باب: مَا يَجُوزُ مِنْ شُرُوطِ الْمُكَاتَبِ وَمَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
 
2561- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ "أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لِأَهْلِهَا فَأَبَوْا وَقَالُوا: إِنْ
(5/187)

شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لَنَا فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ قَالَ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ"
2562- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَرَادَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً لِتُعْتِقَهَا فَقَالَ أَهْلُهَا عَلَى أَنَّ وَلاَءَهَا لَنَا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَمْنَعُكِ ذَلِكِ فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ"
قوله: "باب ما يجوز من شروط المكاتب، ومن اشترط شرطا ليس في كتاب الله" جمع في هذه الترجمة بين حكمين، وكأنه فسر الأول بالثاني، وأن ضابط الجواز ما كان في كتاب الله، وسيأتي في الشروط أن المراد بما ليس في كتاب الله ما خالف كتاب الله، وقال ابن بطال: المراد بكتاب الله هنا حكمه من كتابه أو سنة رسوله أو إجماع الأمة. وقال ابن خزيمة: ليس في كتاب الله أي ليس في حكم الله جوازه أو وجوبه، لا أن كل من شرط شرطا لم ينطق به الكتاب يبطل، لأنه قد يشترط في البيع الكفيل فلا يبطل الشرط، ويشترط في الثمن شروط من أوصافه أو من نجومه ونحو ذلك فلا يبطل. وقال النووي: قال العلماء الشروط في البيع أقسام، أحدها يقتضيه إطلاق العقد كشرط تسليمه، الثاني شرط فيه مصلحة كالرهن وهما جائزان اتفاقا، الثالث اشتراط العتق في العبد وهو جائز عند الجمهور لحديث عائشة وقصة بريرة، الرابع ما يزيد على مقتضى العقد ولا مصلحة فيه للمشتري كاستثناء منفعته فهو باطل. وقال القرطبي: قوله: "ليس في كتاب الله" أي ليس مشروعا في كتاب الله تأصيلا ولا تفصيلا، ومعنى هذا أن من الأحكام ما يؤخذ تفصيله من كتاب الله كالوضوء، ومنها ما يؤخذ تأصيله دون تفصيله كالصلاة، ومنها ما أصل أصله كدلالة الكتاب على أصلية السنة والإجماع وكذلك القياس الصحيح، فكل ما يقتبس من هذه الأصول تفصيلا فهو مأخوذ من كتاب الله تأصيلا. قوله: "فيه عن ابن عمر" كذا لأبي ذر، ولغيره: "فيه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وكأنه أشار بذلك إلى حديث ابن عمر الآتي في الباب الذي يليه، وقد مضى بلفظ الاشتراط في "باب البيع والشراء مع النساء" من كتاب البيوع. قوله: "إن بريرة" هي بفتح الموحدة بوزن فعيلة، مشتقة من البرير وهو ثمر الأراك. وقيل إنها فعيلة من البر بمعنى مفعولة كمبرورة، أو بمعنى فاعلة كرحيمة، هكذا وجهه القرطبي. والأول أولى لأنه صلى الله عليه وسلم غير اسم جويرية وكان اسمها برة وقال: "لا تزكوا أنفسكم" فلو كانت بريرة من البر لشاركتها في ذلك. وكانت بريرة لناس من الأنصار كما وقع عند أبي نعيم، وقيل لناس من بني هلال قاله ابن عبد البر، ويمكن الجمع. وكانت تخدم عائشة قبل أن تعتق كما سيأتي في حديث الإفك، وعاشت إلى خلافة معاوية، وتفرست في عبد الملك بن مروان أنه يلي الخلافة فبشرته بذلك وروى هو ذلك عنها. قوله: "فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت" كذا في هذه الرواية، وهي نظير رواية مالك
(5/188)

عن هشام بن عروة الآتية في الشروط بلفظ: "إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت" وظاهره أن عائشة طلبت أن يكون الولاء لها إذا بذلت جميع مال المكاتبة. ولم يقع ذلك إذ لو وقع ذلك لكان اللوم على عائشة بطلبها ولاء من أعتقها غيرها. وقد رواه أبو أسامة عن هشام بلفظ يزيل الإشكال فقال بعد قوله: "أن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك ويكون ولاؤك لي فعلت": وكذلك رواه وهيب عن هشام، فعرف بذلك أنها أرادت أن تشتريها شراء صحيحا ثم تعتقها إذ العتق فرع ثبوت الملك، ويؤيده قوله في بقية حديث الزهري في هذا الباب: "فقال صلى الله عليه وسلم: ابتاعي فأعتقي" وهو يفسر قوله في رواية مالك عن هشام "خذيها" ويوضح ذلك أيضا قوله في طريق أيمن الآتية "دخلت على بريرة وهي مكاتبة فقالت: اشتريني وأعتقيني، قالت نعم" وقوله في حديث ابن عمر "أرادت عائشة أن تشتري جارية فتعتقها" وبهذا يتجه الإنكار على موالي بريرة، إذ وافقوا عائشة على بيعها ثم أرادوا أن يشترطوا أن يكون الولاء لهم، ويؤيده قوله في رواية أيمن المذكورة "قالت لا تبيعوني حني تشترطوا ولائي" وفي رواية الأسود الآتية في الفرائض عن عائشة "اشتريت بريرة لأعتقها، فاشترط أهلها ولاءها" وسيأتي قريبا في الهبة من طريق القاسم عن عائشة "أنها أرادت أن تشتري بريرة وأنهم اشترطوا ولاءها". قوله: "ارجعي إلى أهلك" المراد بالأهل هنا السادة، والأهل في الأصل الآل، وفي الشرع من تلزم نفقته على الأصح عند الشافعية. قوله: "إن شاءت أن تحتسب" هو من الحسبة بكسر المهملة أي تحتسب الأجر عند الله ولا يكون لها ولاء. قوله: "فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم" في رواية هشام "فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألني فأخبرته" وفي رواية مالك عن هشام "فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقالت: إني عرضت عليهم فأبوا، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم" وفي رواية أيمن الآتية "فسمع بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أو بلغه" زاد في الشروط من هذا الوجه فقال: "ما شأن بريرة" ولمسلم من رواية أبي أسامة، ولابن خزيمة من رواية حماد بن سلمة كلاهما عن هشام "فجاءتني بريرة والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فقالت لي فيما بيني وبينها: ما أراد أهلها، فقلت: لاها الله إذا، ورفعت صوتي وانتهرتها، فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فسألني فأخبرته" لفظ ابن خزيمة. قوله: "ابتاعي فأعتقي" هو كقوله في حديث ابن عمر: "لا يمنعك ذلك" وليس في ذلك شيء من الإشكال الذي وقع في رواية هشام الآتية في الباب الذي يليه. قوله: "وإن شرط" في رواية أبي ذر "وإن اشترط". قوله: "مائة مرة" في رواية المستملي: "مائة شرط" وكذا هو في رواية هشام وأيمن، قال النووي: معنى قوله: "ولو اشترط مائة شرط" أنه لو شرط مائة مرة توكيدا فهو باطل، ويؤيده قوله في الرواية الأخيرة: "إن شرط مائة مرة" وإنما حمله على التأكيد لأن العموم في قوله: "كل شرط" وفي قوله: "من اشترط شرطا" دال على بطلان جميع الشروط المذكورة فلا حاجة إلى تقييدها بالمائة فإنها لو زادت عليها كان الحكم كذلك لما دلت عليها الصيغة. نعم الطريق الأخيرة من رواية أيمن عن عائشة بلفظ: "فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الولاء لمن أعتق وإن اشترطوا مائة شرط" وإن احتمل التأكيد لكنه ظاهر في أن المراد به التعدد، وذكر المائة على سبيل المبالغة والله أعلم. وقال القرطبي: قوله: "ولو كان مائة شرط" خرج مخرج التكثير، يعني أن الشروط الغير المشروعة باطلة ولو كثرت، ويستفاد منه أن الشروط المشروعة صحيحة وسيأتي التنصيص على ذلك في كتاب الشروط إن شاء الله تعالى. قوله عن ابن عمر "أرادت عائشة" في رواية مسلم: "عن يحيى بن يحيى النيسابوري عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عائشة" فصار من مسند عائشة، وأشار ابن عبد البر إلى تفرده عن مالك بذلك، وليس كذلك فقد أخرجه أبو
(5/189)

عوانة في صحيحه عن الربيع عن الشافعي عن مالك كذلك وكذا أخرجه البيهقي في "المعرفة" من طريق الربيع، ويمكن أن يكون هنا "عن" لا يراد بها أداة الرواية بل في السياق شيء محذوف تقديره عن قصة عائشة في إرادتها شراء بريرة، وقد وقع نظير ذلك في قصة بريرة، ففي النسائي من طريق يزيد بن رومان "عن عروة عن بريرة أنها كان فيها ثلاث سنين" قال النسائي: هذا خطأ والصواب رواية عروة عن عائشة. قلت: وإذا حمل على ما قررته لم يكن خطأ، بل المراد عن قصة بريرة، ولم يرد الرواية عنها نفسها. وقد قررت هذه المسألة بنظائرها فيما كتبته على ابن الصلاح. قوله: "لا يمنعك" في رواية أبي ذر "لا يمنعنك" بنون التأكيد، والأول رواية مسلم.
(5/190)