الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ"
[الحديث 2352 - أطرافه في: 2571 ، 5612 ، 5619]
قوله: "باب من رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة مقسوماً كان أو غير مقسوم" كذا لأبي ذر، وللنسفي "ومن رأى الخ" جعله من الباب الذي قبله، ولغيرهما: "باب في الشرب ومن رأى" وأراد المصنف بالترجمة الرد على من قال إن الماء لا يملك. قوله: "وقال عثمان" أي ابن عفان "قال النبي صلى الله عليه وسلم: من يشتري بئر رومة فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين" سقط هذا التعليق من رواية النسفي، وقد وصله الترمذي والنسائي وابن خزيمة من طريق ثمامة بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي القشيري قال: "شهدت الدار حيث أشرف عليهم عثمان فقال: أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال: من يشتري بئر رومة يجعل دلوه فيها كدلاء المسلمين بخير له منها في الجنة؟ فاشتريتها من صلب مالي؟ وقالوا: اللهم نعم" الحديث بطوله، وقد أخرجه المصنف في كتاب الوقف بغير هذا السياق وليس فيه ذكر الدلو، والذي ذكره هنا مطابق للترجمة، ويأتي الكلام على شرحه هناك إن شاء الله تعالى. قال ابن بطال: في حديث عثمان أنه يجوز للواقف أن ينتفع بوقفه إذا شرط ذلك، قال: فلو حبس بئرا على من يشرب منها فله أن يشرب منها وإن لم يشترط ذلك لأنه داخل في جملة من يشرب. ثم فرق بفرق غير قوي. وسيأتي البحث في هذه المسألة في "باب هل ينتفع الواقف بوقفه" في كتاب الوقف إن شاء الله تعالى. ثم ذكر المصنف في الباب حديثي سهل وأنس في شرب النبي صلى الله عليه وسلم وتقديمه الأيمن فالأيمن، وسيأتي الكلام عليهما في كتاب الأشربة، ومناسبتهما لما ترجم له من جهة مشروعية قسمة الماء، لأن اختصاص الذي على اليمين بالبداءة دال على ذلك. وقال ابن المنير: مراده أن الماء يملك، ولهذا استأذن النبي صلى الله عليه وسلم بعض الشركاء فيه، ورتب قسمته يمنة ويسرة، ولو كان باقيا على إباحته لم يدخله ملك، لكن حديث سهل ليس فيه بيان أن القدح كان فيه ماء، بل جاء مفسرا في كتاب الأشربة بأنه كان لبنا، والجواب أنه أورده ليبين أن الأمر جرى في قسمة الماء الذي شيب به اللبن كما جاء في حديث أنس مجرى اللبن الخالص الذي في حديث سهل، فدل على أنه لا فرق في ذلك بين اللبن والماء، فيحصل به الرد على من قال إن الماء لا يملك. وقوله في
(5/30)

حديث سهل "حدثنا أبو غسان" هو محمد بن مطرف المدني، والإسناد مصريون (1) إلا شيخه. وقوله: "وعن يمينه غلام" هو الفضل بن عباس حكاه ابن بطال، وقيل أخوه عبد الله حكاه ابن التين وهو الصواب كما سيأتي. وقوله في حديث أنس: "وعن يمينه أعرابي" قيل إن الأعرابي خالد بن الوليد حكاه ابن التين، وتعقب بأن مثله لا يقال له أعرابي، وكأن الحامل له على ذلك أنه رأى في حديث ابن عباس الذي أخرجه الترمذي قال: "دخلت أنا وخالد بن الوليد على ميمونة، فجاءتنا بإناء من لبن، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على يمينه وخالد على شماله، فقال لي الشربة لك فإن شئت آثرت بها خالدا، فقلت: ما كنت أوثر على سؤرك أحدا" فظن أن القصة واحدة، وليس كذلك فإن هذه القصة في بيت ميمونة وقصة أنس في دار أنس فافترقا. نعم يصلح أن يعد خالد من الأشياخ المذكورين في حديث سهل بن سعد والغلام هو ابن عباس، ويقويه قوله في حديث سهل أيضا: "ما كنت أوثر بفضلي منك أحدا" ولم يقع ذلك في حديث أنس، وليس في حديث ابن عباس ما يمنع أن يكون مع خالد بن الوليد في بيت ميمونة غيره، بل قد روى ابن أبي حازم عن أبيه في حديث سهل بن سعد ذكر أبي بكر الصديق فيمن كان على يساره صلى الله عليه وسلم ذكره ابن عبد البر وخطأه، قال ابن الجوزي: إنما استأذن الغلام ولم يستأذن الأعرابي لأن الأعرابي لم يكن له علم بالشريعة فاستألفه بترك استئذانه بخلاف الغلام. قوله في حديث أنس "فقال عمر أعط أبا بكر" كذا لجميع أصحاب الزهري، وشذ معمر فيما رواه وهيب عنه فقال: "عبد الرحمن بن عوف" بدل عمر أخرجه الإسماعيلي، والأول هو الصحيح، ومعمر لما حدث بالبصرة حدث من حفظه فوهم في أشياء فكان هذا منها، ويحتمل أن يكون محفوظا بأن يكون كل من عمر وعبد الرحمن قال ذلك لتوفير دواعي الصحابة على تعظيم أبي بكر. "تنبيه": ألحق بعضهم بتقديم الأيمن في المشروب تقديمه في المأكول، ونسب لمالك. وقال ابن عبد البر لا يصح عنه.
(5/31)