باب: أَدَاءِ الدَّيْونِ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً}
 
2388- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ
(5/54)

اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَبْصَرَ - يَعْنِي أُحُدًا – قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنَّهُ تَحَوَّلَ لِي ذَهَبًا يَمْكُثُ عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلاَّ دِينَارًا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الأَكْثَرِينَ هُمْ الأَقَلُّونَ إِلاَّ مَنْ قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا - وَأَشَارَ أَبُو شِهَابٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ - وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَقَالَ: مَكَانَكَ وَتَقَدَّمَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَسَمِعْتُ صَوْتًا فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَهُ: مَكَانَكَ حَتَّى آتِيَكَ فَلَمَّا جَاءَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الَّذِي سَمِعْتُ - أَوْ قَالَ: الصَّوْتُ الَّذِي سَمِعْتُ – قَالَ: وَهَلْ سَمِعْتَ؟ قُلْتُ نَعَمْ، قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَم فَقَالَ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، قُلْتُ: وَمِنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ نَعَمْ"
2389- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا يَسُرُّنِي أَنْ لاَ يَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاَثٌ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلاَّ شَيْءٌ أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ" رَوَاهُ صَالِحٌ وَعُقَيْلٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ
[الحديث 2389- طرفاه في: 6445 ، 7228]
قوله: "باب أداء الدين" في رواية أبي ذر "الديون" بالجمع "وقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} الآية" كذا لأبي ذر، وساق الأصيلي وغيره الآية. قال ابن المنير: أدخل الدين في الأمانة لثبوت الأمر بأدائه، إذ المراد بالأمانة في الآية هو المراد بها في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وفسرت هناك بالأوامر والنواهي فيدخل فيها جميع ما يتعلق بالذمة وما لا يتعلق ا هـ. ويحتمل أن تكون الأمانة على ظاهرها، وإذا أمر الله بأدائها ومدح فاعله وهي لا تتعلق بالذمة فحال ما في الذمة أولى. وأكثر المفسرين على أن الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة حاجب الكعبة، وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نزلت في الولاة، وعن ابن عباس هي عامة في جميع الأمانات. وروى ابن أبي شيبة من طريق طلق بن معاوية قال: "كان لي دين على رجل فخاصمته إلى شريح فقال له: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وأمر بحبسه. ثم أورد المصنف فيه حديث أبي ذر "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما أبصر أحدا قال: ما أحب أنه يحول لي ذهبا يمكث عندي منه دينار فوق ثلاث، إلا دينارا أرصده لدين" الحديث وسيأتي الكلام علبه مستوفى في كتاب الرقاق. وغرضه هنا هذا القدر المذكور. قال ابن بطال: فيه إشارة إلى عدم الاستغراق في كثير الدين والاقتصار على اليسير منه أخذا من اقتصاره على ذكر الدينار الواحد، ولو كان عليه مائة دينار مثلا لم يرصد لأدائها دينارا واحدا ا هـ. ولا يخفى ما فيه. وفيه الاهتمام بأمر وفاء الدين، وما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الزهادة في الدنيا. قوله: "ما أحب أنه تحول لي ذهبا" كذا لأبي ذر "تحول" بفتح المثناة، ولغيره بضم التحتانية قال ابن مالك: فيه حول بمعنى صير وقد خفي على كثير من النحاة، وعاب بعضهم استعماله على الحريري. قال: وقد جاء هنا على ما لم يسم فاعله جاريا مجرى صار في رفع ما كان مبتدأ ونصب ما كان خبرا، وكذلك حكم ما صيغ من حول مثل تحول فإنه بزيادة المثناة تجدد له حذف ما كان فاعلا وجعل أول المفعولين فاعلا وثانيهما
(5/55)

خبرا منصوبا. قوله: "أرصده" ثبت في روايتنا بضم أوله من الرباعي وحكى ابن التين عن بعض الروايات بفتح الهمزة من رصد، والأول أوجه تقول أرصدته أي هيأته وأعددته ورصدته أي رقبته، وقوله: "الأكثرون" أي مالا و "الأقلون" أي ثوابا إلا من ذكر، وقوله: "وقليل ما هم" ما زائدة أو صفة، وقوله: "مكانك" بالنصب محذوف العامل أي الزم مكانك، وقوله: "قلت يا رسول الله الذي سمعت" خبره محذوف تقديره ما هو، وقوله: "ومن فعل كذا وكذا" فسر في الرواية الآتية في الرقاق "وإن زنى وإن سرق" ووقع في رواية المستملي هنا "وإن" بدل ومن. قوله: عقب حديث أبي هريرة في معنى حديث أبي ذر رواه صالح وعقيل عن الزهري"يعني عن عبيد الله عن أبي هريرة ، وطريقهما موصل في "الزهريات" لمحمد بن يحيى الذهلي. قوله: "لو كان لي مثل أحد ذهبا" قال ابن مالك: فيه وقوع التمييز بعد مثل وهو قليل، ونظيره قوله تعالى: {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} . قوله: "ما يسرني أن لا يمر" قال ابن مالك: فيه وقوع جواب لو مضارعا منفيا بما، والأصل أن يكون ماضيا مثبتا، وكأنه أوقع المضارع موقع الماضي، أو يكون الأصل ما كان يسرني فحذف كان وهو جواب لو، وفيه ضمير هو الاسم ويسرني الخبر، وحذف كان مع اسمها وبقاء خبرها كثير وهذا أولى ا هـ. ووقع في حديث أبي ذر "ما يسرني أن يمكث عندي" وفي حديث أبي هريرة "يسرني أن لا يمكث" ومفهوم كل منهما مطابق لمنطوق الآخر، ووقع للأصيلي وكريمة في رواية أبي هريرة "ما يسرني أن لا يمكث" وعلى هذا فلا زائدة. والله أعلم.
(5/56)